للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِلَّا لَغَا الْكَلَامُ الثَّانِي.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُمْلَتِهَا أَوْ إلَى مَا يُعَبِّرُ بِعَنْهَا كَالرَّقَبَةِ وَالْعُنُقِ وَالرُّوحِ وَالْبَدَنِ وَالْجَسَدِ وَالْفَرْجِ وَالْوَجْهِ أَوْ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهَا كَنِصْفِهَا أَوْ ثُلُثِهَا تَطْلُقُ)؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى مَحَلِّهِ أَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى جُمْلَتِهَا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَنْتِ ضَمِيرُ الْمُخَاطَبَةِ، وَكَذَلِكَ الرُّوحُ وَالْبَدَنُ وَالْجَسَدُ. وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهَا تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا جُمْلَتُهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: ٤] وَالْمُرَادُ ذَاتُهُمْ، وَلِهَذَا جُمِعَ هَذَا الْجَمْعَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢]، وَقَالَ تَعَالَى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: ٢٧]، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ» وَيُقَالُ أَمْرِي حَسَنٌ مَا دَامَ رَأْسُك أَيْ مَا دُمْت بَاقِيًا وَهَؤُلَاءِ رُءُوسُ الْقَوْمِ وَالْجُزْءُ الشَّائِعُ مَحَلٌّ لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَثْبُتُ فِي الْكُلِّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَتَجَزَّأُ فِي حَقِّهِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْجُزْءِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّعَدِّي.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالدُّبُرِ لَا) أَيْ إنْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهَا لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْجُمْلَةِ وَبِاعْتِبَارِهِ كَانَ الْوُقُوعَ فِيمَا تَقَدَّمَ حَتَّى لَوْ قَالَ الرَّأْسُ مِنْك طَالِقٌ أَوْ الْوَجْهُ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الرَّأْسِ أَوْ الْعُنُقِ، وَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصَحِّ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَقَعُ إذَا أَضَافَهُ إلَى الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مُسْتَمْتَعٌ بِهِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ فَتَثْبُتُ فِيهِ قَضِيَّةُ الْإِضَافَةِ ثُمَّ يَسْرِي إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ بِخِلَافِ إضَافَةِ النِّكَاحِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي غَيْرِهِ تَغْلِبُ الْحِلَّ فِيهِ لِمَا عُرِفَ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ طَلَّقْتُك شَهْرًا تَطْلُقُ دَهْرًا، وَلَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُك شَهْرًا لَا يَصِحُّ وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ فَيَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْقَيْدِ وَمَحَلُّهُ مَا يَجُوزُ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ لَا مَا يَدْخُلُ تَبَعًا كَمِلْكِ الرَّقَبَةِ تَدْخُلُ فِيهِ الْأَطْرَافُ تَبَعًا وَلَا يَجُوزُ إضَافَةُ الشِّرَاءِ إلَيْهَا بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِ تَبَعٌ لِوُرُودِ الْحِلِّ فِي جَمِيعِهَا فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا كَمَا فِي إضَافَةِ النِّكَاحِ إلَيْهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْبُضْعِ

وَذُكِرَ فِي الدَّمِ رِوَايَتَانِ هُنَا، وَقَالَ فِي الْعَتَاقِ إذَا قَالَ دَمُك حُرٌّ لَا يَعْتِقُ وَصَحَّ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ صِحَّةُ التَّكْفِيلِ بِهِ فَعُلِمَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْيَدُ وَالْقَلْبُ؛ لِأَنَّهُمَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْجَمِيعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: ١] وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ» وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال: ٦٣] أَيْ بَيْنَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ {وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: ٦٣] لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يُعْرَفْ اسْتِمْرَارُ اسْتِعْمَالِهِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَإِنَّمَا جَاءَ بِهَا عَلَى وَجْهِ النُّدْرَةِ حَتَّى إذَا كَانَ عِنْدَ قَوْمٍ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ الْعُضْوُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ ثُلُثُهَا طَلْقَةٌ) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا نِصْفَ التَّطْلِيقَةِ أَوْ ثُلُثَهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا فِي كُلِّ جُزْءٍ شَائِعٍ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ صِيَانَةً لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَتَغْلِيبًا لِلْمُحَرَّمِ عَنْ الْمُبِيحِ وَإِعْمَالًا لِلدَّلِيلِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَكَامَلْ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الدَّلِيلِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ ثَلَاثٌ) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ؛ لِأَنَّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ كَالرَّقَبَةِ وَالْعُنُقِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْعُنُقُ الرَّقَبَةُ وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَالْحِجَازُ تُؤَنِّثُ فَيُقَالُ هِيَ الْعُنُقُ وَالنُّونُ بِالضَّمِّ لِلِاتِّبَاعِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ وَسَاكِنَةٌ فِي لُغَةِ تَمِيمٍ وَالْجَمْعُ أَعْنَاقٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أَيْ مَمْلُوكَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ) أَيْ النِّسَاءَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قُلْت سَلَّمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ فِي الْبَدَنِ ابْتِدَاءً وَلَا بِنَاءَ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الْيَدِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَلَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْيَدِ الْبَدَنُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [آل عمران: ١٨٢]. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ» قُلْت ثُبُوتُ الْمَجَازِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا وُجِدَتْ النِّيَّةُ وَالْإِرَادَةُ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِ الْمُتَكَلِّمِ ذَلِكَ حَتَّى إذَا ذَكَرَ الْيَدَ وَأَرَادَ بِهَا كُلَّ الْبَدَنِ يَصِحُّ كَذَا ذَكَرَهُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ اهـ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ يَدُك وَرِجْلُك طَالِقٌ عِبَارَةً عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَانَ لَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّهَا تَطْلُقُ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصَحِّ) وَوَجْهُهُ أَنْ لَا يُرَادَ بِهِ الذَّاتُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقِيلَ يَقَعُ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْإِضَافَةُ إلَى الْجُمْلَةِ أَوْ إلَى مَا يَبْقَى الْإِنْسَانُ حَيًّا بَعْدَ قَطْعِهِ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ عِنْدَنَا حَتَّى تَصِحَّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ إلَخْ) وَفِي الظَّهْرِ وَالدَّمِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَالْمُخْتَارُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي الدَّمِ رِوَايَتَانِ هُنَا) أَيْ فِي الطَّلَاقِ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ إلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ أَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ. وَأَمَّا النَّصْبُ فَعَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقًا نِصْفَ التَّطْلِيقَةِ هَذَا مِنْ حَيْثُ التَّرْكِيبُ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَهَا أَيْ أَوْ ثُلُثَ التَّطْلِيقَةِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ وَيَجُوزُ فِيهَا الْوَجْهَانِ أَيْضًا الرَّفْعُ عَلَى الْعَطْفِ وَالنَّصْبُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُهُ طَلْقَةٌ بِالرَّفْعِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ إمَّا خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ خَبَرٌ عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفُ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثُ تَطْلِيقَةٍ هُوَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُهُ ثَلَاثٌ أَيْ: ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ بِالرَّفْعِ لَيْسَ إلَّا أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا. اهـ. (فَائِدَةٌ) الطَّلَاقُ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ لَا يَتَجَزَّأُ وَعِنْدَ الْمُخَالَفَةِ يَتَجَزَّأُ

<<  <  ج: ص:  >  >>