للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ إلَّا بِحَضْرَةٍ مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْقَبْضِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْمُسَمَّى) أَيْ إنْ زَادَ مَهْرُ مِثْلِهَا عَلَى الْمُسَمَّى لَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَنَا أَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا فِي الزِّيَادَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا فَلَا يَجِبُ؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَإِنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ أَوْ شُبْهَةِ الْعَقْدِ لِلضَّرُورَةِ وَفِيمَا لَوْ يُوجَدُ فِيهِ الْعَقْدُ أَوْ شُبْهَتُهُ لَا يَتَقَوَّمُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي نَفْسِهِ فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مُسَمًّى أَوْ كَانَ مَجْهُولًا يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ بِالِاتِّفَاقِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ النَّسَبُ) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ إحْيَاءً لِلْوَلَدِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى الثَّابِتِ مِنْ وَجْهٍ وَيُعْتَبَرُ مُدَّةُ النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَعِنْدَهُمَا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَى الْوَطْءِ لِحُرْمَتِهِ، وَلِهَذَا لَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِدُونِ الْوَطْءِ أَوْ اللَّمْسِ أَوْ التَّقْبِيلِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ الْأَصْلِ إذَا تَزَوَّجَتْ الْأَمَةُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ فَهُوَ ابْنُ الزَّوْجِ فَقَدْ اعْتَبَرَهُ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ لَا مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِرَاشَ يَنْعَقِدُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْبَعْضُ إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالدُّخُولِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْفِرَاشَ لَا يَنْعَقِدُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَّا بِالدُّخُولِ وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الدُّخُولَ كَانَ عَقِيبَ النِّكَاحِ بِلَا مُهْلَةٍ فَحِينَئِذٍ تَسْتَوِي الْمُدَّتَانِ.

قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْغَايَةِ قَدْ اعْتَبَرُوا الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ فَكَانَ الْأَحْوَطُ فِي النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ أَيْضًا لَا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِلنَّسَبِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ وَهْمٌ لَا تَحَقُّقَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا اعْتَبَرُوا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ لِيَثْبُتَ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إقَامَةً لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ مَقَامَ الْوَطْءِ حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ كَمَا فِي الصَّحِيحِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اعْتِبَارَهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا بَلْ هِيَ مَعَهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَوْ كَانَ الِاعْتِبَارُ لِوَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا غَيْرُ لِمَا ثَبَتَ، وَكَذَا لَوْ فَارَقَهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلَوْ خَلَا بِهَا، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَيَجِبُ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْهُ لَا يَثْبُتُ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ وَلَا الْعِدَّةُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَإِنْ لَمْ يَخْلُ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعِدَّةُ) أَيْ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ يَعْنِي إذَا دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ تَحَرُّزًا عَنْ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَرَفْعِهَا بِالتَّفْرِيقِ أَوْ بِمُتَارَكَةِ الزَّوْجِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ آخِرِ الْوَطْآتِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ حَتَّى لَوْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ آخِرِ الْوَطْآتِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَقَدْ انْقَضَتْ وَلَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَلْ هُوَ مُتَارَكَةٌ فِيهِ، وَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُتَارَكَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ بِأَنْ يَقُولَ تَارَكْتُك أَوْ تَارَكْتهَا أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك أَوْ خَلَّيْتهَا، وَعِلْمُ غَيْرِ الْمُتَارِكِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْمُتَارَكَةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الصَّحِيحِ، وَإِنْكَارُ النِّكَاحِ إنْ كَانَ بِحَضْرَتِهَا فَهُوَ مُتَارَكَةٌ وَإِلَّا فَلَا رُوِيَ ذَلِكَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى) أَيْ لَا يَجِبُ الْمُسَمَّى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا كَانَ أَنْقَصَ مِنْ الْمُسَمَّى لَا يَجِبُ الْمُسَمَّى بَلْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ مُتَقَوِّمٌ فِي نَفْسِهِ لَا يُزَادُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَهَذَا أَوْلَى اهـ.

(قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ تَسْتَوِي الْمُدَّتَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْمَوْلُودِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إذَا جَاءَتْ بِهِ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ قَبْلَ النِّكَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ شَمْسُ الدِّينِ) وَهُوَ أَحْمَدُ السُّرُوجِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ الْمَهْرُ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ) أَيْ وَهِيَ قَوْلُهُ: زَوَّجْت وَتَزَوَّجْت اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ مِنْ آخِرِ الْوَطْآتِ) سَيَأْتِي هَذَا الْخِلَافُ فِي الْعِدَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي إيجَابِ الْعِدَّةِ هُوَ الْوَطْءُ لَا الْعَقْدُ فَيُعْتَبَرُ آخِرُ الْوَطْءِ وَلَنَا أَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَجِبُ لِشُبْهَةِ النِّكَاحِ، وَرَفْعُ مِلْكِ الشُّبْهَةِ يَحْصُلُ بِالتَّفْرِيقِ لَا بِالْوَطْءِ وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ مِرَارًا لَا يَجِبُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ وَبَعْدَ التَّفْرِيقِ لَوْ وَطِئَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً يَجِبُ الْحَدُّ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ هُوَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ فَفِي الصَّحِيحِ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ فَكَذَا فِي الْفَاسِدِ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ بِالْمُتَارَكَةِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ) أَيْ وَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِمَا قُلْنَا اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِالتَّفْرِيقِ أَوْ بِالِافْتِرَاقِ بِالْمُتَارَكَةِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْضًا حَتَّى لَوْ طَلَّقَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَقَالَ الْمَوْلَى طَلِّقْهَا أَوْ فَارِقْهَا، فَلَيْسَ بِإِجَازَةٍ اهـ. وَالطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْمَوْقُوفِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ بَلْ هُوَ مُتَارَكَةٌ لِلنِّكَاحِ وَفَسْخٌ لَهُ حَتَّى لَا يَنْقُصَ شَيْءٌ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَذَاكَ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَخْتَصُّ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ اهـ. وَقَدْ نُقِلَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَيْضًا فِيمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: أَوْ خَلَّيْتهَا) أَيْ أَوْ تَرَكْتهَا أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ سُنُونَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ قَالَ الشَّيْخُ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ هَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا أَمَّا غَيْرُهَا فَبِتَفَرُّقِ الْأَبْدَانِ بِأَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا اهـ. كَمَالٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>