للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَحْدَهَا كَانَ عَلَيْهَا حِصَّتُهَا مِنْ الْأَلْفِ وَلَهُ أَنَّ عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ وَضْعًا فَإِذَا تَعَذَّرَ فَلِلْوُجُوبِ فَإِذَا تَعَذَّرَ فَلِلشَّرْطِ مَجَازًا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ اللُّزُومُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: ١٢] أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ كَانَ الدُّخُولُ شَرْطًا وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِهِ فَجُعِلَتْ مَجَازًا عَنْ الْبَاءِ فَإِذَا كَانَتْ عَلَى لِلشَّرْطِ فَلَا يَتَوَزَّعُ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يُوجَدُ إلَّا عِنْدَ اسْتِكْمَالِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ الْجَزَاءِ كَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَكَانَ الْكُلُّ عَلَامَةً وَاحِدَةً فَلَا يُوجَدُ الْجَزَاءُ بِدُونِهِ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ خَلَا عَنْ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا غَرَضَ لَهَا فِي طَلَاقِ فُلَانَةَ لِيَجْعَلَ ذَلِكَ كَالشَّرْطِ مِنْهَا وَلَهَا فِي اشْتِرَاطِ إيقَاعِ الثَّلَاثِ عَلَى نَفْسِهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ فَافْتَرَقَا. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِسَلَامَةِ الْأَلْفِ كُلِّهَا لَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهَا لَهُ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْبَيْنُونَةِ بِأَلْفٍ كَانَتْ بِبَعْضِهَا أَوْلَى أَنْ تَرْضَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ لَزِمَ وَبَانَتْ) أَيْ لَزِمَ الْمَالُ وَبَانَتْ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ أَوْ تَعْلِيقٌ فَيَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلَيْنِ أَوْ وُجُودَ الشَّرْطِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَوْ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ فَلَا تَنْعَقِدُ الْمُعَاوَضَةُ بِدُونِ الْقَبُولِ، وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ يَنْزِلُ بِدُونِ الشَّرْطِ إذْ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدِهِمَا فِي إلْزَامِ صَاحِبِهِ بِدُونِ رِضَاهُ وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ؛ لِأَنَّهَا مَا الْتَزَمَتْ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ طَلُقَتْ وَعَتَقَ مَجَّانًا) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ وَعَتَقَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ شَيْءٍ قَبِلَا أَوْ لَمْ يَقْبَلَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا إنْ قَبِلَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَلَزِمَهُمَا الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَتْ هِيَ طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفٌ أَوْ قَالَ الْعَبْدُ أَعْتِقْنِي وَلَك أَلْفٌ فَفَعَلَ لَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُعَاوَضَاتِ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا وَلَك دِرْهَمٌ كَقَوْلِهِمْ أَحْمِلُهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ وُجُوبُهُ بِسَبَبِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ فِي الْإِجَارَةِ قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى وُجُوبِهِ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْخُلْعُ أَيْضًا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاسْتَوَيَا، وَلِأَنَّ الْوَاوَ تَكُونُ لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَالِ وُجُوبِ الْأَلْفِ لِي عَلَيْك أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ وَلَهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ وَلَك أَلْفٌ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً وَلَا يَتَّصِلُ بِمَا قَبْلَهُ إلَّا بِدَلَالَةِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجُمَلِ الِاسْتِقْلَالُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَضَرَّتُك طَالِقٌ تَطْلُقُ ضَرَّتُهَا فِي الْحَالِ لِمَا قُلْنَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ قَاصِرَةً بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَضَرَّتُك تَعَلَّقَ طَلَاقُ ضَرَّتِهَا بِالشَّرْطِ لِكَوْنِهِ مُفْرَدًا فَلَا يَكُونُ مُسْتَقِلًّا

وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ تَعَلَّقَ عِتْقُ عَبْدِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَإِنْ كَانَ جُمْلَةً تَامَّةً؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ التَّعْلِيقِ قَاصِرٌ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِلثَّانِي فَكَانَ الْخَبَرُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ بِخِلَافِ طَلَاقِ الضَّرَّةِ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْأَوَّلِ يَصْلُحُ خَبَرًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ غَرَضُهُ التَّعْلِيقَ لَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَضَرَّتُك فَإِذَا كَانَ مُسْتَقِلًّا يَكُونُ كَلَامًا مُبْتَدَأً لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأَوَّلِ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ قَوْلُهَا وَلَك أَلْفٌ مُجَرَّدُ دَعْوَى أَوْ وَعْدٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجَدَانِ بِدُونِ الْمَالِ فَلَا يَنْفَكَّانِ عَنْهُ، وَلِهَذَا إذَا قَالَ لَهُ خِطْ هَذَا الثَّوْبَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ الْأَجْرَ يَكُونُ اسْتِئْجَارًا بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَفِي الْبَيْعِ تَجِبُ الْقِيمَةُ وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ غَيْرُ مُفِيدٍ دُونَ آخِرِهِ فَيَصِيرُ تَعْلِيقًا لِلْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ حَقِيقَةً وَالْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْآخَرِ، وَكَذَا الشَّرْطُ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْجَزَاءِ وَالْمَالُ غَيْرُ لَازِمٍ بِيَقِينٍ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا حَالُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ الْكِرَامَ يَمْتَنِعُونَ عَنْ أَخْذِ الْعِوَضِ. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهَا فِي الْخُلْعِ لَا لَهُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَإِذَا تَعَذَّرَ فَلِلشَّرْطِ إلَخْ) وَجَعَلَهَا بِمَعْنَى الْبَاءِ عِنْدَ تَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَى الشَّرْطِ وَهَا هُنَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ فَلَا يُجْعَلُ بِمَعْنَى الْبَاءِ. اهـ. رَازِيٌّ. .

(قَوْلُهُ إلَّا بِسَلَامَةِ الْأَلْفِ كُلِّهَا) فَلَوْ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ لَتَضَرَّرَ الزَّوْجُ اهـ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ تَعْلِيقٌ) هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ بِأَلْفٍ بِعِوَضِ أَلْفٍ تَجِبُ لِي عَلَيْكِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى أَلْفٍ عَلَى شَرْطِ أَلْفٍ يَكُونُ لِي عَلَيْكِ اهـ. .

(قَوْلُهُ وَلَزِمَهُمَا الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ اهـ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ اهـ عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ) مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ اهـ. (قَوْلُهُ جَوَابًا لَهُ) هَذَا حَاشِيَةٌ. وَأَمَّا الثَّابِتُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ خَبَرًا لَهُ اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهَا فِي الْخُلْعِ) أَيْ كَقَوْلِهِ خَالَعْتُكِ بِكَذَا عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ اهـ. (قَوْلُهُ لَا لَهُ) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَتْ قَبِلْت إنْ رَدَّتْ الطَّلَاقَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَطَلَ الطَّلَاقُ وَإِنْ اخْتَارَتْ الطَّلَاقَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَيَجِبُ الْأَلْفُ لِلزَّوْجِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ بَطَلَ الْخِيَارُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ. اهـ. رَازِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>