للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَجَعَلَ يَحْثُو عَلَى رَأْسِهِ وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ» خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ ثُمَّ يَجْتَهِدُ وَيَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُتِمَّ مُرَادَهُ وَسُؤَالَهُ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ كَمَا أَتَمَّ لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ خَيْرُ مَطْلُوبٍ وَخَيْرُ مَرْغُوبٍ اللَّهُمَّ، إنَّ لِكُلِّ وَفْدٍ جَائِزَةً وَقُرًى فَاجْعَلْ قِرَايَ فِي هَذَا الْمَكَانِ قَبُولَ تَوْبَتِي وَالتَّجَاوُزَ عَنْ خَطِيئَتِي وَأَنْ تَجْمَعَ عَلَى الْهُدَى أَمْرِي اللَّهُمَّ عَجَّتْ لَك الْأَصْوَاتُ بِالْحَاجَاتِ وَأَنْتَ تَسْمَعُهَا وَلَا يَشْغَلُك شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ وَحَاجَتِي أَنْ لَا تُضَيِّعَ تَعَبِي وَنَصَبِي وَأَنْ لَا تَجْعَلَنِي مِنْ الْمَحْرُومِينَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ الشَّرِيفِ وَارْزُقْنِي ذَلِكَ أَبَدًا مَا أَبْقَيْتنِي، فَإِنِّي لَا أُرِيدُ إلَّا رَحْمَتَك وَلَا أَبْتَغِي إلَّا رِضَاك وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمُخْبِتِينَ وَالْمُتَّبِعِينَ لِأَمْرِك وَالْعَامِلِينَ بِفَرَائِضِك الَّتِي جَاءَ بِهَا كِتَابُك وَحَثَّ عَلَيْهَا رَسُولُك - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ) أَيْ الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ لِمَا رَوَيْنَا ثُمَّ وَقْتُ الْوُقُوفِ فِيهَا مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ خَرَجَ وَقْتُهُ وَلَوْ وَقَفَ فِيهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ مَرَّ بِهَا جَازَ كَمَا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَقَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَجُوزُ

وَالْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ سُنَّةٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَاجِبٌ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَاجِبٌ وَقَالَ مَالِكٌ: سُنَّةٌ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: رُكْنٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٨] وَلِحَدِيثِ عُرْوَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ مَنْ وَقَفَ مَعَنَا هَذَا الْمَوْقِفَ وَقَدْ كَانَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» عَلَّقَ بِهِ تَمَامَ الْحَجِّ، وَهُوَ آيَةُ الرُّكْنِيَّةِ وَلَنَا أَنَّ «سَوْدَةَ اسْتَأْذَنَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُفِيضَ بِلَيْلٍ فَأَذِنَ لَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا جَازَ تَرْكُهُ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَمَا تَلَاهُ لَا يَشْهَدُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ الذِّكْرُ، وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ هِيَ الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ هُوَ قُزَحُ وَلَوْ كَانَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ الْمُزْدَلِفَةَ كُلَّهَا لَقَالَ فِي الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ فِي الْمُزْدَلِفَةِ لَا عَيْنِ الْمُزْدَلِفَةِ وَسَمَّيْت مُزْدَلِفَةً لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَالِازْدِلَافُ الِاجْتِمَاعُ قَالَ اللَّه تَعَالَى {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ} [الشعراء: ٦٤] أَيْ جَمَعْنَاهُمْ وَقِيلَ لِاجْتِمَاعِ آدَمَ وَحَوَّاءَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فِيهَا وَقِيلَ لِاقْتِرَابِ النَّاسِ فِيهَا مِنْ مِنًى وَالِازْدِلَافُ الِاقْتِرَابُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى} [ص: ٢٥] وَسُمِّيَتْ جَمْعًا لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَقِيلَ لِلْجَمْعِ فِيهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ وَسُمِّيَ الْمُحَسِّرُ مُحَسِّرًا؛ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الْفِيلِ حُسِّرَ فِيهِ أَيْ أَعْيَا وَكَلَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ إلَى مِنًى بَعْدَمَا أَسْفَرَ) أَيْ ثُمَّ رُحْ إلَى مِنًى بَعْدَمَا أَسْفَرَ جِدًّا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَلِمَا رَوَى «عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ يَنْفِرُونَ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَشْرَقَ ثَبِيرْ كَيْمَا نُغَيِّرْ فَخَالَفَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفَاضَ مِنْ قَبْلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَلَوْ دَفَعَ بِلَيْلٍ لِعُذْرٍ بِهِ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ عِلَّةٍ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ) الْوَيْلُ الْحُزْنُ وَالْمَشَقَّةُ إلَى الْهَلَاكِ وَالثُّبُورُ الْهَلَاكُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَيْسَ وَادِيَ مُحَسِّرٍ مِنْ مِنًى وَلَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ وَمُزْدَلِفَةَ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ مُنْقَطِعٌ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا فِي قَوْلِهِمْ مُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ وَكَذَا عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ أَنَّ الْمَكَانَيْنِ لَيْسَا مَكَانَ وُقُوفٍ فَلَوْ وَقَفَ فِيهِمَا لَا يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي مِنًى سَوَاءٌ قُلْنَا، إنَّ عُرَنَةَ وَمُحَسِّرًا مِنْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ أَوْ لَا وَهَكَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنَا تَخْرِيجَهُ وَكَذَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدٍ وَوَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا مَكَانُهُ يَعْنِيَ الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةَ فَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ مُزْدَلِفَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْزِلَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ وَرَوَى الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ وَقَفَ بِهِ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَذَكَرَ مِثْلَ هَذَا فِي بَطْنِ عُرَنَةَ أَعْنِي قَوْلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ وَادِي الشَّيْطَانِ وَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالْإِجْزَاءِ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ بَلْ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ، وَأَمَّا الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعٌ عَلَى عَدَمِ إجْزَاءِ الْوُقُوفِ بِالْمَكَانَيْنِ هُوَ أَنَّ عُرَنَةَ وَوَادِيَ مُحَسِّرٍ إنْ كَانَا مِنْ مُسَمًّى عَرَفَةَ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ يُجْزِئُ الْوُقُوفُ فِيهِمَا وَيَكُونُ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ أَطْلَقَ الْوُقُوفَ بِمُسَمَّاهُمَا مُطْلَقًا وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مَنَعَهُ فِي بَعْضِهِ فَقَيَّدَهُ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ فَيَثْبُتُ الرُّكْنُ بِالْوُقُوفِ فِي مُسَمَّاهُمَا مُطْلَقًا وَالْوُجُوبُ فِي كَوْنِهِ فِي غَيْرِ الْمَكَانَيْنِ الْمُسْتَثْنَيَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ مُسَمَّاهُمَا لَا يُجْزِئُ أَصْلًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ اهـ (قَوْلُهُ إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا) وَفِي الْمُحِيطِ حَدَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِسْفَارَ فَقَالَ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ دَفْعٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ الذِّكْرُ) أَيْ دُونَ الْوُقُوفِ (قَوْلُهُ، وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ) أَيْ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمَّا عَلَّقَ بِهِ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) كَمَا إذَا قُلْت أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ لَا تَكُونُ فِيهِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَفِي كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ لِلْمُزْدَلِفَةِ ثَلَاثَةَ أَسْمَاءٍ الْمُزْدَلِفَةِ وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَجَمْعٌ اهـ (قَوْلُهُ لَا عَيْنِ الْمُزْدَلِفَةِ) الظَّاهِرُ فِي الْكَرْمَانِيِّ بَدَلُ عَيْنٍ غَيْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَسُمِّيَتْ جَمْعًا) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونَ الْمِيمِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَعْيَا وَكَلَّ) أَيْ عَنْ الْمَسِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَشْرَقَ) يُرْوَى مِنْ أَشْرَقَ إذَا أَضَاءَ وَشَرَقَ إذَا طَلَعَ أَيْ اُدْخُلْ أَيُّهَا الْجِيلُ فِي الشُّرُوقِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ ثَبِيرٌ)، وَهُوَ جَبَلٌ كَبِيرٌ مِنْ جِبَالِ مِنًى. اهـ. (قَوْلُهُ كَيْمَا نُغَيِّرَ) أَيْ نُسْرِعَ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>