بَيْنَ امْرَأَةِ رَجُلٍ وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالزِّنَا وَاللَّمْسُ وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» وَلِأَنَّهَا نِعْمَةٌ فَلَا تُنَاطُ بِالْمَحْظُورِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُؤَثِّرًا لِحَلَّلَهَا لِلْمُطَلَّقِ ثَلَاثًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِمَنْ نَاظَرَهُ: أَنْتَ جَعَلْت الْفُرْقَةَ إلَى الْمَرْأَةِ بِتَقْبِيلِهَا ابْنَ زَوْجِهَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - لَمْ يَجْعَلْهَا إلَيْهَا وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: ٢٢] وَالنِّكَاحُ هُوَ الْوَطْءُ حَقِيقَةً؛ وَلِهَذَا حُرِّمَ عَلَى الِابْنِ مَا وَطِئَ أَبُوهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا وَلَا ابْنَتُهَا» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَسَّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ» حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَقَالَ الَّذِي نَاظَرَهُ الشَّافِعِيُّ أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِرِدَّتِهَا فَقَدْ جَعَلْت الْفُرْقَةَ إلَيْهَا فَكَيْفَ قُلْت بِمَا أَنْكَرْت عَلَى غَيْرِك فَقَالَ: أَقُولُ إنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: أَنْكَرَ عَلَى خَصْمِهِ وُقُوعَ التَّحْرِيمِ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ قَالَ بِهِ وَجَعَلَ الرَّجْعَةَ إلَيْهَا أَيْضًا
وَقَوْلُهُ لَوْ كَانَ مُؤَثِّرًا لَحَلَّلَهَا لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا قُلْنَا: الْمُحَلِّلُ وَطْءُ الزَّوْجِ وَالزَّانِي لَيْسَ بِزَوْجٍ؛ وَلِهَذَا لَا يُحَلِّلَهَا وَطْءُ الْمَوْلَى وَتَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَالْوَطْءُ إنَّمَا صَارَ مُحَرِّمًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ لِلْجُزْئِيَّةِ بِوَاسِطَةِ وَلَدٍ يُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهِ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ أَوْصَافٌ لَهُ فَذَاتُ الْوَطْءِ لَا تَخْتَلِفُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُصَاهَرَةَ تَثْبُتُ بِوَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا وَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَبِوَطْءِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَبِوَطْءِ الْمُحْرِمِ وَالصَّائِمِ فَصَارَ كَالرَّضَاعِ حَيْثُ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَحْرُمَ الْمَوْطُوءَةُ؛ لِأَنَّهَا جُزْؤُهُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ لَكِنْ أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لَأَدَّى إلَى فَنَاءِ الْأَمْوَالِ أَوْ تَرْكِ الزَّوَاجِ وَلِلضَّرُورَةِ أُبِيحَتْ حَوَّاءُ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهِيَ جُزْؤُهُ فَبَقِيَ فِي
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالزِّنَا وَاللَّمْسُ) أَيْ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ) الشَّهْوَةُ قَيْدٌ فِي اللَّمْسِ وَالنَّظَرِ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْوَطْءَ الْحَلَالَ بِمِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ الزِّنَا عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتَهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا وَكَذَلِكَ الْمَزْنِيُّ بِهَا تَحْرُمُ عَلَى أُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ، وَيَحْرُمُ الزَّانِي عَلَى أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ») وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَتْبَعُ الْمَرْأَةَ حَرَامًا أَيَنْكِحُ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا فَقَالَ لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: «مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا») خَرَّجَهُ الْجُوزَجَانِيُّ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: «مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ لَمْ تَحِلَّ» إلَخْ) ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مَنْ مَسَّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ إلَخْ) ذَكَرَهُ السَّمْعَانِيُّ فِي الْكِنَايَةِ وَابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَابْنُ عَبَّاسٍ) أَيْ فِي الْأَصَحِّ. اهـ. غَايَةٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الزِّنَا لَا يُحَرِّمُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: قُلْنَا الْمُحَلِّلُ وَطْءُ الزَّوْجِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا رَوَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ» غَيْرُ مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ أَرَأَيْت لَوْ بَالَ أَوْ صَبَّ خَمْرًا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ مَمْلُوكٍ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فَيَجِبُ كَوْنُ الْمُرَادِ أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَحْرُمُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ حَرَامًا وَحِينَئِذٍ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ إذْ لَمْ نَقُلْ بِإِثْبَاتِ الزِّنَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ زِنًا بَلْ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَطْئًا هَذَا لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَكِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مُضَعَّفٌ بِعُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيِّ عَلَى مَا طَعَنَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ بِالْكَذِبِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ: فِي إسْنَادِهِ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ ضَعُفَ بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ قُضَاةِ الْعِرَاقِ وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَخَالَفَهُ كِبَارُ الصَّحَابَةِ اهـ
وَقَوْلُهُ فِي الشَّرْحِ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ مُغَلَّطَةً فَإِنَّ النِّعْمَةَ لَيْسَتْ التَّحْرِيمَ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَحْرِيمٌ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيقُ؛ وَلِذَا اتَّسَعَ الْحِلُّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بَلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُصَاهَرَةِ فَحَقِيقَةُ النِّعْمَةِ هِيَ الْمُصَاهَرَةُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تُصَيِّرُ الْأَجْنَبِيَّ قَرِيبًا عَضُدًا وَسَاعِدًا يُهِمُّهُ مَا أَهَمَّكَ، وَلَا مُصَاهَرَةَ بِالزِّنَا فَالصِّهْرُ زَوْجُ الْبِنْتِ مَثَلًا لَا مَنْ زَنَى بِبِنْتِ الْإِنْسَانِ فَانْتَفَتْ الصِّهْرِيَّةُ، وَفَائِدَتُهَا أَيْضًا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْفِرُ مِنْ الزَّانِي بِبِنْتِهِ فَلَا يَتَعَرَّفُ بِهِ بَلْ يُعَادِيهِ فَأَنَّى يُنْتَفَعُ بِهِ فَالْمَرْجِعُ الْقِيَاسُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَالْوَطْءُ إنَّمَا صَارَ مُحَرَّمًا إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْوَطْءُ مُحَرَّمٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ بَيَانُهُ أَنَّ الْوَطْءَ يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ الْمَخْلُوقِ مِنْ الْمَاءَيْنِ وَالْوَلَدُ مُحْتَرَمٌ مُكَرَّمٌ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: ٧٠] فَلَيْسَ فِيهِ صِفَةُ الْقُبْحِ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ بِخَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى أَيِّ وَجْهٍ اجْتَمَعَ الْمَاءَانِ فِي الرَّحِمِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: ١٤] فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْوَلَدُ صِفَةَ الْقُبْحِ صَارَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هُوَ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ، وَهُوَ الْوَطْءُ كَالتُّرَابِ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ صَارَ الْمَنْظُورُ صِفَةَ الْمَاءِ فِي إثْبَاتِ الطَّهَارَةِ لَا صِفَةَ التُّرَابِ الَّذِي هُوَ تَلْوِيثٌ فَلَمْ يَرِدْ عَلَيْنَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: إنَّ الزِّنَا مَحْظُورٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ مَا سَبِيلُهُ النِّعْمَةُ وَالْكَرَامَةُ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَيْسَ بِمَنْظُورٍ إلَيْهِ فِي إيجَابِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ فَافْهَمْ اهـ
(قَوْلُهُ: بِوَاسِطَةِ وَلَدٍ يُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمُلَا) يُقَالُ ابْنُ فُلَانَةَ وَفُلَانٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ) أَيْ وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا فِي الْعِدَّةِ. اهـ. غَايَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute