دَرَاهِمَ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهَا لَمَّا سَمَّتْ مَالًا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ رَاضِيًا بِزَوَالِ مِلْكِهِ إلَّا بِعِوَضٍ وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى وَقِيمَتِهِ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى إيجَابِ قِيمَةِ الْبُضْعِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَتَعَيَّنَ إيجَابُ مَا قَامَ الْبُضْعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ
دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ
وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَتْ عَلَى مَا فِي بَيْتِي مِنْ مَالٍ أَوْ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي أَوْ غَنَمِي مِنْ حَمْلٍ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ يَجِبُ رَدُّ الْمَهْرِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَقُلْ مِنْ مَالٍ أَوْ حَمْلٍ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَالِ وَعَدَمِهِ.
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهَا سَمَّتْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهَا لِلتَّيَقُّنِ بِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِدَرَاهِمَ حَيْثُ تَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ لِلْجَهَالَةِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ حَالَةَ الدُّخُولِ مُتَقَوِّمٌ فَأَمْكَنَ إيجَابُ قِيمَتِهِ إذَا جُهِلَ الْمُسَمَّى فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذَكَرْت بِكَلِمَةِ مِنْ وَهِيَ لِلتَّبْعِيضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بَعْضُ الدَّرَاهِمِ وَذَلِكَ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ كَانَ مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَّا ثَلَاثَةً فَعَبْدُهُ حُرٌّ وَفِي يَدِهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ قُلْنَا قَدْ تَكُونُ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَمَّ الْكَلَامُ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى ضَرْبِ إبْهَامٍ فَهِيَ لِلْبَيَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: ٣٠] وَإِلَّا فَهِيَ لِلتَّبْعِيضِ وَقَوْلُهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي كَلَامٌ تَامٌّ بِنَفْسِهِ حَتَّى جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ إبْهَامٍ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهَا لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ هُوَ فَتَعَيَّنَتْ لِلْبَيَانِ
وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ غَيْرُ تَامٍّ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فَكَانَتْ لِلتَّبْعِيضِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَفَعَلَ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَعَلَيْهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَسَوَّى بَيْنَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمُنَكَّرِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهَا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فِي الْمُعَرَّفِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بِاللَّامِ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ الْمُعَرَّفِ بِهَا حَتَّى يُصْرَفَ إلَى أَدْنَى الْجِنْسِ عِنْدَ تَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى الْكُلِّ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ قُلْنَا إنَّمَا يُصْرَفُ إلَى الْجِنْسِ إذَا عُرِّيَ عَنْ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الْعَهْدِ وَقَدْ وُجِدَ هُنَا الْقَرِينَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْعَهْدِ وَهُوَ قَوْلُهَا عَلَى مَا فِي يَدِي فَلَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْجَمْعِيَّةِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْعَهْدِ
وَقَالَ حُمَيْدٍ الدِّينِ إنَّمَا تَكُونُ اللَّامُ لِلْجِنْسِ إذَا أَمْكَنَ إرَادَةُ كُلِّ الْجِنْسِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ. وَأَمَّا إذَا اسْتَحَالَ فَلَا وَفِي مَسْأَلَتِنَا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ دَرَاهِمِ الْعَالَمِ فِي يَدِهَا فَلَا تَكُونُ لِلْجِنْسِ فَلَا يَبْطُلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَهُ فِي ضِمْنِ كَوْنِهَا لِلْجِنْسِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ لَا لِلتَّعْرِيفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: ٥] فَوُجُودُهُمَا كَعَدَمِهِمَا فَلَا يُفِيدَانِ التَّعْرِيفَ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ
بَاعَدَ أُمَّ الْعَمْرِ مِنْ أَسِيرِهَا ... حُرَّاسُ أَبْوَابٍ عَلَى قُصُورِهَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ خَالَعَ عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ لَهَا عَلَى أَنَّهَا بَرِيئَةٌ مِنْ ضَمَانِهِ لَمْ تَبْرَأْ)؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ وَاشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ عَنْهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمُوجِبِ الْعَقْدِ وَلَا يَبْطُلُ الْخُلْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالنِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِي الْآبِقِ وَيَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِيهِ لَا فِي الْخُلْعِ فَإِذَا بَطَلَ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ عَنْهُ وَجَبَ عَلَيْهَا تَسْلِيمُ عَيْنِهِ إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَتَسْلِيمُ قِيمَتِهِ كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ. .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً لَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَبَانَتْ)؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ وَهُوَ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمُعَوَّضِ وَيَكُونُ بَائِنًا لِوُجُوبِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِ أَنْ يَقْبَلَ فِي الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَهَذَا لَا يَبْطُلُ لِقَبُولِهِ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَبِالِاخْتِبَارِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي عَلَى أَلْفٍ وَقَعَ رَجْعِيٌّ مَجَّانًا) أَيْ وَفِي قَوْلِهَا طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً بَائِنَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى بِمَنْزِلَةِ الْبَاءِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ حَتَّى إنَّ قَوْلَهُ أَحْمِلُ هَذَا بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ، وَكَذَا بِعْتُكَهُ بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَفُلَانَةَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى) أَيْ: وَهُوَ الْمَالُ اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيمَتُهُ لِلْجَهَالَةِ) أَيْ لِجَهَالَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ خَالَعَ عَلَى عَبْدٍ أَبَقَ لَهَا عَلَى أَنَّهَا بَرِيئَةٌ) أَيْ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تُطَالَبُ بِتَحْصِيلِهِ وَتَسْلِيمِهِ بَلْ إنْ حَصَلَ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا اهـ. (قَوْلُهُ لَا فِي الْخُلْعِ) وَإِنَّمَا تَجُوزُ تَسْمِيَةُ الْعَبْدِ الْآبِقِ فِي الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ دُونَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ لَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَبَانَتْ إلَخْ) وَإِنْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ يَجِبُ ثُلُثُ الْأَلْفِ. اهـ. كَاكِيٌّ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ لَزِمَهَا كُلُّ الْأَلْفِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ يَقَعُ بِغَيْرِ شَيْءٍ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) أَيْ لَوْ قَالَ لَهُ بِعْتُك هَذِهِ الْعَبِيدَ الثَّلَاثَةَ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ فِي وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بِثُلُثِ الْأَلْفِ لَمْ يَجُزْ اهـ. .
(قَوْلُهُ، وَقَالَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً بَائِنَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَلْزَمُهَا كُلُّ الْأَلْفِ اهـ عَيْنِيٌّ