للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ عَنْ الطَّعَامِ يَعْنِي إذَا تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ، وَفِيهِ وَفَاءٌ، وَأَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ مِنْ اللَّحْمِ مَا يُسَاوِي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَبَحَ فِي الْحَرَمِ حَيْثُ يَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْإِرَاقَةِ حَتَّى إذَا تَلِفَ أَوْ سُرِقَ بَعْدَ الذَّبْحِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ.

وَفِيمَا إذَا ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ تُعْتَبَرُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالتَّصَدُّقِ لَا غَيْرُ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْهَدْيِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] كَمَا انْصَرَفَ إلَيْهِ هَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] وَأَوْجَبَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ صِغَارَ النَّعَمِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْجَبُوا جَفْرَةً وَعَنَاقًا قُلْنَا: يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِطْعَامِ كَالْمَذْبُوحِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، وَهُوَ تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ، وَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى الْإِطْعَامِ اشْتَرَى بِالْقِيمَةِ طَعَامًا وَأَطْعَمَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ الْبُرِّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ، وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ أَكْثَرَ تَبَرُّعًا حَتَّى لَا تُحْسَبَ الزِّيَادَةُ مِنْ الْقِيمَةِ كَيْ لَا يُنْتَقَصَ أَعْدَادُ الْمَسَاكِينِ، وَإِنْ اخْتَارَ الصَّوْمَ يُقَوَّمُ الْمَقْتُولُ طَعَامًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يُقَوَّمُ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ عِنْدَهُمَا ثُمَّ يَصُومُ مَكَانَ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلصَّوْمِ فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ بِالْمَقْتُولِ فَقُدِّرَ بِالطَّعَامِ.

وَقَدْ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ إقَامَةُ طَعَامِ مِسْكِينٍ مَقَامَ صَوْمِ يَوْمٍ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ فَضَلَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ صَامَ يَوْمًا) أَيْ لَوْ فَضَلَ مِنْ الطَّعَامِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَامَ عَنْهُ يَوْمًا كَامِلًا، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَكَذَا إنْ كَانَ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ بِأَنْ كَانَ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ لِمَا قُلْنَا، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي كَفَّارَةِ الصَّيْدِ الصَّوْمَ أَصْلٌ كَالْإِطْعَامِ حَتَّى يَجُوزَ الصَّوْمُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِطْعَامِ فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَإِكْمَالُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَأَمَّا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ الصَّوْمُ يَدُلُّ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ لِلتَّنَافِي، وَلَا يُتَصَوَّرُ إتْمَامُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَإِنْ اخْتَارَ الْهَدْيَ وَفَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ لَا يَبْلُغُ هَدْيًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي الْفَضْلِ إنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ يَوْمًا، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ وَأَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِالْبَعْضِ وَصَامَ عَنْ الْبَعْضِ لِمَا قُلْنَا.

وَعَلَى هَذَا لَوْ بَلَغَ قِيمَتُهُ هَدْيَيْنِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ذَبَحَهُمَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِمَا أَوْ صَامَ عَنْهُمَا أَوْ ذَبَحَ أَحَدَهُمَا وَأَدَّى بِالْآخَرِ أَيَّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثِ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ: يُنْتَقَضُ هَذَا بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْآخَرِ وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ، قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّقْدِيرَ مُتَّحِدٌ فِي كَفَّارَةِ الصَّيْدِ، وَهُوَ قِيمَتُهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ شَاءَ، وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَنْوَاعِ بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ أَحَدِهِمَا مُخَالِفٌ قَدْرَ الْآخَرِ فَلَا يَكُونَانِ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ إذَا كَسَا خَمْسَةً وَأَطْعَمَ خَمْسَةً يُجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ إنْ كَانَ الطَّعَامُ أَرْخَصَ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَعْطَى قِيمَةَ الطَّعَامِ، وَإِنْ كَانَتْ الْكِسْوَةُ أَرْخَصَ يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَلَا يَجُوزُ دُونَهُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الصَّيْدِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَرَحَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوَهُ أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ) اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَهَذَا إذَا بَرَأَ، وَبَقِيَ أَثَرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ لَا يَضْمَنُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ لِلْأَلَمِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّهُ أَوْ ضَرَبَ عَيْنَهُ فَابْيَضَّتْ فَنَبَتَ لَهُ سِنٌّ، أَوْ زَالَ الْبَيَاضُ وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ جُرْحِ الْآدَمِيِّ إذَا انْدَمَلَ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِزَوَالِ الشَّيْنِ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ مَا جَرَحَهُ ضَمِنَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ جُرْحَهُ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْرَأْ، وَلَوْ غَابَ الصَّيْدُ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ مَاتَ أَوْ بَرَأَ ضَمِنَ نُقْصَانَهُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ بِالْجُرْحِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ بِالِاحْتِمَالِ وَالشَّكِّ، وَهَذَا قِيَاسٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ احْتِيَاطًا لِمَعْنَى الْعِبَادَةِ كَمَنْ أَخَذَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَأَرْسَلَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ دُخُولَهُ الْحَرَمَ بِخِلَافِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَجِبُ الْقِيمَةُ بِنَتْفِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي الْهَدْيِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ) أَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ -: لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ لَكِنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ فَأَطْلَقَ الشَّارِحُ عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُرَاعَاةً لِمَعْنَاهُ لَكِنْ عَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: وَقَوْلُهُ: إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِدُونِ الْوَاوِ؛ إذْ لَا وَجْهَ لِلْإِتْيَانِ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ) مَعْنَاهُ لَوْ خَرَجَ الصَّيْدُ الْمَمْلُوكُ، وَلَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ بِالْخُرُوجِ بِأَنْ انْفَلَتَ مِنْ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ النُّقْصَانُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>