بِجَوَازِ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا، وَإِذَا جَازَ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا وَجَبَ الْمَهْرُ كَامِلًا فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا وَقَعَ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ بَعْدَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي؛ وَلِهَذَا قَالَ: يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْخِلَافِ قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ إذْ لَا يَتَنَصَّفُ قَبْلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَوْلُهُ: وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ مَهْرَاهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ وَهُوَ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ، وَكَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرُبْعِ مَهْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ يَجِبُ مُتْعَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمَا بَدَلَ نِصْفِ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْمَهْرُ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَهُوَ الْحُكْمُ بَيْنَ كُلِّ مَنْ لَا يَجُوزُ جَمْعُهُ مِنْ الْمَحَارِمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْنَ امْرَأَتَيْنِ أَيَّةٌ فُرِضَتْ ذَكَرًا حَرُمَ النِّكَاحُ) أَيْ حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ إذَا كَانَتَا بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا حَرُمَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا أَيَّتَهُمَا كَانَتْ الْمُقَدَّرَةُ ذَكَرًا
وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ غَيْرَ الْأُخْتَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَالْخَوَارِجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا وَلَا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى» «وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ عَمَّتَيْنِ أَوْ بَيْنَ خَالَتَيْنِ» وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُنَّ يُفْضِي إلَى الْقَطِيعَةِ فَيَحْرُمُ، وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِبِنْتِهِ وَعَمَّتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَبِالْمُشْرِكَةِ فَجَازَ تَخْصِيصُهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَذَكَرَ النَّهْيَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ لِإِزَالَةِ وَهْمِ الْجَوَازِ فِي الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا لَتَوَهَّمَ أَنَّ الْعَكْسَ يَجُوزُ لِفَضِيلَةِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ عَلَيْهَا كَمَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ دُونَ الْعَكْسِ فَأَزَالَ هَذَا الْوَهْمَ بِقَوْلِهِ: وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْكُبْرَى الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَبِالصُّغْرَى بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْأُخْتِ وَصُورَةُ الْعَمَّتَيْنِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّجُلَيْنِ أُمَّ الْآخَرِ فَيُولَدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتٌ فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبِنْتَيْنِ عَمَّةَ الْأُخْرَى وَصُورَةُ الْخَالَتَيْنِ فِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ فَيُولَدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَالَةَ الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ: أَيَّةٌ فُرِضَتْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يُتَصَوَّرُ جَوَازُ تَزَوُّجِ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى عَلَى كُلِّ التَّقَادِيرِ حَتَّى لَوْ جَازَ بَيْنَهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ مِثْلِ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ زَوْجِهَا أَوْ امْرَأَةِ ابْنِهَا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا
وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ: لَمَّا ثَبَتَ الِامْتِنَاعُ مِنْ وَجْهٍ فَالْأَحْوَطُ الْحُرْمَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَلِلْجُمْهُورِ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] وَلِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا قَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ بِنْتِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ وَكَذَا جَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) مَحَلُّ النَّظَرِ قَوْلُهُ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَهْرَاهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ) أَيْ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ) يَعْنِي جِنْسًا أَوْ قَدْرًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَبَيْنَ امْرَأَتَيْنِ أَيَّةٌ فُرِضَتْ ذَكَرًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: «فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى قَرَابَتِهَا مَخَافَةَ الْقَطِيعَةِ» فَأَوْجَبَ تَعَدِّيَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ حُرْمَةُ الْجَمْعِ إلَى كُلِّ قَرَابَةٍ بِفَرْضِ وَصْلِهَا، وَهِيَ مَا تَضَمَّنَهُ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا) فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ وَهَذَا نَهْيٌ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَهُوَ أَبْلَغُ مَا يَكُونُ مِنْ النَّهْيِ، وَالْحَدِيثُ مَذْكُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ بَيْنَ خَالَتَيْنِ) ذَكَرَهُ السَّفَاقِسِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. اهـ. غَايَةٌ وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ رُوِيَ فِي خُصُوصِ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ حَدِيثٌ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَبَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ» وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي خَصِيفٍ فَالْوَجْهُ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِفَضِيلَةِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» فِي الصَّحِيحَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ: كَمَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ دُونَ الْعَكْسِ) لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ اهـ أَوْ لِأَنَّهُ إنَّمَا كُرِّرَ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّأْكِيدِ لِمَا أَنَّ الْبَابَ بَابُ الْحُرْمَةِ وَفِي الْحُرُمَاتِ يُؤَكِّدُ وَيُبَالِغُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَبِيعُوا الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءِ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ» فَقَدْ كَرَّرَ شَرْطَ الْمُمَاثَلَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ لِلتَّأْكِيدِ لِمَا أَنَّ الْبَابَ بَابُ الْحُرْمَةِ كَذَا هَاهُنَا. اهـ. كَاكِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَبِالصُّغْرَى بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْأُخْتِ) وَلَمْ يُرِدْ صِغَرَ السِّنِّ وَكِبَرَهُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا) أَيْ وَلَا رَضَاعَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ) أَيْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْجَوَازِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ قُثَمٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بِنْتَ عَلِيٍّ وَامْرَأَةَ عَلِيٍّ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَقَالَ: وَجَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ وَتَعْلِيقَاتُهُ صَحِيحَةٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا جَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَخْ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. غَايَةٌ وَقَوْلُهُ: وَكَذَا جَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَخْ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ هَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَإِنَّمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute