للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَسُلِّطَ عَلَيْهِ أَسَدٌ، وَالْكَلْبُ مِنْ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ بِالْحَدِيثِ، وَالْمُرَادُ بِهِ السِّبَاعُ لَا الْكَلْبُ الْمَعْرُوفُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤْذٍ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥]، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْمُتَوَحِّشَ مِنْ السِّبَاعِ وَغَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْمُتَوَحِّشِ، قَالَ الشَّاعِرُ

صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبٌ وَثَعَالِبُ ... وَإِذَا رَكِبْتُ فَصَيْدِي الْأَبْطَالُ

وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخَمْسِ الْفَوَاسِقِ مُمْتَنِعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَدَدِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ وَلِأَنَّ السِّبَاعَ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّهَا تَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، وَتُخَالِطُ النَّاسَ وَتَعِيشُ بَيْنَهُمْ بِالِاخْتِطَافِ وَالْإِفْسَادِ وَالسِّبَاعُ لَا تَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، وَهِيَ بَعِيدَةٌ عَنْهُمْ فَكَانَ إيذَاؤُهَا دُونَ إيذَاءِ الْفَوَاسِقِ فَلَا تُلْحَقُ بِهَا، وَاسْمُ الْكَلْبِ لَا يَتَنَاوَلُ السَّبُعَ عُرْفًا فَإِنَّ مَنْ قَالَ: فُلَانٌ يَقْتَنِي الْكِلَابَ أَوْ فِي بَابِهِ كَلْبٌ لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ أَنَّهُ السِّبَاعُ وَالْعُرْفُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ ثُمَّ لَا يُجَاوِزُ بِقِيمَتِهِ شَاةً، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّ كُلَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَمَأْكُولِ اللَّحْمِ، وَلَنَا أَنَّ قِيمَتَهُ بِاعْتِبَارِ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ لَا تَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ، وَلَا تُعْتَبَرُ زِيَادَةُ قِيمَتِهِ لِأَجْلِ تَفَاخُرِ الْمُلُوكِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الصَّيْدِ الْمُعَلَّمِ عِلْمُهُ فِي حَقِّ الشَّارِعِ، وَإِنْ كَانَ تَزْدَادُ قِيمَتُهُ، وَيَضْمَنُهُ مُعَلَّمًا فِي حَقِّ مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ لِمَالِكِهِ بِاعْتِبَارِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَفِي حَقِّ الشَّارِعِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ صَالَ لَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ) أَيْ وَإِنْ صَالَ عَلَيْهِ السَّبُعُ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ لَا تَزُولُ بِفِعْلِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» وَلِهَذَا لَوْ صَالَ الْجَمَلُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَتَلَ ضَبُعًا وَأَهْدَى كَبْشًا، وَقَالَ: إنَّا ابْتَدَأْنَاهُ نَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلضَّمَانِ بِقَوْلِهِ: إنَّا ابْتَدَأْنَاهُ وَقَالَ عَلِيٌّ: إنْ قَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْدُوَ عَلَيْهِ فَفِيهِ شَاةٌ مُسِنَّةٌ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُ، وَلَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِتَحَمُّلِ أَذَاهُ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِقَتْلِ مَا تُوُهِّمَ مِنْهُ الْأَذَى، وَهُوَ الْخَمْسُ الْفَوَاسِقُ لِمَا رَوَيْنَا فَلَأَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِقَتْلِ مَا تَحَقَّقَ مِنْهُ الْأَذَى أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ فَإِذَا جَازَ قَتْلُ الْمُسْلِمِ وَالْوَالِدِ لِلدَّفْعِ فَمَا ظَنُّك بِالسِّبَاعِ، فَإِذَا ابْتَدَأَ بِالْأَذَى الْتَحَقَ بِالْفَوَاسِقِ فَصَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي قَتْلِهِ، وَمَعَ الْإِذْنِ مِنْ الشَّارِعِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ الْجَمَلِ الصَّائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ مِنْ مَالِكِهِ، وَهُوَ الْعَبْدُ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَا وُجُوبُ قِيمَةِ الصَّيْدِ إذَا قَتَلَهُ وَأَكَلَهُ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ مَعَ الْإِذْنِ مِنْ الشَّارِعِ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْ الْحَيَوَانِ لَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ، وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ شَاةٍ وَبَقَرَةٍ وَبَعِيرٍ وَدَجَاجَةٍ وَبَطٍّ أَهْلِيٍّ) لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّيْدِ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِصُيُودٍ، وَالْمُرَادُ بِالْبَطِّ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَسَاكِنِ وَالْحِيَاضِ، وَلَا تَطِيرُ؛ لِأَنَّهَا أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالدَّجَاجِ، وَأَمَّا الَّتِي تَطِيرُ فَصَيْدٌ فَيَجِبُ بِقَتْلِهَا الْجَزَاءُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْجَوَامِيسُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّهُ فِي بِلَادِ السُّودَانِ وَحْشِيٌّ، وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ مُسْتَأْنِسٌ عِنْدَهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِذَبْحِ حَمَامٍ مُسَرْوَلٍ وَظَبْيٍ مُسْتَأْنَسٍ)؛ لِأَنَّهُمَا صَيْدٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَالِاسْتِئْنَاسُ عَارِضٌ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ كَالْبَعِيرِ إذَا نَدَّ يَأْخُذُ حُكْمَ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ لَا غَيْرُ حَتَّى لَا يَحْرُمُ عَقْرُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَفِي الْحَمَامِ الْمُسَرْوَلِ خِلَافُ مَالِكٍ هُوَ يَقُولُ: إنَّهُ أَلُوفٌ مُسْتَأْنَسٌ وَلَا يَمْتَنِعُ بِجَنَاحَيْهِ فَصَارَ كَالْبَطِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا يَمْتَنِعُ بِهِ الصَّيْدُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ إمَّا بِالْعَدْوِ أَوْ بِالطَّيَرَانِ أَوْ بِالدُّخُولِ فِي الْجُحَرِ وَالشُّقُوقِ فَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهَا فِيهَا فَلَا تَكُونُ صَيْدًا، وَنَحْنُ نَقُولُ: هُوَ صَيْدٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَإِنَّمَا لَا يَطِيرُ لِثِقَلِهِ وَبُطْءِ نُهُوضِهِ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا، وَاشْتِرَاطُ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِلْعَجْزِ، وَقَدْ زَالَ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ذَبَحَ مُحْرِمٌ صَيْدًا حَرُمَ) يَعْنِي عَلَى الذَّابِحِ وَعَلَى غَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحِلُّ لِغَيْرِهِ، وَلَهُ إذَا حَلَّ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً فَتَعْمَلُ عَمَلَهَا غَيْرَ أَنَّهُ حَرُمَ عَلَى الذَّابِحِ لِارْتِكَابِهِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ عُقُوبَةً لَهُ فَيَبْقَى فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْمُحْرِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ بَعْد مَا حَلَّ عَلَى الْأَصْلِ وَلَنَا أَنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ، وَهَذَا الْفِعْلُ حَرَامٌ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً فَصَارَ كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ، وَلَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ فَأَقَامَ الشَّارِعُ بَعْضَ الْأَفْعَالِ مَقَامَ التَّمْيِيزِ تَيْسِيرًا، وَهُوَ الْفِعْلُ الْمَشْرُوعُ، فَلَا يُقَامُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ بِالرَّأْيِ فَيَبْقَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>