أَوْ يَتَصَدَّقُ وَلَا يَذْبَحُ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ النَّظِيرِ لِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ مُقَيَّدًا بِكَوْنِهِ نِعْمَةً تَقْدِيرُهُ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ مِنْ النَّعَمِ مِثْلُ الْمَقْتُولِ فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ مِثْلُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مِنْ النَّعَمِ، وَلَا مِنْ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمِثْلِ مَا يُمَاثِلُ الشَّيْءَ صُورَةً وَمَعْنًى، وَإِنَّمَا يُعْدَلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَهُنَا مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ النَّظِيرَ مِثْلٌ صُورَةً وَمَعْنًى، وَالْقِيمَةُ مِثْلٌ مَعْنًى لَا صُورَةً فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظِيرٌ؛ وَلِهَذَا أَوْجَبَتْ الصَّحَابَةُ النَّظِيرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ، وَالْمِثْلُ الْمُطْلَقُ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى وَعِنْدَ تَعَذُّرِهِ يُعْتَبَرُ الْمِثْلُ مَعْنًى، وَأَمَّا الْمِثْلُ صُورَةً بِلَا مَعْنًى فَلَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا مِثَالُهُ إذَا أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا؛ لِأَنَّهُ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ مَعْنًى.
وَيَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ مِثْلُهُ صُورَةً فِي الشَّرْعِ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ دَابَّةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَابَّةٌ مِثْلُهَا مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ لِاخْتِلَافِ الْمَعَانِي فِيهَا فَمَا ظَنُّك مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ؛ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْبَقَرَةُ مِثْلًا لِلْبَقَرَةِ فَكَيْفَ تَكُونُ مِثْلًا لِحِمَارِ الْوَحْشِ، وَكَيْفَ تَكُونُ الشَّاةُ مِثْلًا لِلظَّبْيِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ مِثْلًا لِلشَّاةِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَفَسَادُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَهُنَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمِثْلِ مَعْنًى، وَهُوَ الْقِيمَةُ لِكَوْنِهِ مَعْهُودًا فِي الشَّرْعِ أَوْ لِكَوْنِهِ مُرَادًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مَا لَا نَظِيرَ لَهُ تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ فَلَا يَكُونُ النَّظِيرُ مُرَادًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يَتَنَاوَلُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] عَامٌّ لِجَمِيعِ الصَّيْدِ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: ٩٥] عَائِدٌ إلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمِثْلُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] مِثْلًا لِلْكُلِّ، وَلَيْسَ لَنَا مِثْلٌ يَعُمُّ الْكُلَّ إلَّا الْقِيمَةَ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِثْلِ الْقِيمَةُ وَلِأَنَّ الْمِثْلَ لَوْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَالْمَنْظَرُ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْعَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ حَكَمُوا بِالْمِثْلِ.
وَهُوَ النَّظِيرُ عَلَى زَعْمِهِمْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَحْكِيمٍ جَدِيدٍ فِي كُلِّ مَقْتُولٍ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِحُكْمِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالنَّعَمِ فِي النَّصِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الْمَقْتُولُ، وَهُوَ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّ اسْمَ النَّعَمِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَحْشِ هَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيُّ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ فَجَزَاءُ قِيمَةِ مَا قُتِلَ مِنْ النَّعَمِ الْوَحْشِ، وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ التَّقْدِيرُ دُونَ إيجَابِ الْعَيْنِ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ يُفَكُّ الْغُلَامُ بِالْغُلَامِ وَالْجَارِيَةُ بِالْجَارِيَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ تَقْدِيرُهُمْ لَازِمًا فِي الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَحْكِيمِ الْحَكَمَيْنِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ بِقَوْلِهِمْ وَرَأْيِهِمْ ثُمَّ إذَا ظَهَرَتْ قِيمَتُهُ بِتَقْوِيمِهِمَا خُيِّرَ الْقَاتِلُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ: الْخِيَارُ إلَى الْحَكَمَيْنِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ حَكَمَا بِالْهَدْيِ يَجِبُ النَّظِيرُ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنْ حَكَمَا بِالطَّعَامِ أَوْ الصَّوْمِ فَعَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَهُمَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْحَكَمَيْنِ لِإِظْهَارِ قِيمَةِ الصَّيْدِ وَبَعْدَ مَا ظَهَرَتْ قِيمَتُهُ يَكُونُ الْخِيَارُ إلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْفِدْيَةِ وَلِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: ٩٥] أَثْبَتَ لَهُمَا الْحُكْمَ فِي الْهَدْيِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ التَّكْفِيرَ بِالْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ بِكَلِمَةِ أَوْ فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِمَا ضَرُورَةً قُلْنَا قَوْله تَعَالَى {أَوْ كَفَّارَةٌ} [المائدة: ٩٥] مَعْطُوفٌ عَلَى فَجَزَاءٌ وَكَذَا قَوْلُهُ {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: ٩٥] مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِهِمَا، وَإِنَّمَا كَانَ يَدْخُلُ أَنْ لَوْ كَانَ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ يَحْكُمُ، وَهَذَا مَرْفُوعٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى اخْتِيَارِ الْحَكَمَيْنِ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَيْهِمَا فِي مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ لَا غَيْرُ وَيُقَوِّمَانِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قَتَلَهُ فِيهِ فِي زَمَانِ الْقَتْلِ لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَالْأَزْمِنَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ لَا يُبَاعُ فِيهَا الصَّيْدُ يُعْتَبَرُ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ مِنْهُ مِمَّا يُبَاعُ فِيهِ، وَالْوَاحِدُ يَكْفِي فِي التَّقْوِيمِ.
وَالْمَثْنَى أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْغَلَطِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الْمَثْنَى لِظَاهِرِ النَّصِّ، فَإِنْ اخْتَارَ التَّكْفِيرَ فَعَلَيْهِ الذَّبْحُ فِي الْحَرَمِ وَالتَّصَدُّقُ بِلَحْمِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّقْلِ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ هُوَ يَقِيسُهُ عَلَى الْهَدْيِ، وَالْجَامِعُ التَّوْسِعَةُ عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ، وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا وَيَجُوزُ الصَّوْمُ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ عِبَادَةَ قَهْرِ النَّفْسِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ، وَإِنْ ذَبَحَ فِي
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ النَّظِيرُ مُرَادًا) أَيْ إذْ لَا عُمُومَ لِلْمُشْتَرِكِ. اهـ. مَدَارِكُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute