للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْضًا تَصِيرُ مَوْصُوفَةً بِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فَيَرْتَفِعُ ذَلِكَ بِإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي كَمَا تَرْتَفِعُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ كَلِمَةَ حَتَّى هُنَا لَيْسَتْ لِلْغَايَةِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هِيَ مَجَازٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣] فَالِاغْتِسَالُ مُوجِبٌ لِلطَّهَارَةِ رَافِعٌ لِحَدَثِ الْجَنَابَةِ لَا أَنْ يَكُونَ غَايَةً لِلْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ ثَبَتَتْ مُؤَبَّدَةً لَا إلَى غَايَةٍ كَحُكْمِ زَوَالِ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ مُؤَقَّتًا وَلَكِنْ يَرْتَفِعُ بِوُجُودِ مَا يَرْفَعُهُ وَهُوَ النِّكَاحُ

وَكَذَا مِلْكُ الْيَمِينِ وَمِلْكُ النِّكَاحِ يَثْبُتُ مُتَأَبِّدًا وَيَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْحِلِّ فَإِنَّمَا يُوجِبُ حِلًّا لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ بَعْدَ الطَّلْقَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ فَيُثْبِتُهُ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ الْوَصْفِ أَسْهَلُ مِنْ إثْبَاتِ الْأَصْلِ، وَكَذَا رَفْعُ مَا تَعَرَّضَ لِلثُّبُوتِ أَوْلَى مِنْ رَفْعِ الثَّابِتِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا لِكَوْنِهِ شَرْطُ الْحِلِّ لَا؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لَهُ قُلْنَا ذَلِكَ مَجَازٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ هُوَ الْمُرَادُ إذْ الْحِلُّ ثَابِتٌ فِيمَا قُلْتُمْ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ قُلْنَا إنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَحَلُّ إثْبَاتَ أَصْلِ الْحِلِّ يَقْبَلُ إثْبَاتَ وَصْفِهِ وَهُوَ التَّكْمِيلُ فِي الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ بِالطَّلْقَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ وَمَا صَلُحَ مُثْبِتًا لِأَصْلِ الشَّيْءِ صَلُحَ مُثْبِتًا لِوَصْفِهِ بَلْ أَوْلَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوْ نَقُولُ إنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ مُثْبِتٌ لِلْحِلِّ الْجَدِيدِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْحِلِّ ثَابِتًا فِي الْمَحَلِّ

وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ رَافِعًا لِلْحُرْمَةِ وَمُثْبِتًا لِلْحِلِّ لَعَادَتْ مَنْكُوحَةً وَحَلَّتْ لَهُ بَعْدَ إصَابَةِ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ غَايَةً أَيْضًا يَلْزَمُ ذَلِكَ ثُمَّ نَقُولُ الْمُرَادُ بِإِثْبَاتِ الْحِلِّ إنَّمَا هُوَ الْحِلُّ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ جَوَازُ إيرَادِ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا، وَكَذَا الْمُرَادُ بِرَفْعِ الْحُرْمَةِ إنَّمَا هِيَ الْحُرْمَةُ الَّتِي تَثْبُتُ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ لَا الْحُرْمَةُ الَّتِي تَثْبُتُ لِأَجْلِ عَدَمِ التَّزَوُّجِ. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَخْبَرَتْ مُطَلَّقَةُ الثَّلَاثِ بِمُضِيِّ عِدَّتِهِ وَعِدَّةِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا)؛ لِأَنَّهُ مُعَامَلَةٌ أَوْ أَمْرٌ دِينِيٌّ لِتَعَلُّقِ الْحِلِّ بِهِ وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِمَا مَقْبُولٌ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَدْنَى هَذِهِ الْمُدَّةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَهْرَانِ فِي الْعِدَّةِ الْأُولَى يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ الْوِقَاعِ فَيَجْعَلُ طُهْرَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهِ فَيُؤْخَذُ لَهَا بِالْأَقَلِّ وَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ أَقَلِّهِمَا فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ نَادِرٌ فَيُؤْخَذُ لَهَا بِالْوَسَطِ فَثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ تَكُونُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ تَكُونُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَارَتْ سِتِّينَ، وَهَذَا عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ فَيُجْعَلُ حَيْضُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّا لَمَّا قَدَّرْنَا طُهْرَهَا بِالْأَقَلِّ قَدَّرْنَا حَيْضَهَا بِالْأَكْثَرِ لِيَعْتَدِلَا فَفِيهَا طُهْرَانِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا فَصَارَتْ سِتِّينَ يَوْمًا فَهَذَا مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَيُحْتَاجُ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الزَّوْجِ الثَّانِي وَزِيَادَةِ طُهْرٍ عَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَدْنَى مُدَّةٍ تُصَدَّقُ فِيهَا تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَيُجْعَلُ حَيْضُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَخْذًا بِالْأَقَلِّ فِيهِمَا لِلتَّيَقُّنِ بِهِ فَفِيهَا طُهْرَانِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ وَيُحْتَاجُ إلَى مِثْلِهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ الثَّانِي وَزِيَادَةِ طُهْرٍ بَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهَذَا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ.

وَأَمَّا فِي حَقِّ الْأَمَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ أَدْنَاهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى مِثْلِهَا فِي حَقِّ الثَّانِي وَزِيَادَةٍ طُهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَعِنْدَهُمَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا لِلْأَوَّلِ وَمِثْلُهُ لِلثَّانِي وَزِيَادَةُ طُهْرٍ وَاحِدٍ تَأَمَّلْهُ تَدْرِهِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ مُضِيُّ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمُدَّةِ لِيُقْبَلَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ كَذَّبَهَا الْعَادَةُ وَالْمُكَذَّبُ عَادَةً كَالْمُكَذَّبِ حَقِيقَةً

أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا قَالَ أَنْفَقْت عَلَى الْيَتِيمِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي يَوْمٍ لَا يُصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ صِدْقُهُ مُحْتَمَلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَفَقَةً فَتَهْلِكَ ثُمَّ يَشْتَرِيَ لَهُ فَتَهْلِكَ ثُمَّ يَشْتَرِيَ فَتَهْلِكَ ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى بِغَرَقٍ فِي الْمَاءِ أَوْ احْتِرَاقٍ بِالنَّارِ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْوِلَادَةِ بِأَنْ قَالَ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَوَلَدَتْ لَمْ تُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ لَمْ تُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ يَوْمٍ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُمْكِنُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ أَدْنَاهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ فَالطُّهْرَانِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَالْحَيْضَتَانِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>