رِيشِهِ وَقَطْعِ قَوَائِمِهِ وَحَلْبِهِ وَكَسْرِ بَيْضِهِ وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ بِهِ) أَيْ بِالْكَسْرِ أَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِنَتْفِ رِيشِهِ أَوْ قَطْعِ قَوَائِمِهِ فَلِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَلَعَ عَيْنَيْ عَبْدٍ أَوْ قَطَعَ رِجْلَيْهِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِحَلْبِهِ يَعْنِي قِيمَةَ اللَّبَنِ فَلِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِكُلِّهِ، وَأَمَّا وُجُوبُهَا بِكَسْرِ بَيْضِهِ يَعْنِي وُجُوبَ قِيمَةِ الْبَيْضِ فَلِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِيَكُونَ صَيْدًا فَأُعْطِيَ لَهُ حُكْمَ الصَّيْدِ فِي إيجَابِ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ فِي قَوْله تَعَالَى {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ} [المائدة: ٩٤] الْبَيْضُ، وَرِمَاحُكُمْ الصَّيْدُ، وَلِأَنَّهُ صَيْدٌ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ دُونَ الْحَالِ فَاعْتِبَارُ الْحَالِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْجَزَاءِ، وَاعْتِبَارُ الْمَآلِ يُوجِبُ الْجَزَاءَ فَأَوْجَبْنَاهَا احْتِيَاطًا مَا لَمْ يَفْسُدْ، فَإِنْ فَسَدَ بِأَنْ صَارَ مَذِرَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ مِنْهُ صَيْدٌ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ لَا حَالًا وَلَا مَآلًا وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ بِالْكَسْرِ فَلِأَنَّ الْبَيْضَ مُعَدٌّ لِيَخْرُجَ مِنْهُ فَرْخٌ حَيٌّ، وَالتَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ وَاجِبٌ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ، وَكَسْرُ الْبَيْضِ قَبْلَ وَقْتِهِ سَبَبٌ لِمَوْتِ الْفَرْخِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَاتَ بِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ بِهِ سِوَى الْبَيْضَةِ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ الْفَرْخِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ ظَبْيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ سَبَبٌ صَالِحٌ لِمَوْتِهِمَا بِخِلَافِ مَنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ حَيْثُ يَجِبُ ضَمَانُ الْأُمِّ، وَلَا يَجِبُ ضَمَانُ الْوَلَدِ غَيْرُ الْغُرَّةِ فِي الْحُرَّةِ، وَفِي الْأَمَةِ يَجِبُ قِيمَةُ الْأُمِّ، وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْوَلَدِ لَوْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ عُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ أُنْثَى؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ جُزْءٌ مِنْ وَجْهٍ، وَنَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ فَجَزَاءُ الصَّيْدِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَرَجَّحْنَا فِيهِ جَانِبَ النَّفْسِيَّةِ فَأَوْجَبْنَا فِيهِ ضَمَانَهُمَا بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَإِنْ قَتَلَ خِنْزِيرًا أَوْ قِرْدًا أَوْ فِيلًا تَجِبُ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَحِّشٌ لَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ غُرَابٍ وَحِدَأَةٍ وَذِئْبٍ وَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَفَارَةٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ بِعِوَضٍ وَنَمْلٍ وَبُرْغُوثٍ وَقُرَادٍ وَسُلَحْفَاةٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِقَتْلِ خَمْسٍ فَوَاسِقَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَارَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ أَوْ ثَبَتَ جَوَازُ قَتْلِهِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْخَمْسِ فِي الِابْتِدَاءِ بِالْأَذَى وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ الْأَبْقَعُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ أَوْ يَخْلِطُ، وَأَمَّا الْعَقْعَقُ فَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ لِلْمُحْرِمِ وَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غُرَابًا عُرْفًا وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ وَغَيْرَ الْعَقُورِ وَالْمُسْتَأْنِسَ مِنْهُ وَالْمُتَوَحِّشَ سَوَاءٌ، وَالْفَارَةُ الْأَهْلِيَّةُ وَالْبَرِّيَّةُ سَوَاءٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِ السِّنَّوْرِ وَلَوْ كَانَ بَرِّيًّا وَبِالضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ وَالْأَرْنَبِ يَجِبُ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُسْتَثْنَاةِ، وَلَا تَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، وَأَمَّا الْبَعُوضُ وَالنَّمْلُ وَالْبُرْغُوثُ وَالْقُرَادُ وَالسُّلَحْفَاةُ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصُيُودٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الْحَشَرَاتِ كَالْخَنَافِسِ وَمَعَ هَذَا الْقُرَادُ وَالْبُرْغُوثُ يَبْتَدِئَانِ بِالْأَذَى، وَالْمُرَادُ بِالنَّمْلِ السَّوْدَاءُ وَالصَّفْرَاءُ الَّتِي تُؤْذِي بِالْعَضِّ، وَمَا لَا يُؤْذِي لَا يَحِلُّ قَتْلُهَا، وَلَكِنْ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَيْدٍ، وَلَا هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْبَدَنِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ لَيْسَ فِي الْقَنَافِذِ وَالْخَنَافِسِ وَالْوَزَغِ وَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْحَلَمَةِ وَصَيَّاحِ اللَّيْلِ وَالصَّرْصَرِ وَأُمِّ حُبَيْنٍ وَابْنِ عُرْسٍ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ وَحَشَرَاتِهَا وَلَيْسَتْ بِصُيُودٍ وَلَا هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْبَدَنِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِقَتْلِ قَمْلَةٍ وَجَرَادَةٍ تَصَدُّقٌ بِمَا شَاءَ)؛ لِأَنَّ الْقَمْلَةَ تَتَوَلَّدُ مِنْ الْبَدَنِ فَيَكُونُ قَتْلُهَا مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ، وَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إزَالَةِ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ قَمْلَةً سَاقِطَةً عَلَى الْأَرْضِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ قَتْلِ الصَّيْدِ وَإِزَالَةِ التَّفَثِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْعَمَ شَيْئًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِبَاحَةِ، وَإِنْ قَتَلَ قَمْلًا كَثِيرًا أَطْعَمَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَلَوْ وَقَعَ فِي ثَوْبِهِ قَمْلٌ كَثِيرٌ فَأَلْقَاهُ عَلَى الشَّمْسِ لِيَمُوتَ الْقَمْلُ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ قَتْلَ الْقَمْلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِي قَتْلِهِ وَالْجَرَادُ صَيْدٌ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ مَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ وَبِقَصْدِهِ بِالْأَخْذِ، وَهُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَرُوِيَ أَنَّ أَهْلَ حِمْصَ أَصَابُوا جَرَادًا كَثِيرًا فِي إحْرَامِهِمْ فَجَعَلُوا يَتَصَدَّقُونَ مَكَانَ كُلِّ جَرَادَةٍ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرَى دَرَاهِمَكُمْ كَثِيرَةً يَا أَهْلَ حِمْصَ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُجَاوِزُ عَنْ شَاةٍ بِقَتْلِ السَّبُعِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِ السَّبُعِ؛ لِأَنَّهَا جُبِلَتْ عَلَى الْإِيذَاءِ فَكَانَتْ مِنْ الْفَوَاسِقِ الْمُسْتَثْنَاةِ، وَلِأَنَّ اسْمَ الْكَلْبِ يَتَنَاوَلُ السِّبَاعَ بِأَسْرِهَا لُغَةً، وَقَدْ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ دَعَا عَلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِك»
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَخُرُوجُ فَرْخٍ) لَفْظَةُ فَرْخٍ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بَدَلٌ مِنْ فِي اهـ (قَوْلُهُ مَذِرَةٌ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ
(قَوْلُهُ كَالْخَنَافِسِ) أَيْ وَالْقُنْفُذِ. اهـ. كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأُمُّ حُبَيْنٍ) بِحَاءِ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ دُوَيْبَّةٌ عَلَى هَيْئَةِ الْحِرْبَاءِ عَظِيمَةُ الْبَطْنِ. اهـ. تِبْيَانٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute