وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ يَرُدُّهَا إذَا وَجَدَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَنَا أَنَّ الْبِكْرَ إنَّمَا اُكْتُفِيَ بِسُكُوتِهَا لِأَجْلِ حَيَائِهَا، وَهَذَا مَعْنًى قَائِمٌ وَهِيَ بِكْرٌ حَقِيقَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِأَبْكَارِ بَنِي فُلَانٍ تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ شِرَاءِ الْجَارِيَةِ فَقَدْ قِيلَ لَا يَرُدَّهَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ
فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُعْتَادَ بَيْنَ النَّاسِ فِي اشْتِرَاطِ الْبَكَارَةِ صِفَةُ الْعُذْرَةِ وَهَذِهِ بِكْرٌ، وَلَيْسَتْ بِعَذْرَاءَ فَيَرُدُّهَا وَالْحُكْمُ فِي مَسْأَلَتِنَا تَعَلَّقَ بِاسْمٍ وَهُوَ بَاقٍ وَأَمَّا إذَا زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِالزِّنَا فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا؛ لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مُصِيبَهَا عَائِدٌ إلَيْهَا، وَمِنْهُ الْمَثُوبَةُ لِلثَّوَابِ الْعَائِدِ جَزَاءَ عَمَلِهِ وَالْمَثَابَةُ لِلْبَيْتِ الَّذِي يَعُودُ إلَيْهِ النَّاسُ فِي كُلِّ عَامٍ وَالتَّثْوِيبُ الْعَوْدُ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ فَيَتَنَاوَلُهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ»، وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِثَيِّبَاتِ بَنِي فُلَانٍ تَدْخُلُ وَلِأَبْكَارِهِمْ لَا تَدْخُلُ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِذَا هِيَ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِالزِّنَا يَرُدُّهَا فَصَارَ كَمَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ أَوْ تَكَرَّرَ زِنَاهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذْنُهَا صُمَاتُهَا» خَرَجَ جَوَابًا لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنَّهَا تَسْتَحِي فَكَانَتْ الْعِلَّةُ هِيَ الْحَيَاءُ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْبَكَارَةِ فِي ذَلِكَ وَالْحَيَاءُ فِيهَا أَقْوَى فَكَانَ السُّكُوتُ دَلِيلَ الرِّضَا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّيِّبَ أَيْضًا إذَا وُجِدَ مِنْهَا فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا نَفَذَ النِّكَاحُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَوْلُ فَقَطْ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِاسْمِ الثَّيِّبَاتِ وَالْأَبْكَارِ لَا بِالْحَيَاءِ وَهِيَ ثَيِّبٌ حَقِيقَةً
وَكَذَا الشِّرَاءُ تَعَلَّقَ بِوَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ وَقَدْ فَاتَ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ تَعَلَّقَ بِالسَّلِيمِ مِنْ الْعَيْبِ، وَالزِّنَا عَيْبٌ وَلَا يُقَالُ النَّصُّ وَرَدَ فِي حَيَاءِ الْبِكْرِ فَلَا يَكُونُ وَارِدًا فِي حَيَاءِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ النَّصُّ وَرَدَ لِأَجْلِ الْحَيَاءِ لَا لِجِهَتِهِ فَيَتَنَاوَلُهُ قَطْعًا إذْ هُوَ الْمُؤَثِّرُ دُونَ جِهَتِهِ وَالْحَيَاءُ فِيهَا أَعْظَمُ حَذَارِ النِّسْبَةَ إلَى الْفَسَادِ؛ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ نَدَبَ إلَى السَّتْرِ، وَفِي إلْزَامِهَا النُّطْقَ إشَاعَةُ الْفَسَادِ مَعَ تَفْوِيتِ مَصَالِحِهَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَظْهَرَهُ حَيْثُ عَلَّقَ بِهِ أَحْكَامًا مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا تَكَرَّرَ زِنَاهَا فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِي بَعْدَ التَّكْرَارِ عَادَةً بَلْ تَجْعَلُهُ مَكْسَبَةً، وَكَذَا إذَا أُخْرِجَتْ وَأُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بَيْنَ النَّاسِ وَعُرِفَتْ بِهِ فَلَا تُخْفِيهِ
وَلَوْ خَلَا بِهَا زَوْجُهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِعُنَّةٍ أَوْ جَبٍّ تُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الْأَبْكَارُ، وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً وَالْحَيَاءُ فِيهَا مَوْجُودٌ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إنْ اخْتَلَفَا فِي السُّكُوتِ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا الزَّوْجُ: بَلَغَك النِّكَاحُ فَسَكَتَ فَقَالَتْ هِيَ: بَلْ رَدَدْت، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَقَالَ زُفَرُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ وَالرَّدَّ عَارِضٌ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَكَمَا لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي خِيَارَ الشَّرْطِ أَوْ الْبَائِعُ، فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ لِمَا قُلْنَا وَكَمَا لَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَهِيَ صَغِيرَةٌ، ثُمَّ أَدْرَكَتْ وَادَّعَتْ أَنَّهَا رَدَّتْ النِّكَاحَ حِينَ بَلَغَتْ وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ، وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهَا لُزُومَ الْعَقْدِ وَتَمَلُّكَ الْبُضْعِ وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُهُ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَزِمَ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَمْ يَظْهَرْ اللُّزُومُ هُنَا وَبِخِلَافِ دَعْوَى خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ عَارِضٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَهِيَ صَغِيرَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ نَفَذَ عَلَيْهَا فِي حَالَةِ الصِّغَرِ
وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ وَهِيَ بِدَعْوَاهَا الْفَسْخَ تُرِيدُ إبْطَالَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِحُجَّةٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا ثَبَتَ فِي وَقْتٍ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا إسْنَادُ الْفَسْخِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ حَتَّى لَوْ قَالَتْ عِنْدَ الْقَاضِي أَدْرَكْت الْآنَ وَفَسَخْت صَحَّ، وَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ كَيْفَ يَصِحُّ وَهُوَ كَذِبٌ وَإِنَّمَا أَدْرَكَتْ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ فَقَالَ: لَا تُصَدَّقُ بِالْإِسْنَادِ فَجَازَ لَهَا أَنْ تَكْذِبَ؛ كَيْ لَا يُبْطِلَ حَقُّهَا وَكَذَلِكَ إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَعَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَادَّعَتْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّ عُذْرَتَهَا زَالَتْ بِالْوَثْبَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَتْ بِعَذْرَاءَ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي مَادَّةِ بَكَرَ الْبِكْرُ الْعَذْرَاءُ وَالْجَمْعُ أَبْكَارٌ وَالْمَصْدَرُ الْبَكَارَةُ، وَقَالَ فِي مَادَّةِ عَذَرَ وَالْعُذْرَةُ الْبَكَارَةُ وَالْعَذْرَاءُ الْبِكْرُ وَالْجَمْعُ الْعَذَارَى وَالْعَذَارَى وَالْعَذْرَاوَاتُ كَمَا قُلْنَا فِي الصَّحَارَى اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) قَالَ الْأَقْطَعُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ وَطْأَهَا يُزِيلُ الْحَيَاءَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْأَبْكَارِ وَيَجْعَلُهَا فِي حُكْمِ الثَّيِّبِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهَا إذَا زَنَتْ مَرَّةً لَا يَزُولُ حَيَاؤُهَا عِنْدَ الْوَلِيِّ وَإِنَّمَا يَزُولُ عِنْدَ الزَّانِي لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ الزِّنَا مِنْهَا، وَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ حَيَائِهَا عِنْدَ اسْتِئْذَانِ الْوَلِيِّ لَهَا وَذَلِكَ مَوْجُودٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالشَّافِعِيُّ) أَيْ وَابْنُ حَنْبَلٍ اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إنْ اخْتَلَفَا فِي السُّكُوتِ) وَصُورَتُهَا ادَّعَى عَلَى بِكْرٍ بَالِغَةٍ أَنَّ وَلِيَّهَا زَوَّجَهَا مِنْهُ قَبْلَ اسْتِئْذَانِهَا فَلَمَّا بَلَغَهَا سَكَتَتْ، وَقَالَتْ بَلْ رَدَدْت اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) أَيْ بِلَا يَمِينٍ عِنْدَهُ وَبِهِ عِنْدَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ) وَنَظِيرُ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ إذَا لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْيَوْمُ، وَقَالَ الْعَبْدُ: لَمْ أَدْخُلْ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ لِلْعَبْدِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَبْسُوطِ إنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ إذْ لَيْسَ كَوْنُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، مَبْنَى الْخِلَافِ بِأَوْلَى مِنْ الْقَلْبِ بَلْ الْخِلَافُ فِيهِمَا مَعًا ابْتِدَاءً اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالرَّدُّ عَارِضٌ) أَيْ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُنْكِرِ الْعَوَارِضِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ) أَيْ وَكَالشَّفِيعِ إذَا قَالَ عَلِمْت بِالْبَيْعِ أَمْسِ وَطَلَبْت الشُّفْعَةَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ سَكَتَ، الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَمَّا لَوْ قَالَ طَلَبْت الشُّفْعَةَ حِينَ عَلِمْت بِالْبَيْعِ فَالْقَوْلُ لَهُ اهـ. فَتْحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute