للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقِصَاصِ وَالرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارُ وَالْيَمِينُ وَالنَّذْرُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَصَرُّفَاتٌ لَا يَفْتَقِرُ وُقُوعُهَا إلَى الرِّضَا بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ وَالْخَطَأِ وَاخْتَارَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ كَالنَّائِمِ، وَهَذَا لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ الْعَقْلُ، وَقَدْ زَالَ فَصَارَ كَزَوَالِهِ بِالْبَنْجِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَلَنَا أَنَّهُ مُخَاطَبٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣] فَوَجَبَ نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ؛ وَلِأَنَّهُ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَيُجْعَلُ بَاقِيًا زَجْرًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا زَالَ بِالْمُبَاحِ حَتَّى لَوْ صُدِعَ رَأْسُهُ وَزَالَ بِالصُّدَاعِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَبِخِلَافِ رِدَّتِهِ حَيْثُ لَا تَعْتَبِرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُهُ أَنَّ عَقْلَهُ بَاقٍ فِي حَقِّ حُكْمٍ لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ فَأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ بَاقِيًا فِي حَقِّ حُكْمٍ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ مُكْرَهًا فَسَكِرَ وَطَلَّقَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ زَالَ بِالْمُبَاحِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقَعُ لِوُجُودِ التَّلَذُّذِ بِهِ وَلَا إكْرَاهَ عِنْدَهُ، وَمِثْلُهُ إذَا شَرِبَهَا لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ سَكِرَ مِنْ الْأَنْبِذَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الْعَسَلِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ أَمْ لَا، وَلَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ لَا يَقَعُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ حِينَ يَشْرَبُ أَنَّهُ بَنْجٌ يَقَعُ وَإِلَّا فَلَا وَطَلَاقُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ إنْ كَانَتْ تُعْرَفُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاطِقُ، وَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ إشَارَتُهُ كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ بِالْإِشَارَةِ إنْ كَانَتْ تُعْرَفُ كَإِعْتَاقِهِ وَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَغَيْرِهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي الْيَنَابِيعِ هَذَا إذَا وُلِدَ أَخْرَسَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ وَدَامَ وَإِنْ لَمْ يَدُمْ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ طَلَاقُ الْعَبْدِ عَلَى امْرَأَتِهِ دُونَ طَلَاقِ مَوْلَاهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «جَاءَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَيِّدِي زَوَّجَنِي أَمَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا فَصَعِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِنْبَرَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا عَنْ غَيْرِهِ

وَفِي الْمَنَافِعِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَلَا الْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ»؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ وَالْعَبْدُ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْآدَمِيَّةِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِالدَّمِ وَالْحُدُودِ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَوَقَعَ طَلَاقُهُ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِإِطْلَاقِ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ بِدُونِ الْمِلْكِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاعْتِبَارُهُ بِالنِّسَاءِ) أَيْ اعْتِبَارُ عَدَدِ الطَّلَاقِ بِالنِّسَاءِ حَتَّى كَانَ طَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثًا وَطَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَيْنِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَدَدُ الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الرَّجُلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ»؛ وَلِأَنَّ صِفَةَ الْمَالِكِيَّةِ كَرَامَةٌ وَالْآدَمِيَّةُ مُسْتَدْعِيَةٌ لَهَا وَمَعْنَى الْآدَمِيَّةِ فِي الْحُرِّ أَكْمَلُ فَكَانَتْ مَالِكِيَّتُهُ أَبْلَغَ وَأَكْثَرَ وَلَنَا مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَيُرْوَى قُرْآنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَهَذَا إجْمَاعٌ، وَقَالَ مَالِكٌ شُهْرَةُ الْحَدِيثِ بِالْمَدِينَةِ تُغْنِي عَنْ صِحَّةِ سَنَدِهِ

وَلَا يُقَالُ أَرَادَ بِهِ الْأَمَةَ الَّتِي تَحْتَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ عِدَّةُ الْإِمَاءِ لَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَتَقْيِيدُهُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ يُوجِبُ تَقْيِيدَهُ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَكَانَ بَاطِلًا؛ وَلِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهَا وَلِلرِّقِّ أَثَرٌ فِي تَنْصِيفِ النِّعْمَةِ فَالْحُرَّةُ تَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِرَجُلٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَوَجَبَ أَنْ تَمْلِكَ الْأَمَة مَرَّةً وَنِصْفًا، إلَّا أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَتَكَامَلُ، وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ مَرْفُوعٍ ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ وَتَأْوِيلُهُ عَلَى تَقْدِيرِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَكِيلِي فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِقَوْلِي أَنْتَ وَكِيلِي الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ وَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الرَّجُلِ خَرَجَ جَوَابًا لِقَوْلِ السُّلْطَانِ وَكِّلْنِي بِطَلَاقِ امْرَأَتِك اهـ. قَاضِي خَانْ فِي الْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ: فَأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ بَاقِيًا فِي حَقِّ حُكْمِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَلَى هَذَا لَوْ شَرِبَهَا مُكْرَهًا أَوْ لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ لَا يَقَعُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ زَالَ عِنْدَ كَمَالِ التَّلَذُّذِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ مُكْرَهًا وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ الْوُقُوعَ عِنْدَ زَوَالِ الْعَقْلِ لَيْسَ إلَّا التَّسَبُّبُ فِي زَوَالِهِ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّكْرَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْأَشْرِبَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ اُضْطُرَّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ، وَمَنْ سَكِرَ مِنْهَا مُخْتَارًا اُعْتُبِرَتْ عِبَارَتُهُ.

وَأَمَّا مَنْ شَرِبَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ فَسَكِرَ وَطَلَّقَ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَيُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ مُحَرَّمٌ اهـ. وَقَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوِيهِ: أَمَّا إذَا شَرِبَهُ مُكْرَهًا وَسَكِرَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ كَمَا لَا يُحَدُّ اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي التُّحْفَةِ الْمُكْرَهُ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْمُضْطَرُّ إذَا شَرِبَ فَسَكِرَ فَإِنَّ طَلَاقَهُ لَا يَقَعُ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، ثُمَّ قَالَ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ قَالُوا يَقَعُ وَفِي الْإِيضَاحِ يَقَعُ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ حَصَلَ بِفِعْلٍ هُوَ مَحْظُورٌ فِي الْأَصْلِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحِ اهـ.

قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي طَلَاقِ مَنْ لَا يَعْقِلُ: وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ لِضَرُورَةٍ وَسَكِرَ فَطَلَّقَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَالَ بِالْبَنْجِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ: وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ لَا يَنْفُذُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ اهـ. قَالَ فِي بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ مِنْ النِّهَايَةِ: الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا عَلَى أَنَّ مَنْ سَكِرَ مِنْ الْبَنْجِ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَيُحَدُّ شَارِبُهُ لِفُشُوِّ هَذَا الْفِعْلِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>