للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقُ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ

كَمْ يَقَعُ عَلَيْهَا فَكَتَبَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَابَهُ إنْ رُفِعَ ثَلَاثٌ يَقَعُ وَاحِدَةٌ

وَإِنْ نُصِبَ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَفَعَ ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ الْكَلَامُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَلَاقٌ ثُمَّ ابْتَدَأَ أَوْ الطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ثَلَاثٌ وَالطَّلَاقُ مُبْتَدَأٌ وَثَلَاثٌ خَبَرُهُ وَعَزِيمَةٌ إنْ رَفَعَهَا خَبَرٌ وَإِنْ نَصَبَهَا حَالٌ وَإِذَا نَصَبَ ثَلَاثًا فَكَأَنَّهُ قَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ ابْتِدَاءً وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ فَقَالَ أَرَدْتُ بِقَوْلِي طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِي الطَّلَاقُ أُخْرَى يَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ بِإِضْمَارِ أَنْتِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ رَجْعِيَّتَانِ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ فَأَنْتِ طَلَاقٌ) فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مَوْضُوعًا مَوْضِعَ اسْمِ الْفَاعِلِ كَرَجُلٍ عَدْلٍ وَصَوْمٍ وَنَذْرٍ وَفِطْرٍ أَيْ مُفْطِرٍ قَالَ تَعَالَى {مَاؤُكُمْ غَوْرًا} [الملك: ٣٠] وَقَدْ يَقَعُ مَوْقِعَ الْمَفْعُولِ كَرَجُلٍ رِضًا، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ كَمَا قِيلَ صَلَّى الْمَسْجِدُ أَيْ أَهْلُهُ وَكَمَا قَالَتْ الْخَنْسَاءُ فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ أَعَقُّ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي فَوَائِدِهِ يُرِيدُ فَهُوَ أَعَقُّ فَحَذَفَ فَهُوَ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الضَّرُورَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَزِيمَةٌ إنْ رَفَعَهَا خَبَرٌ) أَيْ خَبَرٌ أَوَّلٌ وَثَلَاثٌ خَبَرٌ ثَانٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ نَصَبَهَا حَالٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الدُّرَّةِ أَيْ إذَا كَانَ عَزِيمَةً. اهـ. وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ هِشَامٍ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ التَّوَارِيخِ أَنَّ الرَّشِيدَ كَتَبَ إلَى أَبِي يُوسُفَ مَا قَوْلُ الْقَاضِي الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ

فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ

فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقُ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ

فَقَالَ مَاذَا يَلْزَمُهُ إذَا رَفَعَ الثَّلَاثَ وَإِذَا نَصَبَهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ وَلَا آمَنُ مِنْ الْغَلَطِ فِيهَا فَأَتَى إلَى الْكِسَائِيّ فَسَأَلَهُ فَأَجَابَ عَنْهَا بِمَا سَنَذْكُرُهُ وَهُوَ بَعْدَ كَوْنِهِ غَلَطًا فِيهِ بَعُدَ عَنْ مَعْرِفَةِ مَقَامِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ مَعْرِفَةَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَسَالِيبِهَا؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَقَعُ فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ أَهْلُ الثَّبَتِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَّنْ قَرَأَ الْفَتْوَى حِينَ وَصَلَتْ خِلَافُ هَذَا وَأَنَّ الْمُرْسِلَ بِهَا الْكِسَائِيُّ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَلَا دَخْلَ لِأَبِي يُوسُفَ أَصْلًا وَلَا لِلرَّشِيدِ وَلَمَقَامُ أَبِي يُوسُفَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ مَعَ إمَامَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَبَرَاعَتِهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْأَلْفَاظِ فَفِي الْمَبْسُوطِ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّ الْكِسَائِيَّ بَعَثَ إلَى مُحَمَّدٍ بِفَتْوَى فَدَفَعَهَا إلَيَّ فَقَرَأْتهَا عَلَيْهِ فَقَالَ مَا قَوْلُ قَاضِي الْقُضَاةِ الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ

فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ

فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقُ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ

فَمَا يَقَعُ عَلَيْهِ فَكَتَبَ فِي جَوَابِهِ إنْ قَالَ ثَلَاثٌ مَرْفُوعًا كَانَ ابْتِدَاءً فَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَلَاقٌ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِذَا قَالَ ثَلَاثًا مَنْصُوبًا عَلَى مَعْنَى الْبَدَلِ أَوْ التَّفْسِيرِ فَيَقَعُ بِهِ ثَلَاثٌ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ ثَلَاثًا وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ فِي تَفْسِيرِ الْوَاقِعِ فَاسْتَحْسَنَ الْكِسَائِيُّ جَوَابَهُ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ هِشَامٍ بَعْدَ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَالصَّوَابُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ يَحْتَمِلُ وُقُوعَ الثَّلَاثِ وَالْوَاحِدَةِ

أَمَّا الرَّفْعُ فَلِأَنَّ " أَلْ " فِي الطَّلَاقِ إمَّا لِمَجَازِ الْجِنْسِ نَحْوُ زَيْدٌ الرَّجُلُ أَيْ الْمُعْتَدُّ بِهِ وَإِمَّا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ أَيْ، وَهَذَا الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ عَزِيمَةً ثَلَاثٌ وَلَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْبَارُ بِالْخَاصِّ عَنْ الْعَامِّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ إذْ لَيْسَ كُلُّ طَلَاقٍ عَزِيمَةً ثَلَاثًا فَعَلَى الْعَهْدِيَّةِ تَقَعُ الثَّلَاثُ وَعَلَى الْجِنْسِيَّةِ وَاحِدَةٌ. وَأَمَّا النَّصْبُ فَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ إذْ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ اعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا بِالْجُمْلَةِ وَكَوْنُهُ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ فِي عَزِيمَةٍ فَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ إذَا كَانَ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقَعُ مَا نَوَاهُ هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ.

وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَهُ الشَّاعِرُ فَالثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ

فَبِينِي بِهَا إنْ كُنْتِ غَيْرَ رَفِيقَةٍ ... وَمَا لِامْرِئٍ بَعْدَ الثَّلَاثِ مُقَدَّمٌ

اهـ وَتَخْرُقِي بِضَمِّ الرَّاءِ مُضَارِعُ خَرُقَ بِضَمِّهَا أَوْ بِفَتْحِ الرَّاءِ مُضَارِعُ خَرِقَ بِكَسْرِهَا وَالْخُرْقُ بِالضَّمِّ الِاسْمُ وَهُوَ ضِدُّ الرِّفْقِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ فِي النَّصْبِ كَوْنُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ نِيَابَةً عَنْ الْمَصْدَرِ لِقِلَّةِ الْفَائِدَةِ فِي إرَادَةِ الطَّلَاقِ عَزِيمَةً إذَا كَانَ ثَلَاثًا. وَأَمَّا الرَّفْعُ فَلِامْتِنَاعِ الْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا ذَكَرَ بَقِيَ أَنْ يُرَادَ مَجَازُ الْجِنْسِ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ أَوْ الْعَهْدُ الذِّكْرِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ، وَلِهَذَا ظَهَرَ مِنْ الشَّاعِرِ أَنَّهُ أَرَادَهُ كَمَا أَفَادَهُ الْبَيْتُ الْأَخِيرُ فَجَوَابُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يَجِبُ فِي مِثْلِهِ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى الظَّاهِرِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَى الِاحْتِمَالِ. اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ فَقَالَ أَرَدْتُ بِقَوْلِي طَالِقٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا وَنَوَى بِهِ ثِنْتَيْنِ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا صِحَّةَ نِيَّةِ الثِّنْتَيْنِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِعَيْنِهَا إذَا أَرَادَ الثِّنْتَيْنِ عَلَى التَّقْسِيمِ فَقَالَ إذَا نَوَى طَلْقَةً وَاحِدَةً بِقَوْلِهِ طَالِقٌ وَطَلْقَةً أُخْرَى بِقَوْلِهِ طَلَاقًا أَوْ الطَّلَاقَ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ صَالِحٌ لِلْإِيقَاعِ فَيَصِيرُ طَالِقٌ مُقْتَضِيًا وَطَلَاقًا دَلِيلًا عَلَى نَعْتٍ مَحْذُوفٍ فَيَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ رَجْعِيَّتَانِ إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ هَكَذَا نَقَلُوهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمَنَعَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ؛ لِأَنَّ طَالِقٌ نَعْتٌ وَطَلَاقًا مَصْدَرُهُ فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ فَأَقُولُ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الثِّنْتَيْنِ عَلَى الْجَمْعِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ فَكَذَا إذَا نَوَاهُمَا عَلَى التَّقْسِيمِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ. اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>