للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ أَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ بَاقِيَةٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ فَيَتَنَاوَلُهَا قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: ٢٢٦] الْآيَةَ فَإِنْ قِيلَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِالْإِيلَاءِ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ لِكَوْنِهِ ظَلَمَهَا بِمَنْعِهَا حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ لَيْسَ لَهَا حَقٌّ فِيهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قُرْبَانُهَا لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً، وَلِهَذَا لَا تَمْلِكُ مُطَالَبَتَهُ بِهِ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ جَزَاءُ الظُّلْمِ فِي حَقِّهَا قُلْنَا إنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَنْصُوصِ مُضَافٌ إلَى النَّصِّ لَا إلَى الْمَعْنَى وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ مِنْ نِسَائِنَا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: ٢٢٨] وَالْبَعْلُ هُوَ الزَّوْجُ فَكَانَ الْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَى نِسَاءِ الْأَزْوَاجِ شَامِلًا لَهَا فَلَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ بَطَلَ الْإِيلَاءُ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنْ الْمُبَانَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا) أَيْ لَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنَةِ أَوْ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِيلَاءِ مَنْ يَكُونُ مِنْ نِسَائِنَا بِالنَّصِّ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْهَا فَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لِلطَّلَاقِ أَصْلًا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَخْرَجِهِ وَقَعَ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ وَطِئَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَعْتَمِدُ التَّصَوُّرَ دُونَ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ عَنْ الْحَرَامِ. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ شَهْرَانِ) لِأَنَّهَا ضَرَبَتْ أَجَلًا لِلْبَيْنُونَةِ فَتَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُدَّتُهَا كَمُدَّةِ إيلَاءِ الْحُرَّةِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ ضُرِبَتْ لِإِظْهَارِ الظُّلْمِ بِمَنْعِ الْحَقِّ فِي الْجِمَاعِ عِنْدَهُ وَالْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَعِنْدَنَا ضَرَبَتْ أَجَلًا لِلْبَيْنُونَةِ فَشَابَهَتْ مُدَّةَ الْعِدَّةِ فَتَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ لِكَوْنِهَا مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَجَزَ الْمُولِي عَنْ وَطْئِهَا بِمَرَضِهِ أَوْ مَرَضِهَا أَوْ بِالرَّتَقِ أَوْ بِالصِّغَرِ أَوْ بِبُعْدِ مَسَافَةٍ فَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ فِئْت إلَيْهَا) هَذَا إذَا كَانَ عَاجِزًا مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حَتَّى لَوْ آلَى مِنْهَا وَهُوَ قَادِرٌ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الْوَطْءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَرَضٍ أَوْ بُعْدِ مَسَافَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ جَبٍّ أَوْ أَسْرِ عَدُوٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ كَانَ عَاجِزًا حِينَ آلَى وَزَالَ الْعَجْزُ فِي الْمُدَّةِ لَمْ يَصِحَّ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْجِمَاعِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَجْزُ الْمُسْتَوْعِبُ لِلْمُدَّةِ، وَلَوْ آلَى مِنْهَا وَهُوَ مَرِيضٌ وَبَانَتْ بِمُضِيِّ مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ صَحَّ وَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ فَفَاءَ بِلِسَانِهِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَصَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ مَرِيضٌ وَعَادَ حُكْمُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ

وَفِي زَمَانِ الصِّحَّةِ هِيَ مُبَانَةٌ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ فَلَا يَعُودُ فِيهِ حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَهُمَا يَقُولَانِ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ الْفَيْءُ بِاللِّسَانِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَا تَبِينُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ الْفَيْءُ بِاللِّسَانِ أَصْلًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّهُ ظَلَمَهَا بِمَنْعِ حَقِّهَا وَهُوَ الْوَطْءُ فَيَكُونُ إيفَاؤُهُ بِهِ، وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالْفَيْءِ حُكْمَانِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَامْتِنَاعُ حُكْمِ الْفُرْقَةِ وَالْفَيْءُ بِاللِّسَانِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ الْآخَرِ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَكَفَى بِهِمَا قُدْوَةً، وَلِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِاعْتِبَارِ التَّعَنُّتِ وَالْإِضْرَارِ بِهَا وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِالْفَيْءِ بِاللِّسَانِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْفَيْءِ بِالْجِمَاعِ فَكَانَ الْفَيْءُ بِالْجِمَاعِ أَصْلًا وَبِاللِّسَانِ خَلَفًا؛ لِأَنَّ الْفَيْءَ عِبَارَةٌ عَنْ الرُّجُوعِ وَذَلِكَ يُوجَدُ بِهِمَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْعَجْزِ بَلْ نَقُولُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْجِمَاعِ فَحَقُّهَا فِيهِ فَكَانَ قَصْدُهُ الْإِضْرَارَ بِهَا بِمَنْعِهِ نَفْسَهُ عَنْهُ

وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا فَلَيْسَ لَهَا حَقٌّ فِي الْجِمَاعِ وَإِنَّمَا قَصَدَ إيحَاشَهَا وَإِضْرَارَهَا بِهِ فَيَكُونُ فَيْؤُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِإِزَالَةِ مَا قَصَدَ لِأَنَّ التَّوْبَةَ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ، وَلَوْ كَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِاعْتِبَارِ مَنْعِ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ فَقَطْ لَمَا كَانَ مُولِيًا فِي حَالَةِ الْعَجْزِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلِهَذَا لَمْ تَمْلِكْ مُطَالَبَتَهُ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ بِامْتِنَاعِهِ عَنْهُ ظَالِمًا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الْإِيلَاءَ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَكَذَا مِنْ امْرَأَتِهِ الْقَرْنَاءِ وَالرَّتْقَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ فَلَا يَكُونُ ظَالِمًا بِامْتِنَاعِهِ وَالطَّلَاقُ جَزَاءُ الظُّلْمِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: أَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهُوَ مُولٍ) أَيْ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالْبَعْلُ هُوَ الزَّوْجُ) أَيْ حَقِيقَةً فَكَانَتْ مِنْ نِسَائِهِ فَيَشْمَلُهَا نَصُّ الْإِيلَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الْإِيلَاءُ وَإِنْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ لِحَقِّ الْغَيْلِ عَلَى وَلَدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالظُّلْمِ بِاعْتِبَارِ بِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْغَالِبِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمِنْ الْمُبَانَةِ إلَخْ) وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا مِنْ الْمُبَانَةِ الْمُعْتَدَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ طَلَاقٌ بَائِنٌ مُعَلَّقٌ وَبَعْدَ الْإِبَانَةِ لَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ؛ لِأَنَّهُ لَهَا وَلَا تَنْجِيزًا؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ لِانْتِقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إلَخْ) إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ إلَّا عَقِيبَ التَّزَوُّجِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا إذْ ذَاكَ تَصِيرُ مَحَلًّا لَا قَبْلَهُ. اهـ. كَمَالٌ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ إلَخْ) وَعَنَى بِالْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةَ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ مِنْ أَمَتِهِ لَا يَصِحُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَنَا ضُرِبَتْ أَجَلًا إلَخْ) لَنَا أَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا بِلَفْظِ التَّرَبُّصِ كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ قَالَ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٢٦]، وَقَالَ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] اهـ. .

(قَوْلُهُ وَلَوْ آلَى مِنْهَا وَهُوَ مَرِيضٌ) أَيْ إيلَاءً مُؤَبَّدًا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالْفَيْءُ بِاللِّسَانِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ) أَيْ: وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَكَذَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ الْآخَرِ) أَيْ: وَهُوَ امْتِنَاعُ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ اهـ (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ الْمَانِعُ شَرْعِيًّا بَانَ الْحُكْمُ مُحَرَّمًا وَآلَى وَقْتَ أَفْعَالِ الْحَجِّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَالْفَيْءُ بِالْجِمَاعِ وَعِنْدَ زُفَرَ بِاللِّسَانِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ مِنْ الْجِمَاعِ شَرْعًا فَثَبَتَ الْعَجْزُ فَكَانَ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ وَهُمْ اعْتَبَرُوا الْعَجْزَ الْحَقِيقِيَّ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ بِاخْتِيَارِهِ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ فِيمَا لَزِمَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ تَخْفِيفًا. اهـ. فَتْحٌ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>