للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهِيَ الْعِدَّةُ قَائِمَةٌ فِي الْأُولَى فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَلَا عِدَّةَ فِي الثَّانِيَةِ فَانْعَدَمَتْ التُّهْمَةُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَدَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا وَالشَّهَادَةُ لَهَا، وَهَذَا لِأَنَّ التُّهْمَةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِهَا وَهِيَ الْعِدَّةُ كَمَا أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى النِّكَاحِ وَالْقَرَابَةِ حَتَّى امْتَنَعَتْ بِهِمَا هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمَّا مَرِضَ وَالنِّكَاحُ قَائِمٌ حَقِيقَةً أَوْ ظَاهِرًا صَارَ مُتَّهَمًا بِالْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ لَهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ قَدْ يَتَّفِقَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَعَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ لِيَحْصُلَ لَهَا بِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْإِرْثِ فَتَرُدُّ الزِّيَادَةُ لِهَذِهِ التُّهْمَةِ وَلَا تُهْمَةَ فِي قَدْرِ الْمِيرَاثِ فَيَصِحُّ وَكَذَا لَا تُهْمَةَ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ وَالتَّزَوُّجِ وَالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَوَاضَعَانِ عَادَةً لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ أَوْ نَقُولُ إنَّ التُّهْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ فَلَا تَتَعَدَّاهُمْ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ حَقُّ الشَّرْعِ وَلَا تُهْمَةَ فِي حَقِّهِ ثُمَّ مَا تَأْخُذُهُ لَهُ حُكْمُ الْمِيرَاثِ حَتَّى إذَا تَوَى بَعْضُ التَّرِكَةِ يَتْوِي عَلَى الْكُلِّ وَلَهُ حُكْمُ الدَّيْنِ حَتَّى كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهَا مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ اعْتِبَارًا لِزَعْمِهَا. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ بَارَزَ رَجُلًا أَوْ قَدِمَ لِيَقْتُلَ بِقَوَدٍ أَوْ رَجْمٍ فَأَبَانَهَا وَرِثَتْ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ، وَلَوْ مَحْصُورًا أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ لَا) وَأَصْلُهُ مَا مَرَّ أَنَّ امْرَأَةَ الْفَارِّ تَرِثُ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ اسْتِحْسَانًا بِأَنْ تَجْعَلَ الْبَيْنُونَةَ مَعْدُومَةً حُكْمًا كَمَا جُعِلَتْ الْقَرَابَةُ الثَّابِتَةُ مَعْدُومَةً حُكْمًا بِالْقَتْلِ جَزَاءً لِظُلْمِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ إذَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِهِ بِمَرَضٍ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ غَالِبًا بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يَقُومُ بِحَوَائِجِهِ فِي الْبَيْتِ كَمَا يَعْتَادُهُ الْأَصِحَّاءُ وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِتَكْلِيفٍ وَاَلَّذِي يَقْضِي حَوَائِجَهُ فِي الْبَيْتِ وَهُوَ يَشْتَكِي لَا يَكُونُ فَارًّا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّ مَا يَخْلُو عَنْهُ وَقِيلَ إذَا كَانَ يَخْطُو ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ حُكْمًا وَإِلَّا فَهُوَ مَرِيضٌ

وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ قَضَاءِ حَوَائِجِهِ خَارِجَ الْبَيْتِ فَهُوَ مَرِيضٌ وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ بِهَا فِي الْبَيْتِ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَرِيضٍ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا فِي الْبَيْتِ كَالْقِيَامِ لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَقِيلَ الْمَرِيضُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ جَالِسًا وَقِيلَ مَنْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَقْدِرَ أَنْ يَقُومَ إلَّا أَنْ يُقِيمَهُ غَيْرُهُ وَقِيلَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَّا أَنْ يُهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَسْلُولِ وَالْمَفْلُوجِ وَأَمْثَالِهِمَا قِيلَ مَا دَامَ يَزْدَادُ مَا بِهِ فَهُوَ مَرِيضٌ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ كَانَ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ بِالتَّدَاوِي فَهُوَ مَرِيضٌ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ، وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ إنْ كَانَ يَزْدَادُ أَبَدًا فَهُوَ مَرِيضٌ وَإِنْ كَانَ يَزْدَادُ مَرَّةً وَيَقِلُّ أُخْرَى فَهُوَ صَحِيحٌ وَقَدْ يَثْبُتُ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ تَوَجُّهُ حَرْفِ الْهَلَاكِ فِي غَيْرِ الْمَرِيضِ فَيَكُونُ فَارًّا إذَا أَبَانَهَا فِيهِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُبَارَزَةِ وَالتَّقْدِيمِ لِلْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْهَلَاكُ وَالْمَحْصُورُ وَاَلَّذِي فِي صَفِّ الْقِتَالِ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ لِدَفْعِ بَأْسِ الْعَدُوِّ

وَكَذَا الْمَنَعَةُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْفِرَارِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ طَلَاقَ الْمُبَارِزِ كَطَلَاقِ الصَّحِيحِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إذَا قَدِمَ لِلْقِصَاصِ لَا يَكُونُ فَارًّا؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدِمَ لِلرَّجْمِ وَعَلَى الْأَوَّلِ الِاعْتِمَادُ. وَقَوْلُهُ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا مَاتَ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ كَالْمَرِيضِ إذَا قُتِلَ وَفِيهِ خِلَافٌ عِيسَى بْنِ أَبَانَ هُوَ يَقُولُ إنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ وَلَمَّا مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ عَلِمْنَا أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ قُلْنَا الْمَوْتُ اتِّصَالٌ بِمَرَضِهِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ وَقَدْ يَكُونُ لِلْمَوْتِ سَبَبَانِ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتَ وَأَنَّ حَقَّهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ، وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ أَخَوَاتٌ تَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْحَرْفِ فَمَنْ لَا يَكُونُ فَارًّا رَاكِبُ السَّفِينَةِ وَالنَّازِلُ فِي الْمَسْبَعَةِ أَوْ فِي الْمُخِيفِ مِنْ عَدُوِّهِ وَالْمَحْبُوسُ لِيُقْتَلَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ وَمِمَّنْ يَكُونُ فَارًّا رَاكِبُ السَّفِينَةِ إذَا انْكَسَرَتْ وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ افْتَرَسَهُ السَّبُعُ وَبَقِيَ فِي فَمِهِ

وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالرَّجُلِ حَتَّى لَوْ بَاشَرَتْ سَبَبَ الْفِرَاقِ مِنْ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَالتَّمْكِينِ مِنْ ابْنِ الزَّوْجِ وَالِارْتِدَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَعْدَمَا حَصَلَ لَهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَرَضِ وَغَيْرِهِ يَرِثُهَا الزَّوْجُ لِكَوْنِهَا فَارَّةً وَالْحَامِلُ لَا تَكُونُ فَارَّةً إلَّا إذَا جَاءَهَا الطَّلْقُ خِلَافًا لِمَالِكٍ بَعْدَ مَا تَمَّ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ هُوَ يَقُولُ تَتَوَقَّعُ الْوِلَادَةَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ قُلْنَا لَا يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ قَبْلَ الطَّلْقِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ دَلِيلَ التُّهْمَةِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالتُّهْمَةُ مَعْرُوفَةٌ وَيَجُوزُ فِي عَيْنِهَا السُّكُونُ وَالْفَتْحُ وَالْأَكْثَرُ الْفَتْحُ وَالسُّكُونُ حَسَنٌ كَذَا قَالَ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي الْمُقْتَصَدِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا لَا يَتَوَاضَعَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُوَاضَعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ وَضْعِ الشَّخْصَيْنِ رَأْيَهُمَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ. .

(قَوْلُهُ وَمَنْ بَارَزَ رَجُلًا إلَخْ) هَذَا لِبَيَانِ أَنَّ حُكْمَ الْفِرَارِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْمَرَضِ بَلْ كُلُّ شَيْءٍ يُقَرِّبُهُ إلَى الْهَلَاكِ غَالِبًا فَهُوَ فِي مَعْنَى مَرَضِ الْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ مَحْصُورًا) وَالْمَحْصُورُ الْمَحْبُوسُ يُقَالُ حَصَرْته أَحْصُرُهُ حَصْرًا إذَا حَبَسْته. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ زَمَانَ تَعَلُّقِ حُكْمِ حَقِّ الْوَارِثِ بِمَالِ الْمُوَرِّثِ فَتَرِثُهُ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ دَفْعًا لِلظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ ثُمَّ كُلُّ سَبَبٍ يَكُونُ الْهَلَاكُ فِيهِ غَالِبًا يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ فَيَكُونُ ذَلِكَ السَّبَبُ فِي حُكْمِ مَرَضِ الْمَوْتِ وَمَا كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ وَإِنْ كَانَ يُخَافُ الْهَلَاكُ مِنْهُ فَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْمَرَضِ. (قَوْلُهُ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ كَالْمَرِيضِ إذَا قُتِلَ)، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ قُلْنَا الْمَوْتُ اتَّصَلَ بِمَرَضِهِ) إنَّمَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ مَرَضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ مَرَضٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْمَتْنِ نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهِ كُلَّ سَبَبٍ يَكُونُ الْهَلَاكُ فِيهِ غَالِبًا اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>