للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالنَّظَرِ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَزِمَهُ اللَّيَالِي أَيْضًا بِنَذْرِ اعْتِكَافِهِ أَيَّامٍ) مَعْنَاهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ أَيَّامًا لَزِمَتْهُ بِلَيَالِيِهَا لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ يُدْخِلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي وَكَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ اللَّيَالِيَ لَزِمَتْهُ بِأَيَّامِهَا لِأَنَّهُ بِذِكْرِ اللَّيَالِي يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: ٤١] وَقَالَ تَعَالَى {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: ١٠] وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ فَعَبَّرَ عَنْهَا تَارَةً بِالْأَيَّامِ وَتَارَةً بِاللَّيَالِيِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَ أَحَدِهِمَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ الْآخَرَ وَتَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى وَكَانَتْ مُتَتَابِعَةً وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّتَابُعُ لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا قَابِلَةٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّفَرُّقِ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصَّوْمِ فَتَخَلُّلُهَا يُوجِبُ التَّفَرُّقَ فَيَجِبُ عَلَى التَّفَرُّقِ حَتَّى يَنُصَّ عَلَى التَّتَابُعِ ثُمَّ يَدْخُلَ فِي الِاعْتِكَافِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ وَيَخْرُجَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ وَإِنْ نَوَى الْأَيَّامَ خَاصَّةً صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَيْلَتَانِ يَنْذُرُ يَوْمَيْنِ) أَيْ يَلْزَمُهُ لَيْلَتَانِ بِنَذْرِ اعْتِكَافِ يَوْمَيْنِ لِأَنَّهُ بِذِكْرِ يَوْمَيْنِ يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهِمَا مِنْ اللَّيْلَتَيْنِ فِي الْعَادَةِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُذْ يَوْمَيْنِ وَالْمُرَادُ بِلَيْلَتِهِمَا كَمَا يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ اللَّيْلُ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ لَا تَلْزَمُهُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ إلَّا تَبَعًا لِضَرُورَةِ الْوَصْلِ بَيْنَ الْأَيَّامِ وَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِ اللَّيْلَةِ الْأُولَى لِتَحَقُّقِ الْوَصْلِ بِدُونِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّثْنِيَةِ فَقَطْ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ وَلَا اعْتِكَافَ بِدُونِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ بِيَوْمِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بِأَنَّ مَجَازَهَا وَهُوَ الْجِمَاعُ مُرَادٌ فَيَبْطُلُ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ لِامْتِنَاعِ الْجَمْعِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِانْكِشَافِ أَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ مَا صَدَقَاتِ الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ خَاصَّةٌ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُبْلَةِ وَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَالْمَسِّ بِالْيَدِ وَالْجِمَاعِ مُتَوَاطِئًا أَوْ مُشَكِّكًا فَأَيُّهَا أُرِيدَ بِهِ كَانَ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ كُلُّ اسْمٍ بِمَعْنَى كُلٍّ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُرَادَ بِهِ فَرْدَانِ مِنْ مَفْهُومِهِ فِي إطْلَاقِ وَاحِدٍ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ سِيَاقُ النَّهْيِ وَهُوَ يُفِيدُ الْعُمُومَ فَيُفِيدُ تَحْرِيمَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُبَاشَرَةِ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ مَعْنَاهُ لَوْ نَذَرَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ بِلِسَانِهِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَكَذَا إذَا قَالَ شَهْرًا وَلَمْ يَنْوِهِ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا لَيْلُهُ وَنَهَارُهُ وَيَفْتَتِحُهُ مَتَى شَاءَ بِالْعَدَدِ اهـ لَا هِلَالِيًّا وَالشَّهْرُ الْمُعَيَّنُ هِلَالِيٌّ فَإِنْ فَرَّقَ اسْتَقْبَلَ وَقَالَ زُفَرُ إنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَشَهْرًا يَلْحَقُ بِالْإِجَارَاتِ وَالْأَيْمَانِ فِي لُزُومِ التَّتَابُعِ وَدُخُولِ اللَّيَالِي فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَبِالصَّوْمِ فِي عَدَمِ لُزُومِ الِاتِّصَالِ بِالْوَقْتِ الَّذِي نَذَرَ فِيهِ وَالْمُعَيَّنُ لِذَلِكَ عُرِفَ الِاسْتِعْمَالُ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ) أَيْ فَلَمَّا كَانَ عَدَدُ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي مُتَسَاوِيًا فَذِكْرُ الْأَيَّامِ يَتَنَاوَلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِيِ بِخِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحاقة: ٧]. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ) أَيْ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْيَوْمِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ نَوَى الْأَيَّامَ دُونَ اللَّيَالِيِ أَوْ قَلَبَهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَيْسَ بِاسْمٍ عَامٍّ كَالْعَشَرَةِ عَلَى مَجْمُوعِ الْآحَادِ فَلَا تَنْطَلِقُ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ أَصْلًا كَمَا لَا تَنْطَلِقُ الْعَشَرَةُ عَلَى خَمْسَةٍ مَثَلًا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا

أَمَّا لَوْ قَالَ شَهْرًا بِالنَّهَرُ دُونَ اللَّيَالِيِ لَزِمَهُ كَمَا قَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ اسْتَثْنَى فَقَالَ شَهْرًا إلَّا اللَّيَالِيَ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا فَكَأَنَّهُ قَالَ ثَلَاثِينَ نَهَارًا وَلَوْ اسْتَثْنَى الْأَيَّامَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْبَاقِيَ اللَّيَالِيُ الْمُجَرَّدَةُ وَلَا يَصِحُّ فِيهَا لِمُنَافَاتِهَا شَرْطَهُ وَهُوَ الصَّوْمُ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ بِيَوْمِهَا إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ نَوَى بِاللَّيْلَةِ الْيَوْمَ لَزِمَهُ وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَصِلَ قَضَاءَ أَيَّامِ حَيْضِهَا بِالشَّهْرِ فِيمَا إذَا نَذَرَتْ اعْتِكَافَ شَهْر فَحَاضَتْ فِيهِ وَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِهِ وَعَنْ لُزُومِ التَّتَابُعِ قَالُوا لَوْ أُغْمِيَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَوْ أَصَابَهُ عَتَهٌ أَوْ لَمَمٌ اسْتَقْبَلَ إذَا بَرَأَ لِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي آخَرِ يَوْمٍ وَفِي الصَّوْمِ لَا يَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ وَيَقْضِي مَا بَعْدَهُ فَأَفَادُوا أَنَّ الْإِغْمَاءَ إنَّمَا يُنَافِي شَرْطَ الصَّوْمِ وَهُوَ النِّيَّةُ وَالظَّاهِرُ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ فَلَا يَقْضِيهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الْفَرْقِ أَنْ يُقَالَ هُوَ عِبَادَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَالِانْتِظَارُ يَنْقَطِعُ بِالْإِغْمَاءِ فِي الصَّلَوَاتِ الَّتِي تَجِبُ بَعْدَ الْإِغْمَاءِ بِخِلَافِ الْإِمْسَاكِ الْمَسْبُوقِ بِالنِّيَّةِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الصَّوْمِ اهـ فَتْحُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>