للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا لِطَلَاقٍ يُوقِعُهُ الزَّوْجُ، لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ يَدُلُّ عَلَى مَصْدَرٍ قَائِمٍ بِالْفَاعِلِ لُغَةً لَا عَلَى مَصْدَرٍ يُوقِعُهُ الْوَاصِفُ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرْت مِنْ الْمَعْنَى أَنْ لَوْ كَانَ خَبَرًا وَقَدْ جَعَلَهُ الشَّارِعُ إنْشَاءً فَلَا يَسْتَقِيمُ قُلْنَا فَإِذَا كَانَ إنْشَاءً صَارَ ابْتِدَاءَ فِعْلٍ وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعَدُّدَ بِالنِّيَّةِ كَالضَّرْبَةِ وَالْخُطْوَةِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْإِيقَاعُ الْوَاحِدُ إيقَاعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يَلْزَمُنَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ حَيْثُ تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ صِفَةٌ لِتَطْلِيقٍ مَحْذُوفٍ إذْ الْفِعْلُ هُوَ الَّذِي يُوصَفُ بِالسَّنَةِ وَذِكْرُ الصِّفَةِ ذِكْرٌ لِلْمَوْصُوفِ تَقْدِيرُهُ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقًا لِلسَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إنَّهُ نَعْتُ فَرْدٍ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الطَّلَاقِ لَا فِي الْمَرْأَةِ

وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْمَرْأَةُ كَالْقَاضِي لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ إذَا سَمِعَتْ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدُ عَدْلٍ عِنْدَهَا، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يَقَعْ فِي الْقَضَاءِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ مِنْ الْعَمَلِ لَمْ يُصَدَّقْ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً لِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا، وَهَذَا لِأَنَّهُ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهِيَ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْعَمَلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُدَيَّنُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّخْلِيصِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ عَمَلِ كَذَا أَوْ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ دُيِّنَ دِيَانَةً لِوُجُودِ الْبَيَانِ الْمَوْصُولِ صُورَةً وَلَا يُدَيَّنُ قَضَاءً لِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مِنْ هَذَا الْعَمَلِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِتَسْكِينِ الطَّاءِ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ عُرْفًا فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ بِلَا نِيَّةٍ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ)، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ فَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِاللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ النَّعْتِ وَحْدَهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَمَعَ الْمَصْدَرِ الْمُؤَكِّدِ لَهُ أَوْلَى. وَأَمَّا وُقُوعُهُ بِاللَّفْظَةِ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ فَلِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الِاسْمُ يُقَالُ رَجُلٌ عَدْلٌ أَيْ عَادِلٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَمٌ أَيْ عَالِمٌ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ

فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ

أَيْ مُقْبِلَةٌ وَمُدْبِرَةٌ، وَقَالَ آخَرُ

فَأَنْتِ الطَّلَاقُ وَأَنْتِ الطَّلَاقُ ... وَأَنْتِ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا تَمَامًا

أَنَوَّهْت بِاسْمِي فِي الْعَالَمِينَ ... وَأَفْنَيْت عُمْرِي عَامًا فَعَامَا

فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا تَلَوْنَا وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ جِنْسٌ فَيَحْتَمِلُ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ فَإِذَا نَوَاهُ فَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ إنَّهَا بَعْضُ الثَّلَاثِ فَتَصِحُّ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الثَّلَاثِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ وَلَفْظُ الْجِنْسِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَتَلْغُو نِيَّتُهُ وَنِيَّةُ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ لِكَوْنِهَا جَمِيعَ الْجِنْسِ، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّفْظَ مُفْرَدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْدَ نَوْعَانِ فَرْدٌ حَقِيقِيٌّ وَهُوَ أَدْنَى الْجِنْسِ وَفَرْدٌ حُكْمِيٌّ وَهُوَ جَمِيعُ الْجِنْسِ فَأَيَّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَلَا كَذَلِكَ التَّثْنِيَةُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جَمِيعُ الْجِنْسِ فِي حَقِّهَا كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ فَإِنْ قِيلَ ذِكْرُ الْمَصْدَرِ ظَاهِرٌ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا أَوْ طَالِقٌ الطَّلَاقَ.

وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ أَنْتِ طَلَاقٌ فَقَدْ أَقَمْته مَقَامَ أَنْتِ طَالِقٌ وَفِيهِ لَا يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا كَذَلِكَ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ قُلْنَا هُوَ مَصْدَرٌ فِي أَصْلِهِ فَيُلَاحَظُ فِيهِ جَانِبُ الْمَصْدَرِيَّةِ كَمَا يُلَاحَظُ فِيهِ جَانِبُ الْمَصْدَرِيَّةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى اسْتَوَى فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَكَذَا الْمُفْرَدُ وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ فَكَذَا فِي احْتِمَالِ الْجِنْسِ كُلِّهِ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ أَنْتِ ذَاتُ الطَّلَاقِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ فَيَنْتَفِي الْإِيرَادُ رَأْسًا أَوْ يَجْعَلُ ذَاتَهَا طَلَاقًا لِلْمُبَالَغَةِ فَلَا يَرِدُ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّ الْكِسَائِيَّ كَتَبَ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَتْوَى فَدَفَعَهَا إلَيَّ فَقَرَأْتهَا عَلَيْهِ مَا قَوْلُ الْقَاضِي الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ

فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ) أَيْ عَنْ قَيْدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَالْوَثَاقُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّخْلِيصِ) أَيْ الطَّلَاقُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْبَيَانِ الْمَوْصُولِ) يُحْتَرَزُ مِنْ الْمَفْصُولِ بِأَنْ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ عُرْفًا) أَيْ بَلْ فِي الِانْطِلَاقِ عَنْ الْقَيْدِ الْحِسِّيِّ اهـ فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ) ضَبَطَهُ الشَّارِحُ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْقَلَمِ بِالنَّصْبِ كَمَا شَاهَدْتُهُ فِي خَطِّهِ، وَكَذَا الْعَيْنِيُّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّارِحِ الرَّفْعُ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ بِإِضْمَارِ أَنْتِ إلَخْ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يَقْتَضِي الرَّفْعَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبًا فَهُوَ بِالْجُمْلَةِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا، وَلِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا تَلَوْنَا) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩]. اهـ. (قَوْلُهُ وَفَرْدٌ حُكْمِيٌّ وَهُوَ جَمِيعُ الْجِنْسِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مَحْضٌ فَلَا يَجُوزُ نِيَّتُهُ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ إطْلَاقِ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ لِسَعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى وَيَكُونُ فَرْدًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا. اهـ. رَازِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَلَا كَذَلِكَ التَّثْنِيَةُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُحْتَمَلَاتِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>