للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَوْ كَانَ الْفِطْرُ جَائِزًا لَكَانَ الْأَفْضَلُ الْفِطْرَ لِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ الَّتِي هِيَ السُّنَّةُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعُذْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الضِّيَافَةِ هَلْ تَكُونُ عُذْرًا قِيلَ لَا تَكُونُ عُذْرًا لِمَا رَوَيْنَا وَقِيلَ تَكُونُ عُذْرًا قَبْلَ الزَّوَالِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ طَعَامًا فَدَعَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابًا لَهُ فَلَمَّا جِيءَ بِالطَّعَامِ تَنَحَّى أَحَدُهُمْ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَالَك فَقَالَ إنِّي صَائِمٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَكَلَّفَ لَك أَخُوك وَصَنَعَ ثُمَّ تَقُولُ إنِّي صَائِمٌ كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» وَعَيَّنَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إنَّهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَبَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَكُونُ عُذْرًا إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ يُفْطِرُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا يُفْطِرُ بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ يَقْضِي مَذْهَبُنَا وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجِبُ صِيَامُهُ وَلَا قَضَاؤُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ أَوْ أَمِينُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَامَ تَطَوُّعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ» وَلِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْأَدَاءِ وَقَدْ مَضَى مَا تَبَرَّعَ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١] وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ أَصْبَحْت أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ إلَيْنَا طَعَامٌ فَأَفْطَرْنَا عَلَيْهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَدَرَتْنِي حَفْصَةُ وَكَانَتْ بِنْتَ أَبِيهَا فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ» ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ يَوْمًا عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ إنِّي أَصْبَحْت صَائِمًا فَمَرَّتْ بِي جَارِيَةٌ لِي فَوَقَعْت عَلَيْهَا فَمَا تَرَوْنَ فَقَالَ عَلِيٌّ أَصَبْت حَلَالًا وَتَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَنْتَ أَحْسَنُهُمْ فُتْيَا وَلِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ قُرْبَةٌ فَيَجِبُ صِيَانَتُهُ وَحِفْظُهُ عَنْ الْبُطْلَانِ وَقَضَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْسَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِإِتْيَانِ الْبَاقِي فَيَجِبُ إتْمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْسَادِ ضَرُورَةً فَصَارَ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ التَّطَوُّعَيْنِ فَإِنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَقِيلَ تَكُونُ عُذْرًا) أَيْ فِي التَّطَوُّعِ فِي الصَّحِيحِ دُونَ صَوْمِ الْقَضَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كُلْ وَصُمْ يَوْمًا) ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَيَّنَهُ) أَيْ عَيَّنَ الَّذِي صَنَعَ الطَّعَامَ أَفَادَهُ شَيْخُنَا اهـ

(قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ يُفْطِرُ) أَيْ فِي التَّطَوُّعِ دُونَ قَضَاءِ رَمَضَانَ. اهـ. غَايَةٌ نَقْلًا عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَحْسَنُ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مَا فِي مُسْلِمٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّارِحُ عَلَى إبَاحَةِ الْإِفْطَارِ بِغَيْرِ عُذْرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اقْضِيَا يَوْمًا إلَخْ) وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ خُرُوجٌ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ بَلْ هُوَ مَحْفُوفٌ بِمَا يُوجِبُ مُقْتَضَاهُ وَيُؤَكِّدُهُ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] كَلَامُ الْمُفَسِّرِينَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا تُحْبِطُوا الطَّاعَاتِ بِالْكَبَائِرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: ٢] إلَى أَنْ قَالَ {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} [الحجرات: ٢] وَكَلَامُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ أَوْ لَا تُبْطِلُوهَا بِمَعْصِيَتِهِمَا أَوْ الْإِبْطَالُ بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْهُ بِالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ أَوْ بِالْعُجْبِ وَالْكُلُّ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِبْطَالِ إخْرَاجُهَا عَنْ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا فَائِدَةٌ أَصْلًا كَأَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ وَهَذَا غَيْرُ الْإِبْطَالِ الْمُوجِبِ لِلْقَضَاءِ فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ بِاعْتِبَارِ الْمُرَادِ دَلِيلًا عَلَى مَنْعِ هَذَا الْإِبْطَالِ بَلْ دَلِيلًا عَلَى مَنْعِهِ بِدُونِ قَضَاءٍ فَيَكُونُ دَلِيلُ رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا إبَاحَةُ الْفِطْرِ مَعَ إيجَابِ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا اخْتَرْنَاهَا لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ بِاعْتِبَارِ الْمُرَادِ مِنْهَا عَلَى سِوَى ذَلِكَ وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ لَا تُفِيدُ سِوَى إيجَابِ الْقَضَاءِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَهِيَ قَوْلُهُ وَلَا تَعُودَا وَهِيَ مَعَ كَوْنِهَا مُنْفَرَدًا بِهَا لَا تَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِلشَّافِعِيِّ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ ثُبُوتِ الْحُجِّيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ

وَكَذَا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «آخَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُبْتَذِلَةً فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُك قَالَتْ أَخُوك أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامٌ فَقَالَ كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَ مَا آكُلُ حَتَّى تَأْكُلَ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْل قَالَ لَهُ سَلْمَانُ قُمْ الْآنَ قَالَ فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ إنَّ لِرَبِّك عَلَيْك حَقًّا وَلِنَفْسِك عَلَيْك حَقًّا وَلِنَفْسِك عَلَيْك حَقًّا وَلِأَهْلِك عَلَيْك حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَ سَلْمَانُ» وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الضِّيَافَةَ عُذْرٌ وَكَذَا مَا أَسْنَدَهُ الدَّارَقُطْنِيّ إلَى جَابِرٍ قَالَ «صَنَعَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا فَدَعَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ فَلَمَّا أَتَى بِالطَّعَامِ تَنَحَّى رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالَك قَالَ إنِّي صَائِمٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكَلَّفَ أَخُوك وَصَنَعَ طَعَامًا ثُمَّ تَقُولُ إنِّي صَائِمٌ كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ كَوْنِ الْفِطْرِ مَمْنُوعًا إذْ لَا يُعْهَدُ لِلضِّيَافَةِ أَثَرٌ فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبَاتِ وَلِذَا مَنَعَ الْمُحَقِّقُونَ كَوْنَهَا عُذْرًا كَالْكَرْخِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ وَاسْتَدَلَّا بِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» أَيْ فَلْيَدْعُ لَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ هَذَا الْحَدِيثِ

وَقَالَ بَعْضُهُمْ ثَبَتَ مَوْقُوفًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ سَلْمَانَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى تَتَظَافَرُ الْأَدِلَّةُ وَلَا يُعَارِضُ مَا اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ مَا يُثْبِتُهَا عَلَى مَا لَا يَخْفَى. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ قَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ مَكَانَهُ) زَادَ الطَّبَرَانِيُّ وَلَا تَعُودَا. اهـ. فَتْحُ (قَوْلُهُ أَنْتَ أَحْسَنُهُمْ) رَوَاهُ فِي الْمُحَلَّى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. اهـ. غَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>