قِيلَ وُجُوبُ إتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِالْأَمْرِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] قُلْنَا قَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ذَكَرَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا إنْ تَطَوَّعَ عَقِيبَ قَوْلِ الْأَعْرَابِيّ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا وَمَا رَوَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَكَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّ فِي طَرِيقِهِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَلَئِنْ صَحَّا فَالْمُرَادُ بِالْخِيَارِ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ نَفْيُ الْإِجْبَارِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّارِعَ وَإِنْ أَمَرَهُ بِالنَّفْلِ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَيْهِ بَلْ اخْتِيَارُهُ بَاقٍ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩] وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ الثَّانِي بَيَانُ وَقْتِ الشَّرْعِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصُومَ تَطَوُّعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ إنْ شَاءَ شَرَعَ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَشْرَعْ كَمَا يُقَالُ مَنْ دَخَلَ عَلَى السُّلْطَانِ فَلْيَتَأَهَّبْ أَيْ مَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ عَلَيْهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَمْسَكَ) يَوْمَهُ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالتَّشَبُّهِ (وَلَمْ يَقْضِ شَيْئًا) لِأَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فِيهِ وَقَالَ زُفَرُ إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ إدْرَاكَ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَإِدْرَاكِ كُلِّهِ كَمَا فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ كَذَلِكَ فِي الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَنَحْنُ نَقُولُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّلَاةِ الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ فَوُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ وَفِي الصَّوْمِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ هُوَ السَّبَبُ وَالْأَهْلِيَّةُ مَعْدُومَةٌ عِنْدَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا أَدْرَكَا وَقْتَ النِّيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِمَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِإِمْكَانِ تَحْصِيلِهِ وَإِنْ لَمْ يَصُومَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ لِمَا قُلْنَا وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ وُجُوبًا كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ أَدَاءً وَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ مُنْعَدِمَةٌ فِي أَوَّلِهِ فَلَا يَجِبُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ إنْ لَمْ يَصُمْ وَيُجْزِيهِ عَنْ الْوَاجِبِ إنْ نَوَاهُ فِي وَقْتِهِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَوْعَبِ مِنْهُ كَالْمَرِيضِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَلَوْ نَوَى الْكَافِرُ الَّذِي أَسْلَمَ تَطَوُّعًا لَا يُجْزِيهِ عَنْ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّطَوُّعِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ الَّذِي بَلَغَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ وَقِيلَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ يَلْزَمُهُمَا بِالشُّرُوعِ فِيهِ نَهَارًا حَتَّى لَوْ أَفْسَدَاهُ وَجَبَ عَلَيْهِمَا قَضَاؤُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْإِمْسَاكِ قِيلَ إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ مُفْطِرٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ وَقِيلَ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِذَلِكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ حِينَ كَانَ صَوْمُهُ وَاجِبًا وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ لِمَا رَوَيْنَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَنْ صَارَ أَهْلًا لِلصَّوْمِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَلَمْ يَكُنْ فِي أَوَّلِهِ كَذَلِكَ كَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي طَرِيقِهِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ) ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩] لَيْسَ مَا فِي الْآيَةِ نَظِيرُ مَا فِي الْحَدِيثِ إذْ الْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلتَّهْدِيدِ وَفِي الْحَدِيثِ لِلتَّخْيِيرِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَمْسَكَ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِ اهـ ع (قَوْلُهُ بِالتَّشَبُّهِ) أَيْ بِالصَّائِمِينَ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقْضِ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا اهـ ع
(فَرْعٌ) وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّوْمِ إذَا أَطَاقَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ قَالَ لَا يُجْزِيهِ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَتُجْزِيهِ الصَّلَاةُ قَبْلَهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُؤْمَرُ حَتَّى يَبْلُغَ وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَر اخْتِلَافَ مَشَايِخِ بَلْخٍ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ إذَا أُمِرَ فَلَمْ يَصُمْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ يُضْرَبُ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ عَلَى الصَّوْمِ كَمَا يُضْرَبُ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا يُضْرَبُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ فَيُضْرَبُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ اهـ كَاكِيٌّ قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي آخِرِ بَابِ الِاعْتِكَافِ مَا نَصُّهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْمَالِكِيَّةِ صَوْمُ الصَّبِيِّ وَحَجُّهُ وَصَلَاتُهُ لَيْسَتْ بِشَرْعِيَّةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ ذَلِكَ تَمْرِينٌ لِلصَّبِيِّ (قُلْت) قَدْ نَقَلَ هَذَا غَيْرُهُ مِنْ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ عَنْ الْإِمَامِ وَنَقْلُهُمْ غَلَطٌ مَحْظُورٌ وَمَا أَعْلَمُ أَيَّ شَيْءٍ مُسْتَنَدُ نَقْلِهِمْ الْبَاطِلِ بَلْ اعْتِكَافُ الصَّبِيِّ وَصَوْمُهُ وَصَلَاتُهُ وَحَجُّهُ صَحِيحٌ شَرْعِيٌّ بِلَا خِلَافٍ وَأَجْرُهُ لَهُ دُونَ أَبَوَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى وَغَيْرِهَا
(قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْإِمْسَاكِ) يَعْنِي الْإِمْسَاكَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ مَا أَفْطَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ حِينَ كَانَ صَوْمُهُ وَاجِبًا) أَيْ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ عِنْدَ قَوْلِهِ صَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَنْ صَارَ أَهْلًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ مَنْ تَحَقَّقَ بِصِفَةٍ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَوْ قَارَنَ ابْتِدَاءُ وُجُودِهَا طُلُوعَ الْفَجْرِ وَتِلْكَ الصِّفَةُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّتْ مَعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ يَطْهُرَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ وَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ وَالْمَرِيضِ يَقْوَى وَالْمُسَافِرِ يَقْدَمُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْأَكْلِ أَمَّا إذَا قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ كَمَا فِي الْكِتَابِ وَكَذَا لَوْ كَانَ نَوَى الْفِطْرَ وَلَمْ يُفْطِرْ حَتَّى قَدِمَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِيَّةُ الصَّوْمِ وَاَلَّذِي أَفْطَرَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مُكْرَهًا أَوْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ اسْتَبَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقِيلَ الْإِمْسَاكُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ نَهَارًا لَا يَحْسُنُ أَنْ تَأْكُلَ وَالنَّاسُ صِيَامٌ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فَلْيَصُمْ وَقَالَ فِي الْحَائِضِ فَلْتَدَعْ وَقَوْلُ الْإِمَامِ لَا يَحْسُنُ تَعْلِيلًا لِلْوُجُوبِ أَيْ لَا يَحْسُنُ بَلْ يَقْبُحُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي بَعْضِهَا فَقَالَ فِي الْمُسَافِر إذَا أَقَامَ بَعْدَ الزَّوَالِ إنِّي أَسْتَقْبِحُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَالنَّاسُ صِيَامٌ وَهُوَ مُقِيمٌ فَبَيَّنَ مُرَادَهُ بِعَدَمِ الِاسْتِحْسَانِ وَلِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ مِنْ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِمْسَاكِ لِمَنْ أَكَلَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute