للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْك» وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ يُكْرَهُ التَّعْلِيمُ فِيهِ بِأَجْرٍ وَكَذَا كِتَابَةُ الْمُصْحَفِ فِيهِ بِأَجْرٍ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْخَيَّاطُ يَحْفَظُ الْمَسْجِدَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخِيطَ فِيهِ وَلَا يَسْتَطْرِقَهُ إلَّا لِعُذْرٍ وَكُلُّ مَا يُكْرَهُ فِيهِ يُكْرَهُ فِي سَطْحِهِ وَأَمَّا الصَّمْتُ فَالْمُرَادُ بِهِ صَمْتٌ يَعْتَقِدُهُ عِبَادَةً وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَعَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَتِمُّ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتِ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهُوَ صَوْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَنُسِخَ وَيُلَازِمُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ وَالتَّدْرِيسِ وَسَيْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَصَصَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَكِتَابَةَ أُمُورِ الدِّينِ وَأَمَّا التَّكَلُّمُ بِغَيْرِ الْخَيْرِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ فَمَا ظَنُّك بِالْمُعْتَكِفِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] فَأَلْحَقَ بِهِ دَوَاعِيَهُ وَهُوَ اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مَحْظُورٌ فِيهِ لِمَا تَلَوْنَا فَيَتَعَدَّى إلَى دَوَاعِيهِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ وَالظِّهَارِ وَالِاسْتِبْرَاءِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْهُ هُوَ الرُّكْنُ فِيهِ وَالْحَظْرُ يَثْبُتُ ضِمْنًا كَيْ لَا يَفُوتَ الرُّكْنُ فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى دَوَاعِيهِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى لَصَارَ الْكَفُّ عَنْ الدَّوَاعِي رُكْنًا وَالرُّكْنِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ وَالْحُرْمَةُ تَثْبُتُ بِهَا وَلِأَنَّ الصَّوْمَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ فَلَوْ مَنَعُوا عَنْ الدَّوَاعِي لَحَرَجُوا وَبِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيْضِ لِأَنَّهَا زَمَانُ نَفْرَةٍ فَلَمْ تَكُنْ دَاعِيَةً إلَى الْوَطْءِ وَلِأَنَّ الْحَيْضَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الصَّوْمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ بِوَطْئِهِ) أَيْ يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِوَطْئِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا نَهَارًا أَوْ لَيْلًا لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ بِالنَّصِّ فَكَانَ مُفْسِدًا لَهُ كَيْفَمَا كَانَ كَالْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ حَيْثُ لَا يَفْسُدُ بِهِ إذَا كَانَ نَاسِيًا وَالْفَرْقُ أَنَّ حَالَةَ الْمُعْتَكِفِ مُذَكِّرَةٌ كَحَالَةِ الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ وَحَالَةَ الصِّيَامِ غَيْرُ مُذَكِّرَةٍ وَلَوْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَنْزَلَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ وَلَوْ أَمْنَى بِالتَّفَكُّرِ أَوْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى بَعْضِ أَهْلِهِ لِيَغْسِلَهُ أَوْ يُرَجِّلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ غَسَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي إنَاءٍ بِحَيْثُ لَا يُلَوِّثُ الْمَسْجِدَ لَا بَأْسَ بِهِ وَصُعُودُ الْمِئْذَنَةِ إنْ كَانَ مِنْ بَابِهَا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ لَا يُفْسِدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا فِي الْمُؤَذِّنِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِلْأَذَانِ مَعْلُومٌ فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى أَمَّا غَيْرُهُ فَيَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ أَقْيَسُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ. اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْخَيَّاطُ يَحْفَظُ الْمَسْجِدَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَخِيطَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ أُعِدَّ لِلْعِبَادَةِ دُونَ الِاكْتِسَاب وَكَذَا الْوَرَّاقُ وَالْفَقِيهُ إذَا كَتَبَ بِأَجْرٍ أَوْ الْمُعَلِّمُ إذَا عَلَّمَ الصِّبْيَانَ بِأَجْرٍ وَإِنْ فَعَلُوا بِغَيْرِ أَجْرٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ إذَا قَعَدَ الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ خَيَّاطًا يَخِيطُ فِيهِ وَيَحْفَظُ الْمَسْجِدَ عَنْ الصِّبْيَانِ وَالدَّوَابِّ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْهُ هُوَ الرُّكْنُ فِيهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَاصِلُ الْوَجْهِ الْحَكَمُ بِاسْتِلْزَامِ حُرْمَةِ الشَّيْءِ ابْتِدَاءً فِي الْعِبَادَةِ حُرْمَةُ دَوَاعِيه وَبِعَدَمِ اسْتِلْزَامِ حُرْمَةَ الدَّوَاعِي إذَا كَانَتْ حُرْمَتُهُ ثَابِتَةً ضِمْنَ ثُبُوتِ الْأَمْرِ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ التَّحْرِيمِ الضِّمْنِيِّ لِضِدِّ مَأْمُورٍ بِهِ وَالْقَصْدِيِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ ثُبُوتَ مَا لَهُ الدَّوَاعِي عِنْدَ ثُبُوتِهَا مَعَ قِيَامِ الْحَاجِزِ الشَّرْعِيِّ عَنْهُ لَيْسَ قَطْعِيًّا وَلَا غَالِبًا غَيْرَ أَنَّهَا طَرِيقٌ فِي الْجُمْلَةِ فَحُرِّمَتْ لِلتَّحْرِيمِ الْقَصْدِيِّ دَوَاعِيهِ لَا الضِّمْنِيِّ إذْ هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ الْمَقْصُودُ لَيْسَ إلَّا تَحْصِيلَ الْمَأْمُورِ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَلْحُوظٍ فِي الطَّلَبِ إلَّا لِغَيْرِهِ فَلَا تَتَعَدَّى الْحُرْمَةُ إلَى دَوَاعِيهِ إذَا عُرِفَ هَذَا فَحُرْمَةُ الْوَطْءِ فِي الِاعْتِكَافِ قَصْدِيٌّ إذْ هُوَ ثَابِتٌ بِالنَّهْيِ الْمُفِيدِ لِلْحُرْمَةِ ابْتِدَاءً لِنَفْسِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ} [البقرة: ١٨٧] وَمِثْلُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَالِاسْتِبْرَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة: ١٩٧] الْآيَةَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَنْكِحُوا الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» فَيُعَدَّى إلَى الدَّوَاعِي فِيهَا وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ ضِمْنِيٌّ لِلْأَمْرِ الطَّالِبِ لِلصَّوْمِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: ٢٢٢] فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الْكَفِّ فَحُرْمَةُ الْوَطْءِ تَثْبُتُ ضِمْنًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ حُرْمَةَ الْفِعْلِ وَهُوَ الْوَطْءُ هِيَ الثَّابِتَةُ أَوَّلًا بِالصِّيغَةِ ثُمَّ تَثْبُتُ وُجُوبُ الْكَفِّ عَنْهُ ضِمْنًا فَلِذَا تَثْبُتُ سَمْعًا حِلُّ الدَّوَاعِي فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابَيْهِمَا اهـ

(فَرْعٌ) فِي الْمُجْتَبَى وَفِي جَامِعِ الْإِسْبِيجَابِيِّ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ أَنْ يَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ مُقِيمًا كَانَ أَوْ غَرِيبًا مُضْطَجِعًا أَوْ مُتَّكِئًا رِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ لَا فَالْمُعْتَكِفُ أَوْلَى وَيَلْبَسُ الْمُعْتَكِفُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيَنَامُ فِيهِ وَيَتَطَيَّبُ وَيَدَّهِنُ وَيَغْسِلُ رَأْسَهُ فِيهِ وَقَالَ أَحْمَدُ يُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَلْبَسَ الرَّفِيعَ مِنْ الثِّيَابِ وَيَتَطَيَّبَ وَلَوْ سَكِرَ لَيْلًا لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِي وَأَحْمَدَ وَعِنْدَ مَالِكٍ السُّكْرُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الِاعْتِكَافَ وَبَقَاءَهُ وَلَا يُفْسِدُهُ سِبَابٌ وَلَا جِدَالٌ وَلَا كَبِيرَةٌ مِمَّا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَعِنْدَ مَالِكٍ يُفْسِدُهُ الْكَبَائِرُ دُونَ الصَّوْمِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُبْطِلُهُ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ بِوَطْئِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا فَسَدَ الِاعْتِكَافُ الْوَاجِبُ وَجَبَ قَضَاؤُهُ إلَّا إذَا فَسَدَ بِالرِّدَّةِ خَاصَّةً فَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ يَقْضِي قَدْرَ مَا فَسَدَ لَيْسَ غَيْرُ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا يَقْضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ أَصْلُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ لِأَنَّهُ لَزِمَ مُتَتَابِعًا فَيُرَاعَى فِيهِ صِفَةُ التَّتَابُعِ وَسَوَاءٌ فَسَدَ بِصُنْعِهِ كَالْخُرُوجِ وَالْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ وَالرِّدَّةِ أَوْ لِعُذْرٍ كَمَا إذَا مَرِضَ فَاحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَالْحَيْضِ وَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ الطَّوِيلِ وَأَمَّا الرِّدَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدْ) وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ الْمُفْسِدُ أُورِدَ عَلَيْهِ لَمَّا لَمْ يُفْسِدْ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: ١٨٧] الْآيَةَ أُجِيبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>