إيلَاءَاتٍ فَبِتَمَامِ الْمُدَّةِ الْأُولَى يَقَعُ وَاحِدَةٌ ثُمَّ يَقَعُ بِالثَّانِيَةِ أُخْرَى إذَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مُولِيًا مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَإِذَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ وَإِنْ انْعَقَدَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ أَيْمَانٍ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَنْعَقِدُ بِعَقْدِ التَّزَوُّجِ فَاتَّحَدَتْ مُدَّةُ انْعِقَادِ الثَّلَاثِ فَلَا يَنْعَقِدُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ طَلَاقًا بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الظُّلْمُ فَإِذَا اتَّحَدَتْ الْمُدَّةُ لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا مَعْنًى وَاحِدٌ فَلَا يَتَعَدَّدُ الطَّلَاقُ لَكِنْ لَوْ قَرُبَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا فَلِأَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهُنَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَوْمٌ مُنَكَّرٌ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ فَلَا يَمُرُّ عَلَيْهِ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ إلَّا وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ هُوَ الْمُسْتَثْنَى وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ هُوَ يَصْرِفُ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ اعْتِبَارًا بِالْإِجَارَةِ وَبِمَا إذَا قَالَ سَنَةً إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ وَبِمَا إذَا أَدْخَلَ الدَّيْنَ إلَى سَنَةٍ إلَّا يَوْمًا قُلْنَا الْإِجَارَةُ تَبْطُلُ بِالْجَهَالَةِ فَوَجَبَ صَرْفُهُ إلَى الْأَخِيرِ احْتِرَازًا عَنْهُ بِخِلَافِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالْجَهَالَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ وَالنُّقْصَانُ يَكُونُ مِنْ الْآخَرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَأْجِيلِ الدَّيْنِ التَّأْخِيرُ فَلَوْ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْآخَرِ لَمَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ
وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى هَذَا فَقَالَ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا سَنَةً إلَّا يَوْمًا يَنْصَرِفُ إلَى آخِرِ السَّنَةِ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَثْنًى مُنَكَّرًا فِي الْيَمِينِ ثُمَّ أَجَابَ بِجَوَابٍ غَيْرِ شَافٍ فَقَالَ إنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ الْمُغَايَظَةُ وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي الْحَالِ فَيَنْصَرِفُ الْمُسْتَثْنَى إلَى آخِرِ السَّنَةِ، وَهَذَا غَيْرُ مُخَلِّصٍ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ فِي الْإِيلَاءِ أَيْضًا غَيْظٌ قَائِمٌ فِي الْحَالِ فَبَطَلَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ فَإِنْ قَرُبَهَا يُنْظَرُ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ صَارَ مُولِيًا وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إلَّا يَوْمًا لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى يَقْرَبَهَا فَإِنْ قَرُبَهَا صَارَ مُولِيًا
وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا أَقْرَبُك فِيهِ لَا يَكُونُ مُولِيًا أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى كُلَّ يَوْمٍ يَقْرَبُهَا فِيهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا أَبَدًا فَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ فِي الْبَصْرَةِ وَامْرَأَتُهُ فِي مَكَّةَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ مَكَّةَ فَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَبَهَا فِي الْمُدَّةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ يُلْزِمُهُ بِأَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مَكَّةَ وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا فِي النِّهَايَةِ مَا لَوْ قَالَ لِنِسْوَتِهِ الْأَرْبَعِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ فِي الْحَالِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ قُرْبَانُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِقُرْبَانِ جَمِيعِهِنَّ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَلَّمَهُمْ كُلَّهُمْ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْحَالِفَ مُتَعَنِّتٌ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِمَنْعِ حَقِّهَا فَكَأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَيْهَا وَحْدَهَا إلَّا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ بِقُرْبَانِ بَعْضِهِنَّ؛ لِأَنَّهَا مُوجِبُ الْحِنْثِ وَلَمْ يَحْنَثْ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِالْبِرِّ فِي الْمُدَّةِ وَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَتَطْلُقُ
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى يَطَأَ الثَّلَاثَ مِنْهُنَّ فَيَكُونُ مُولِيًا مِنْ الرَّابِعَةِ وَحْدَهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ. وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَلَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا إلَّا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فَوُجِدَ شَرْطُ الْإِيلَاءِ فِيهَا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّاهُ. .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَلَفَ بِحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهُوَ مُولٍ) وَصُورَةُ الْيَمِينِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَقُولَ إنْ قَرَبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ عِتْقُ عَبْدٍ أَوْ عَبْدُهُ الْمُعَيَّنُ حُرٌّ أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا وَإِنَّمَا صَارَ مُولِيًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ بِالْيَمِينِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَهَذِهِ الْأَجْزِيَةُ مَانِعَةٌ مِنْ الْوَطْءِ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِالصَّلَاةِ وَالْغَزْوِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يَسْهُلُ إيجَادُهُمَا فَلَا يَصْلُحَانِ مَانِعَيْنِ وَفِي عِتْقِ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهُ ثُمَّ يَقْرَبَهَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْبَيْعَ مَوْهُومٌ فَلَا يَمْنَعُ الْمَانِعِيَّةُ فِي الْإِيلَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ فَرُبَّمَا لَا يَجِدُ فِي الْمُدَّةِ مَنْ يَشْتَرِيهِ، وَلَوْ بَاعَهُ سَقَطَ الْإِيلَاءُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ يَقْدِرُ عَلَى قُرْبَانِهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُولِيًا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ جَامَعَهَا بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى قُرْبَانِهَا إلَّا بِعِتْقٍ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْبَيْعِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى قُرْبَانِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ مَوْتُ الْمَرْأَةِ الْمُعَلَّقِ طَلَاقُهَا بِالْقُرْبَانِ أَوْ إبَانَتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ بِأَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مَكَّةَ) أَيْ بِوَكِيلِهِ أَوْ نَائِبِهِ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَيَقْرَبُهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْإِيلَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ حَلَفَ بِحَجٍّ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ فَبَدَأَ بِذِكْرِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِالصَّلَاةِ وَالْغَزْوِ إلَخْ) صُورَةُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ أَنْ يُعَلِّقَهُمَا بِقُرْبَانِهَا اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إلَخْ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ مَا لَا يَخْلُوَانِ عَنْ نَوْعِ مَشَقَّةٍ فَيَكُونَانِ مَانِعَيْنِ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَهُمَا يَقُولَانِ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْهُومٌ) يَعْنِي: الْأَصْلُ عَدَمُ مَا يَحْدُثُ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute