للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْمَبْسُوطِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ إنْ كَانَ الْمَجْبُوبُ لَا يُنْزِلُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَفَّ مَاؤُهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ أَوْ دُونَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُفْضَاةً وَحَبِلَتْ مِنْ الثَّانِي حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ لِوُجُودِ الْوِقَاعِ فِي قُبُلِهَا وَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الْإِحْرَامِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَلَوْ لَفَّ قَضِيبَهُ بِخِرْقَةٍ فَجَامَعَهَا وَهِيَ لَا تَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ حَرَارَةِ فَرْجِهَا إلَى ذَكَرِهِ يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ وَفِي فَتَاوَى الْوَبَرِيِّ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ لَوْ أَوْلَجَ بِمُسَاعَدَةِ يَدِهِ لَا يُحِلُّهَا وَمِنْ لَطَائِفِ الْحِيَلِ فِيهِ أَنْ تُزَوَّجَ الْمُطَلَّقَةُ مِنْ عَبْدٍ صَغِيرٍ تَتَحَرَّكُ آلَتُهُ ثُمَّ تَمْلِكُهُ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ بَعْدَ مَا وَطِئَهَا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَطْءُ الْمَوْلَى لَا يُحِلُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ وَهُوَ الشَّرْطُ بِالنَّصِّ،

وَكَذَا لَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِزَوْجٍ آخَرَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اسْتَرَقَّهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ وَيَدْخُلُ بِهَا لِمَا تَلَوْنَا نَظِيرُهُ إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ لَاعَنَهَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّتْ وَمَلَكَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ لِلْأَوَّلِ) أَيْ يُكْرَهُ التَّزَوُّجُ بِشَرْطِ أَنْ يُحِلَّهَا لَهُ يُرِيدُ بِهِ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ بِالْقَوْلِ بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ أُحِلَّك لَهُ أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ. وَأَمَّا لَوْ نَوَيَا ذَلِكَ فِي قَلْبِهِمَا وَلَمْ يَشْتَرِطَاهُ بِالْقَوْلِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَيَكُونُ الرَّجُلُ مَأْجُورًا بِذَلِكَ لِقَصْدِهِ الْإِصْلَاحَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ لِلْأَوَّلِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى شَرْطِ التَّوْقِيتِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ فَيَبْطُلُ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلَةً إلَّا رَجَمْتُهُمَا، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَزَالَانِ زَانِيَيْنِ، وَلَوْ مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ذَلِكَ السِّفَاحُ، وَلِهَذَا لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَوْقِيتٍ لِلنِّكَاحِ وَلَكِنَّهُ اسْتَعْجَلَ بِالْمَحْظُورِ مَا هُوَ مُؤَخَّرٌ شَرْعًا فَيُعَاقَبُ بِالْحِرْمَانِ كَقَتْلِ الْمُوَرِّثِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ»، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي صِحَّةَ النِّكَاحِ وَالْحِلَّ لِلْأَوَّلِ وَالْكَرَاهِيَةَ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَيَصِحُّ وَتُحَلَّلُ لِلْأَوَّلِ ضَرُورَةَ صِحَّتَهُ وَلَا مَعْنَى لِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا لُعِنَ مَعَ حُصُولِ الْحِلِّ؛ لِأَنَّ الْتِمَاسَ ذَلِكَ وَاشْتِرَاطَهُ فِي الْعَقْدِ هَتْكٌ لِلْمُرُوءَةِ وَإِعَارَةُ النَّفْسِ فِي الْوَطْءِ لِغَرَضِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَطَؤُهَا لِيَعْرِضَهَا لِوَطْءِ الْغَيْرِ وَهُوَ قِلَّةُ حَمِيَّةٍ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هُوَ التَّيْسُ الْمُسْتَعَارُ» وَإِنَّمَا كَانَ مُسْتَعَارًا إذَا سَبَقَ الْتِمَاسٌ مِنْ الْمُطَلِّقِ وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ طَالِبَ الْحِلِّ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالْمُؤَقَّتِ وَسَمَّاهُ مُحَلِّلًا وَإِنْ لَمْ يُحَلِّلْ؛ لِأَنَّهُ يَعْقِدُهُ وَيَطْلُبُ الْحِلَّ مِنْهُ.

وَأَمَّا طَالِبُ الْحِلِّ مِنْ طَرِيقِهِ لَا يَسْتَوْجِبُ اللَّعْنَ وَلَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ دُخُولَ الْمُحَلِّلِ صُدِّقَتْ وَإِنْ أَنْكَرَ هُوَ، وَكَذَلِكَ عَلَى الْعَكْسِ، وَلَوْ خَافَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا الْمُحَلِّلُ فَقَالَتْ زَوَّجْتُك نَفْسِي عَلَى أَنَّ أَمْرِي بِيَدِي أُطَلِّقُ نَفْسِي كُلَّمَا أَرَدْت فَقَبِلَ جَازَ النِّكَاحُ وَصَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَهْدِمُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ الْحَاصِلَةِ بِالثَّلَاثِ بِالنَّصِّ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ حَتَّى لِلْغَايَةِ حَقِيقَةً وَلَمْ يُوجَدْ الْمُغَيَّا وَهُوَ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِالثَّلَاثِ وَبِبَعْضِ أَرْكَانِ الْعِلَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ فَلَا يَصِيرُ الزَّوْجُ الثَّانِي غَايَةً قَبْلَ وُجُودِهَا لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الْغَايَةِ وَلَا مُغَيَّا

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَوَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا حَتَّى أَسْتَشِيرُ أَبِي فَاسْتَشَارَهُ قَبْلَ مَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِشَارَةَ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالْيَمِينِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَبْلَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لِلْإِنْهَاءِ وَلَا إنْهَاءَ قَبْلَ وُجُودِهِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ» وَهُوَ الْمُثْبِتُ لِلْحِلِّ فَصَارَ رَافِعًا لِلْحُرْمَةِ لَا غَايَةً مُنْهِيَةً؛ لِأَنَّ الْمُنْتَهَى يَكُونُ مُتَقَرِّرًا فِي نَفْسِهِ وَهُنَا لَا حُرْمَةَ بَعْدَ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَافِعٌ لِلْحُرْمَةِ بَيَانُهُ أَنَّهَا تَصِيرُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ وَتَصِيرُ مُطَلَّقَةً وَبِإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي يَرْتَفِعُ الْوَصْفَانِ جَمِيعًا وَتَلْحَقُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُطَلِّقْهَا قَطُّ وَبِالتَّطْلِيقَةِ الْوَاحِدَة

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

مَائِهِ لَكِنْ يُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ اعْتِيَادًا كَمَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ اهـ. .

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كَانَ مُسْتَعَارًا إذَا سَبَقَ الْتِمَاسٌ مِنْ الْمُطَلِّقِ) أَيْ؛ لِأَنَّ عُمُومَ الْمُحَلِّلِ مُطْلَقًا غَيْرُ مُرَادٍ إجْمَاعًا وَإِلَّا شَمِلَ الْمُتَزَوِّجَ تَزْوِيجَ رَغْبَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا يُحِلُّهَا لِمُطَلِّقِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّحْلِيلَ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>