للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا يَتَطَوَّعْ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمْ يَتَطَوَّعْ بَيْنَهُمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ تَطَوَّعَ أَوْ تَشَاغَلَ بِشَيْءٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا أَعَادَ الْإِقَامَةَ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الصَّلَاتَيْنِ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَالْعِشَاءُ بَيْنَهُمَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تَجُزْ الْمَغْرِبُ فِي الطَّرِيقِ) أَيْ وَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ لَمْ تَجُزْ وَكَذَا لَوْ صَلَّاهَا فِي عَرَفَاتٍ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا الْمَعْهُودِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَقْتٌ لَهَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَلِهَذَا لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ لَوَجَبَ إلَّا أَنَّهُ أَخْطَأَ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ وَلَنَا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ وَلَمْ يَسْبُغْ الْوُضُوءَ قُلْت الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الصَّلَاةُ أَمَامَك فَرَكِبَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَعْنَاهُ وَقْتُهَا أَمَامَك إذْ نَفْسُهَا لَا تُوجَدُ قَبْلَ إيجَادِهَا وَعِنْدَ إيجَادِهَا لَا تَكُونُ أَمَامَهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُصَلَّى أَمَامَك أَيْ مَكَانُ الصَّلَاةِ وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ «إذَا أَفَاضَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا بِجَمْعٍ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِيُمْكِنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ لِيَصِيرَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ فَسَقَطَتْ الْإِعَادَةُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ لِذَهَابِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي عَرَفَةَ بَعْدَمَا دَخَلَ وَقْتُهَا وَلَوْ خَشِيَ طُلُوعَ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّاهُمَا فِي الطَّرِيقِ جَازَ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْيِيَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، فَإِنَّ لَيْلَةُ الْعِيدِ جَامِعَةٌ لِأَنْوَاعِ الْفَضْلِ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَجَلَالَةِ أَهْلِ الْجَمْعِ وَهُمْ وَفْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَخَيْرُ عِبَادِهِ وَمَنْ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ صَلِّ الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّاهَا يَوْمَئِذٍ بِغَلَسٍ»، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّغْلِيسِ دَفْعَ حَاجَةِ الْوُقُوفِ فَيَجُوزُ كَتَقْدِيمِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ قِفْ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاعِيًا بِحَاجَتِك وَقِفْ عَلَى جَبَلِ قُزَحٍ إنْ أَمْكَنَك وَإِلَّا فَبِقُرْبٍ مِنْهُ)

لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَا اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ إلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ رَمْي مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعَا لِأُمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْمَغْفِرَةِ فَأُجِيبَ بِأَنِّي قَدْ غَفَرْت لَهُمْ مَا خَلَا الْمَظَالِمَ فَإِنِّي آخِذٌ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ قَالَ أَيْ رَبِّ إنْ شِئْت آتَيْت الْمَظْلُومَ مِنْ الْخَيْرِ وَغَفَرْت لِلظَّالِمِ فَلَمْ يُجَبْ عَشِيَّتَهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ وَفِيهِ قَالَ، إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إبْلِيسَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ اسْتَجَابَ دُعَائِي وَغَفَرَ لِأُمْتَى أَخَذَ التُّرَابَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ أَوْ تَشَاغَلْ) أَيْ سَوَّى بَيْنَ التَّطَوُّعِ وَالتَّشَاغُلِ بِشَيْءٍ آخَرَ فِي إعَادَةِ الْإِقَامَةِ، وَهُوَ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَكِنْ أُشِيرَ فِي مَبْسُوطِ الْإِسْبِيجَابِيُّ الَّذِي اخْتَصَرَهُ مِنْ مَبْسُوطِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهَا فِي التَّطَوُّعِ وَإِلَى إعَادَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي التَّعَشِّي وَغَيْرِهِ فَقِيلَ قَالَ زُفَرُ يُعِيدُهُمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْفَصْلُ بِهِ فَيُفْرِدُ الثَّانِيَةَ بِهِمَا إذَا كَانَ فَصَلَ بِالتَّعَشِّي. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَعَادَ الْإِقَامَةَ) أَيْ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانِ كَمَا فِي الْجَمْعِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّا اكْتَفَيْنَا بِإِعَادَةِ الْإِقَامَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الْمَغْرِبَ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ لِلْعِشَاءِ» كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ الْأَصْلُ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَلَفْظُهُ قَالَ «فَلَمَّا أَتَى جَمْعًا أَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ أَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ» اهـ (قَوْلُهُ وَالْعِشَاءُ بَيْنَهُمَا) قَالَ السُّرُوجِيُّ: لَكِنَّ ظَاهِرَهُ بِإِعَادَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يَحُجَّ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً» فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى مَا نُقِلَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ حَجَّةً بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ لَمْ تَجُزْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ قُلْت سُقُوطُ إعَادَتِهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ فَاسِدَةً فِي الطَّرِيقِ أَوْ بِعَرَفَةَ أَوْ بِالْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَتَأْوِيلُ الْأَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِمَعْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ أَمَامَك يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهَا فَاسِدَةً كَمَا لَوْ صَلَّاهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهَذَا سُؤَالٌ قَوِيٌّ اهـ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ إيجَادِهَا لَا تَكُونُ أَمَامَهُ) أَيْ بَلْ تَكُونُ وَرَاءَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ) أَيْ وَقَدْ يُقَالُ مُقْتَضَاهُ أَيْ حَدِيثُ أُسَامَةَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ فَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ لِلْجَمْعِ فَإِذَا فَاتَ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ تَخْصِيصٌ لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ وَمَرْجِعُهُ إلَى تَقْدِيمِ الْمَعْنَى عَلَى النَّصِّ وَكَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَى النَّصِّ لَا يُقَالُ لَوْ أَجْرَيْنَاهُ عَلَى إطْلَاقِهِ أَدَّى إلَى تَقْدِيمِ الظَّنِّيِّ عَلَى الْقَاطِعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ قُلْنَا بِافْتِرَاضِ ذَلِكَ لَكُنَّا نَحْكُمُ بِالْإِجْزَاءِ وَنُوجِبُ إعَادَةَ مَا وَقَعَ مُجْزِئًا شَرْعًا مُطْلَقًا وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ نَظِيرُ وُجُوبِ إعَادَةِ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ حَيْثُ يُحْكَمُ بِإِجْزَائِهَا وَتَجِبُ إعَادَتُهَا مُطْلَقًا اهـ فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي الطَّرِيقِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْمَغْرِبِ فَإِذَا لَمْ تُجْزِئْ الْمَغْرِبَ فَمَا رَتَّبَ عَلَيْهِ أَوْلَى. اهـ. كَاكِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>