صَرِيحًا لِحَقِّهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْمُرَادُ هُوَ الزَّوْجُ مُطْلَقًا وَالْمَعْتُوهُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ أَوْ الْعَقْلِ، وَالْمَعْتُوهُ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ، وَقِيلَ فِي الْفَاصِلِ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْعَاقِلَ مَنْ يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ وَأَفْعَالُهُ وَغَيْرُهُ نَادِرٌ وَالْمَجْنُونُ ضِدُّهُ وَالْمَعْتُوهُ مَنْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى السَّوَاءِ، وَقِيلَ الْمَجْنُونُ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ لَا عَنْ قَصْدٍ وَالْعَاقِلُ قَدْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْمَجَانِينُ أَحْيَانًا لَا عَنْ قَصْدٍ عَلَى ظَنِّ الصَّلَاحِ، وَالْمَعْتُوهُ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْمَجَانِينُ عَنْ قَصْدٍ مَعَ ظُهُورِ الْفَسَادِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: طَلَاقُ الْمُكْرَهِ لَا يَقَعُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»، وَالْمُرَادُ حُكْمُهُ فَيَشْمَلُ حُكْمَ الدَّارَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْلُبُ الِاخْتِيَارَ وَالتَّصَرُّفَ الشَّرْعِيَّ لَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ الِاخْتِيَارِ فَصَارَ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْهَازِلِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي التَّكَلُّمِ بِهِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الِاخْتِيَارِ، بَلْ لَهُ اخْتِيَارٌ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّرَّيْنِ فَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ فَاتَ رِضَاهُ وَذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ كَالْهَازِلِ؛ وَلِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ أَمَّا فِي غَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا فِيمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الْفِعْلُ تَارَةً وَفُرِضَ عَلَيْهِ أُخْرَى وَحُرِّمَ عَلَيْهِ تَارَةً وَالْخِطَابُ بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الْكَذِبِ وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَاهُ أَحْكَامُ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً.
وَحُكْمُهُ نَوْعَانِ دُنْيَوِيٌّ وَأُخْرَوِيٌّ فَلَا يَتَنَاوَلُهُمَا اللَّفْظُ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّهُمَا كَالْمُشْتَرَكِ وَحُكْمُ الْآخِرَةِ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَانْتَفَى الْأُخَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ عَلَى أَنَّ طَلَاقَهُ وَاقِعٌ بِحَدِيثِ «حُذَيْفَةَ وَابْنِهِ حِينَ حَلَّفَهُمَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ» فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ وَالْإِكْرَاهِ سَوَاءٌ، فَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَرْقِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ هَذَا صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
وَقَالَ فِي الْغَايَةِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرِّضَا، ثُمَّ جُمْلَةُ مَا يَصِحُّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَعَ الْإِكْرَاهِ عَشْرَةٌ الْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعَفْوُ عَنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَهُوَ إثْبَاتُ الثَّابِتِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ صَرِيحًا يُعْمَلُ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ يَقَعُ كُلُّ طَلَاقِ كُلِّ زَوْجٍ، بَلْ نَقُولُ يَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ وَطَلَاقُ هَذَا الزَّوْجِ مِمَّا يَقَعُ فِي الْجُمْلَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي الْفَاصِلِ إلَخْ) نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ اهـ. وَذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ نَادِرٌ) أَيْ غَيْرُ الْمُسْتَقِيمِ مِنْ كَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ نَادِرٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمَجْنُونُ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِيهِ أَيْضًا أَيْ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ إذَا طَلَّقَ إنْسَانٌ امْرَأَةَ الصَّبِيِّ فَبَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَقَالَ أَجَزْت لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت عَلَيْهَا الطَّلَاقَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فُلَانٌ يَقَعُ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى: النَّائِمُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي الْمَنَامِ لَا يَقَعُ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلَّقْتُك فِي الْمَنَامِ لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ يَقَعُ، وَكَذَا الصَّبِيُّ لَوْ قَالَ أَوْقَعْت مَا تَلَفَّظْت بِهِ فِي حَالِ النَّوْمِ لَا يَقَعُ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمُبَرْسَمُ وَالْمَدْهُوشُ وَالنَّائِمُ وَالْمُعْتَقَلُ وَاَلَّذِي شَرِبَ الدَّوَاءَ مِثْلَ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ فَتَغَيَّرَ عَقْلُهُ إذَا طَلَّقَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ زَوْجَتَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ طَلَاقَ الصَّغِيرِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَسْتَثْنِهِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ الصَّلَاةَ جَازَ طَلَاقُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَ لَزِمَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الْكَذِبِ) أَيْ فِيمَا كَانَ كَذِبًا فَلَا يَكُونُ صِدْقًا بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا لَمْ يَقَعْ، وَإِذَا أَنْشَأَ بِهِ هَازِلًا يَقَعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ جُمْلَةُ مَا يَصِحُّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَعَ الْإِكْرَاهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ جَمَعْتهَا لِتَسْهِيلِ حِفْظِهَا فِي قَوْلِي
يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِتْقٌ وَرَجْعَةُ ... نِكَاحٌ وَإِيلَاءٌ طَلَاقُ مُفَارِقٍ
وَفَيْءٌ ظِهَارٌ وَالْيَمِينُ وَنَذْرُهُ ... وَعَفْوٌ لِقَتْلِ شَابٍّ عَنْهُ مُفَارِقِيٌّ
، وَهَذَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَبِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ تَتِمُّ أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَصِحُّ مَعَهُ اهـ.
قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ قَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا يَكُونُ كُفْرًا مِنْ الْمُسْلِمِ وَمَا لَا يَكُونُ مَا نَصُّهُ، وَكَذَا إسْلَامُ الْمُكْرَهِ إسْلَامٌ عِنْدَنَا إنْ كَانَ حَرْبِيًّا وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ إسْلَامًا اهـ. فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ لِمَا أَطْلَقُوهُ مِنْ قَوْلِهِمْ إسْلَامُ الْمُكْرَهِ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَالْعَجَبُ أَنَّ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ أَطْلَقَ كَمَا أَطْلَقُوا فَقَالَ: وَإِذَا أُجْبِرَ الْكَافِرُ عَلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ إسْلَامُهُ فَشَمِلَ كَمَا تَرَى الْحَرْبِيَّ وَالذِّمِّيَّ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْخَبَّازِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ مَا نَصُّهُ: أُكْرِهَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قِيَاسًا، وَلَوْ أُكْرِهَ الْحَرْبِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ صَحَّ إسْلَامُهُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ أُكْرِهَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ اهـ.
فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ أَصْلًا مَا هُوَ جَوَابُ الْقِيَاسِ، وَالِاسْتِحْسَانُ يَكُونُ إسْلَامًا وَعَلَى هَذَا فَالْمَذْهَبُ الْإِطْلَاقُ وَلِهَذَا لَمْ تُقَيِّدْهُ الْمَشَايِخُ بِالْحَرْبِيِّ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ: وَلَوْ أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى إرْضَاعِ صَغِيرٍ أَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَرْضَعَ مِنْ لَبَنِ امْرَأَتِهِ صَغِيرًا فَفَعَلَ يَثْبُتُ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ اهـ.
(فَرْعٌ) السُّلْطَانُ إذَا أَكْرَهَ رَجُلًا لِيُوَكِّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ أَنْتِ