بِعَشَرَةِ أَزْوَاجٍ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ فِي الشَّرْعِ وَلَمْ يُجْعَلْ الْإِرْثُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا دَامَ بِهِ الْمَرَضُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا تَرِثُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَرِثُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُبَانَةَ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ فِي الْعِدَّةِ مِنْ زِنَا، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لَكِنْ تَيَقَّنَّا بَرَاءَةَ الرَّحِمِ بَعْدَ وَضْعِهِ فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَعِنْدَهُمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ زَوْجٍ تَزَوَّجَتْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَى الزِّنَا إضْرَارًا بِالْوَلَدِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا فَتَبَيَّنَ أَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا تَرِثُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ أَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِتَفْوِيضِهِ لَمْ تَرِثْ)؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا لِرِضَاهَا بِالْمُبْطِلِ فَيَكُونُ رِضًا بِبُطْلَانِهِ وَهُوَ قَابِلٌ لَهُ فَيَنْعَدِمُ التَّعَدِّي وَالتَّأْخِيرُ لِحَقِّهَا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَأَجَازَ حَيْثُ تَرِثُ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلْإِرْثِ إجَازَتُهُ وَبِخِلَافِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ، وَقَالَ مَالِكٌ لَهَا الْمِيرَاثُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ لِتُمَاضِرَ إذَا طَهُرْت فَآذِنِينِي فَطَهُرَتْ فَأَعْلَمَتْهُ فَطَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ وَلَمْ يَعْتَبِرْ رِضَاهَا بِهِ مُبْطِلًا قُلْنَا لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى رِضَاهَا بِالطَّلَاقِ الْمُبْطِلِ لِلْإِرْثِ وَإِنَّمَا فِيهِ إعْلَامٌ بِطَهَارَتِهَا عَنْ الْحَيْضِ وَبِمِثْلِهِ لَا يَبْطُلُ إرْثُهَا، وَلَوْ فَارَقَتْهُ بِسَبَبِ الْجُبِّ وَالْعُنَّةِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا فَكَانَتْ رَاضِيَةً بِالْبُطْلَانِ، وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ ابْنِ زَوْجِهَا لِمَا قُلْنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَقَرُبَهَا الِابْنُ مُكْرَهَةً؛ لِأَنَّهُ بِالْأَمْرِ انْتَقَلَ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْأَبُ كَالْمُبَاشِرِ لَهُ، وَلَوْ وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْهَا وَهِيَ مَرِيضَةٌ وَرِثَهَا الزَّوْجُ لِكَوْنِهَا فَارَّةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي طَلِّقْنِي رَجْعِيَّةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي طَلْقَةً رَجْعِيَّةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا تَرِثُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ، وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا يَحْرُمُ بِهِ الْمِيرَاثُ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا إيَّاهُ رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً لِمَا قُلْنَا، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ اسْتِحْسَانًا وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّجْعَةَ فِي سُؤَالِهَا، وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ قَوْلَهَا طَلِّقْنِي يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ الرَّجْعِيِّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلِهَذَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ فِي الْوَكَالَةِ وَالتَّفْوِيضِ وَالْإِنْشَاءِ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ تَصَادَقَا عَلَيْهَا فِي الصِّحَّةِ وَمُضِيِّ الْعِدَّةِ فَأَقَرَّ أَوْ أَوْصَى لَهَا فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْهُ وَمِنْ إرْثِهَا) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا فِي مَرَضِهِ بِسُؤَالِهَا أَوْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِهِ كُنْت طَلَّقْتُك وَأَنَا صَحِيحٌ فَانْقَضَتْ عِدَّتُك فَصَدَّقَتْهُ ثُمَّ أَوْصَى لَهَا بِمَالٍ أَوْ أَقَرَّ لَهَا بِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ وَمِنْ الَّذِي أَقَرَّ لَهَا بِهِ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهَا جَمِيعُ مَا أَقَرَّ لَهَا بِهِ وَمَا أَوْصَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَعَ زُفَرَ فِي الْأُولَى وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الثَّانِيَةِ لِزُفَرَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْإِرْثَ بَطَلَ بِسُؤَالِهَا أَوْ إقْرَارِهَا فَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَهُمَا أَنَّ دَلِيلَ التُّهْمَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ) وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ أَيْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِتَفْوِيضِهِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا) إمَّا بِالرِّضَا بِالْعِلَّةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْخُلْعِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الْعِلَّةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْإِرْثُ إنَّمَا يَجِبُ بِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا وَلَا تَعَدِّيَ مَعَ الرِّضَا فَثَبَتَ حُكْمُ الْقَاطِعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. اهـ. رَازِيٌّ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ سَابِقًا؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا وَهُوَ قَابِلٌ لَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِرْثَ حَقُّهَا وَهُوَ قَابِلٌ لِلْإِبْطَالِ بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ أَصْلًا اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَتْ رَاضِيَةً بِالْبُطْلَانِ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مُضْطَرَّةً؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاضْطِرَارِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَلَمْ يَكُنْ جَانِيًا فِي الْفُرْقَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ) سَتَأْتِي مَعَ زِيَادَةٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. (قَوْلُهُ، وَلِهَذَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الرَّجْعِيِّ وَإِنْ طَلَّقَهَا بِلَا سُؤَالِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهَا لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ إذْ هُوَ فَارٌّ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ تَصَادَقَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضَ الْمَوْتِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَدْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فِي صِحَّتِي وَانْقَضَتْ عِدَّتُك فَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالتَّصَادُقِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَعَ زُفَرَ إلَخْ) هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَصَوَابُهُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَوَّلِ وَمَعَ زُفَرَ فِي الثَّانِيَةِ لِمَا عُرِفَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَعَلَّ السَّهْوَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الشَّارِحِ حَيْثُ اسْتَمَدَّ مِنْ الْهِدَايَةِ وَفِيهَا مَسْأَلَةُ التَّصَادُقِ قَبْلَ مَسْأَلَةِ الْإِبَانَةِ فِي الْمَرَضِ بِعَكْسِ مَا فِي الْكَنْزِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَأَرَادَ بِهَا مَسْأَلَةَ التَّصَادُقِ وَهِيَ الثَّانِيَةُ فِي الْكَنْزِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَأَرَادَ بِهَا مَسْأَلَةَ الْإِبَانَةِ فِي مَرَضِهِ وَهَذِهِ هِيَ الْأُولَى فِي الْكَنْزِ فَجَاءَهُ الِاشْتِبَاهُ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إلَخْ هَكَذَا فِي شَرْحِ الرَّازِيّ بِخَطِّهِ وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ تَحْتَ خَطِّهِ هَكَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ بِخَطِّهِ وَكَتَبَ عَلَى الْهَامِشِ صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَعَ زُفَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأُولَى اهـ أَقُولُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَهُمَا أَنَّ دَلِيلَ التُّهْمَةِ وَهِيَ الْعِدَّةُ قَائِمَةٌ فِي الْأُولَى يُؤَيِّدُ وَجْهَ الصَّوَابِ اهـ فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ دَلِيلَ التُّهْمَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْفَرْقُ لَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ التُّهْمَةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ الدَّاعِي إلَيْهَا وَذَلِكَ قِيَامُ الْعِدَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute