أَذِنَ لِضَعَفَةِ النَّاسِ أَنْ يَدْفَعُوا بِلَيْلٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي دَفْعِهِ اللَّهُمَّ إلَيْك أَفَضْت وَمِنْ عَذَابِك أَشْفَقْت وَإِلَيْك تَوَجَّهْت وَمِنْك رَهِبْت اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ نُسُكِي وَأَعْظِمْ أَجْرِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَاسْتَجِبْ دَعْوَتِي وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ أَسْرَعَ إنْ كَانَ مَاشِيًا وَحَرَّكَ دَابَّتَهُ إنْ كَانَ رَاكِبًا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَعَلَ ذَلِكَ» وَفِيمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَارْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ كَحَصَى الْخَذْفِ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ انْتَهَى إلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَرَمَى بِسَبْعٍ وَقَالَ هَكَذَا رَمَى مَنْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَمَاهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَهُوَ رَاكِبٌ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَعَمَلًا مَشْكُورًا» ثُمَّ قَالَ هُنَا كَانَ يَقُومُ مَنْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَلَوْ رَمَاهَا بِأَكْبَرَ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكِبَارِ مِنْ الْحِجَارَةِ كَيْ لَا يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ وَلَوْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ مَا حَوْلَهَا مَوْضِعُ النُّسُكِ
وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي لِمَا رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَبِّرْ بِكُلِّ حَصَاةٍ) أَيْ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ لِمَا رَوَيْنَا وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ التَّعْظِيمِ بِالذِّكْرِ، وَهُوَ مِنْ آدَابِ الرَّمْيِ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَقِفْ عِنْدَهَا بِخِلَافِ الْجَمْرَةِ الْأُولَى وَالْوُسْطَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَلَى مَا يُذْكَرُ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ وَقَفَ عِنْدَهُ وَكُلُّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ لَمْ يَقِفْ عِنْدَهُ وَرَمْيُهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ لِمَا رَوَيْنَا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَهُ رَاكِبًا وَإِلَّا فَمَاشِيًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاقْطَعْ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا) أَيْ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ تَرْمِيهَا لِمَا رَوَيْنَا وَلَمَّا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «أُسَامَةَ كَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَرَفَةَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى فَكِلَاهُمَا قَالَ لَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا تَأْوِيلَ مَنْ قَطَعَهُمَا مِنْهُمْ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينَ بِالْمُسَبِّحَةِ وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْجَوَازِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهَيْئَةٍ دُونَ هَيْئَةٍ بَلْ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ وَمِقْدَارُ الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَبَيْنَهُ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ طَرْحًا وَلَوْ طَرَحَهَا طَرْحًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ رَمْيٌ إلَى قَدَمَيْهِ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالِفَتِهِ السُّنَّةَ وَلَوْ وَضَعَهَا وَضْعًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَمْيٍ وَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَوْ وَقَعَتْ بَعِيدًا لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً إلَّا فِي مَكَان مَخْصُوصٍ
وَلَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ تَفْرِيقُ الْأَفْعَالِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) أَيْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ الْحَصَيَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَهَا لِيَتَيَقَّنَ طَهَارَتَهَا فَإِنَّهُ يُقَامُ بِهَا قُرْبَةٌ وَلَوْ رَمَى بِمُتَنَجِّسَةٍ بِيَقِينٍ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ. اهـ. كَمَالٌ قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ الْحَصَيَاتِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَوْضِعٍ نَجِسٍ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ قُرْبَةٌ فَيُكْرَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ مَعَ النَّجَاسَةِ وَكَذَا كَرِهُوا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَصَى الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَوْضِعٍ مَحْفُوظٍ عَنْ الْأَنْجَاسِ فَيُكْرَهُ إخْرَاجُهَا إلَى مَوْضِعٍ لَا يُحْفَظُ مِنْ الْأَنْجَاسِ اهـ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقَامُ بِهَا قُرْبَةٌ أَيْ؛ وَلِأَنَّ مِنْهَا يَقَعُ فِي يَدِ مَلَكٍ فَيُسْتَحَبُّ طَهَارَتُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَحَصَى الْخَذْفِ)، وَهُوَ مِثْلُ حَبَّةِ الْبَاقِلَّا وَأَصْغَرُ مِنْهَا وَمِثْلُ النَّوَاةِ. اهـ. غَايَةٌ. (فَائِدَةٌ) وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، إنَّمَا يُسَمَّى جَمْرَةً؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أُمِرَ بِذَبْحِ الْوَلَدِ جَاءَ الشَّيْطَانُ يُوَسْوِسُهُ فَكَانَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَرْمِي إلَيْهِ الْأَحْجَارَ طَرْدًا لَهُ وَكَانَ يُجْمِرُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْ يُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ وَالْإِجْمَارُ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) قِيلَ، إنَّمَا خَصَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَاسِكِ الْحَجِّ مَذْكُورٌ فِيهَا. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَاقْطَعْ التَّلْبِيَةَ إلَخْ) قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَالظَّاهِرِيَّةُ أَنَّهُ يَقْطَعُهَا إذَا رَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ رُجُوعًا إلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَإِنَّمَا رَمَى بَعْضَهَا وَيَرْوِي ثُمَّ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ وَلَنَا مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَطَعَهَا عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ» رَوَاهُ خَلِيلٌ فِي الْمَنَاسِكِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ فَلَا يُلَبِّي مَعَهَا وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْفِعْلَ لَا عُمُومَ لَهُ فَيُصَدَّقُ بِرَمْيِهَا بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّهُ رَمَى الْجَمْرَةَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي قَوْلُهُ وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ رَمْيُ الْجَمْرَةِ إلَخْ ظَاهِرُ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ الْجَمْرَةَ يَرْمِي إلَيْهَا بِالْحَصْيِ وَلَا قَائِلَ بِرَمْيِ الْجَمْرَةِ كُلِّهَا بَلْ الْوَاجِبُ أَنْ يَرْمِيَ إلَى جِهَةِ الْجَمْرَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَلَا يُشْتَرَطُ رَمْيُ كُلِّ الْجَمْرَةِ وَلَا بَعْضِهَا، وَهُوَ كَلَامٌ بِلَا تَأَمُّلٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا تَأْوِيلَ مَنْ قَطَعَهَا مِنْهُمْ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ «وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ». اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: فِي مَنَاسِكِهِ فَإِنْ رَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي إحْدَى الْجِمَارِ إنْ وَقَعَتْ مُتَفَرِّقَةً عَلَى مَوْضِعِ الْجَمَرَاتِ جَازَ لِحُصُولِ الْجَمْرَةِ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَشْوَاطِ فِي الْحَدِّ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى مَكَان وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَقَالَ مَالِكٌ: وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عَنْ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ كَيْفَمَا كَانَ وَيَرْمِيهَا بِسِتَّةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالرَّمْيِ بِسَبْعِ مَرَّاتٍ وَقَدْ رَمَى مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَالَ عَطَاءٌ الْأَصَمُّ يُجْزِئُهُ كَيْفَمَا كَانَ وَقَالَ الْحَسَنُ إنْ كَانَ جَاهِلًا أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا اهـ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ رَمَى سَبْعًا رَمْيَةً وَاحِدَةً فَكَأَنَّهُ رَمَى حَصَاةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَرْمِيَ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقَدْ رَمَى مَرَّةً اهـ وَقَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ رَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ اهـ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا عَزَاهُ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute