- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ)؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ وَقَدْ وُجِدَ حِينَ سَكَتَ، وَهَذَا لِأَنَّ مَتَى صَرِيحٌ لِلْوَقْتِ لِكَوْنِهَا مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ. وَأَمَّا مَا فَلِأَنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: ٣١] أَيْ مُدَّةَ حَيَّاتِي وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: ٢] قَالَ حَافِظُ الدِّينِ هَذَا مَوْضِعُ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ يَسْتَدْعِي الْوَقْتَ لَا مَحَالَةَ فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الْوَقْتِ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ أَيْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَوْلَى كَيْ لَا يَقَعَ بِالشَّكِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ يَقَعُ الثَّلَاثُ مُتَتَابِعًا وَلَا يَقَعُ جُمْلَةً؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ لَا غَيْرُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي إنْ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا أُطَلِّقُك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَا حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ فَأَمَّا حَرْفُ إنْ فَلِأَنَّهَا لِلشَّرْطِ حَقِيقَةً وَقَدْ عَلَّقَهُ بِعَدَمِ الْفِعْلِ وَتَحَقُّقُهُ بِالْيَأْسِ عَنْ الْوُقُوعِ وَذَلِكَ بِالْمَوْتِ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ ثُمَّ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ لِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَتَرِثُهُ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْفَارِّ وَجَعَلَ مَوْتَهَا كَمَوْتِهِ وَفِي النَّوَادِرِ لَا يَقَعُ بِمَوْتِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى الْإِيقَاعِ مَا لَمْ تَمُتْ فَإِذَا مَاتَتْ بَطَلَتْ الْمَحَلِّيَّةُ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ أَوْ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ تَطْلُقُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ وَالدُّخُولِ لِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ وَلَا تَطْلُقُ بِمَوْتِهَا؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِتْيَانِ وَالدُّخُولِ إلَى أَنْ يَمُوتَ
وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ وَنَحْوِهِ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ قَدْ تَحَقَّقَ قُبَيْلَ مَوْتِهَا فَوُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا لَا يَثْبُتُ الْعَجْزُ مَا لَمْ تَمُتْ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ ثُمَّ الزَّوْجُ لَا يَرِثُهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ كَانَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ وُجِدَ. وَأَمَّا إذَا وَإِذَا مَا فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمَا مِثْلُ إنْ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مِثْلُ مَتَى وَنَحْوِهَا فَتَطْلُقُ حِينَ يَسْكُتُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَإِنْ نَوَى الشَّرْطَ يَكُونُ كَانَ وَإِنْ نَوَى الْوَقْتَ يَكُونُ كَمَتَى إجْمَاعًا لَهُمَا أَنَّ كَلِمَةَ إذَا لِلْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: ١] وَلَيْسَ الْقَسَمُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَفْسُدُ بِهِ، وَلِهَذَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ كَقَوْلِهِمْ إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ آتِيك وَنَحْوِهِ
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: ١] وَالشَّرْطُ يَكُونُ فِي الْمُتَرَدِّدِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا كَقَوْلِهِ مَتَى شِئْتِ، وَلِهَذَا تَطْلُقُ حِينَ يَسْكُتُ فِي قَوْلِهِ إذَا سَكَتَ عَنْ طَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ قَالَ الشَّاعِرُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ) إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَسَكَتَ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ مَوْصُولًا أَنْتِ طَالِقٌ عَقِيبَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَعَتْ تَطْلِيقَةً وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ حِينَ سَكَتَ فِيمَا بَيْنَ فَرَاغِهِ مِنْ يَمِينِهِ إلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ سَكَتَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ زَمَانَ لَمْ أُطَلِّقْك وَحَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك وَيَوْمَ لَمْ أُطَلِّقْك وَإِنْ قَالَ زَمَانَ لَا أُطَلِّقُك أَوْ حِينَ لَا أُطَلِّقُك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمْضِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَمْ مَوْضُوعٌ لِقَلْبِ الْمُضَارِعِ مَاضِيًا وَنَفْيِهِ وَقَدْ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَحَيْثُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ فَكَمْ مِنْ مَكَان لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوُجِدَ شَرْطُ الطَّلَاقِ وَكَلِمَةُ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا يَقَعُ لِلْحَالِ وَإِنَّمَا يُرَادُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ أَوْسَطُ اسْتِعْمَالِ الْحِينِ إذْ يُرَادُ بِهِ السَّاعَةُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: ١٧] وَيُرَادُ بِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: ٢٥] وَيُرَادُ بِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً كَقَوْلِهِ {حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: ١] وَالزَّمَانُ كَالْحِينِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الِاسْتِعْمَالِ سَوَاءٌ تَقُولُ مَا لَقِيتُك مُنْذُ زَمَانٍ كَمَا يُقَالُ مَا لَقِيتُك مُنْذُ حِينٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُكْمُ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ حَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ حِينَ لَا أُطَلِّقُك وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَسَكَتَ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِيهِ خِلَافَ زُفَرَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ لَكِنِّي بَادَرْت بِكِتَابَتِهِ ظَنًّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ. (قَوْلُهُ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ) أَيْ وَحَمْلُهُ عَلَى الْوَقْتِ أَوْلَى لِعَدَمِ انْفِكَاكِ الطَّلَاقِ عَنْ الْوَقْتِ فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الْوَقْتِ. اهـ. رَازِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا إذَا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ فَقَدْ بَقِيَ مِنْ حَيَاتِهَا مَا لَا يَسَعُ التَّكَلُّمَ بِالطَّلَاقِ وَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الزَّمَانِ صَالِحٌ لِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ بَاقٍ فَيَقَعُ وَالْمُعَلَّقُ كَالْمُرْسَلِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِيقَةِ الْإِرْسَالِ فَلِهَذَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِرْسَالِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ اللَّطِيفَةِ وَلَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ. اهـ. مَبْسُوطٌ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الزَّوْجُ لَا يَرِثُهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ كَانَ ثَلَاثًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ قَبْلَ مَوْتِهَا لَا يَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ حَالَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالْبَيْنُونَةِ وَأَنَّ الْمُعَلَّقَ صَرِيحًا لِانْتِفَاءِ الْعِدَّةِ كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي آخِرِ جُزْءٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَمْ يَلِهِ إلَّا الْمَوْتُ وَبِهِ تَبِينُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الشَّرْطَ يَكُونُ كَإِنْ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الْوَقْتَ يَكُونُ كَمَتَى) أَيْ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَ سَكَتَ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute