للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ»، وَهَذَا تَأْوِيلٌ حَسَنٌ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُوجِبُهُ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ فَإِذَا قَصَدَ وَطْأَهَا، وَعَزَمَ عَلَيْهِ رَجَعَ عَمَّا قَالَ فَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا أَوْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى وَطْئِهَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِعَدَمِ الرُّجُوعِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا.

وَلَوْ عَزَمَ ثُمَّ رَجَعَ وَتَرَكَ الْعَزْمَ سَقَطَتْ عَنْهُ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِأَجْلِ الْوَطْءِ حَتَّى يَحِلَّ عَلَى مِثَالِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ النَّفَلَ يُؤْمَرُ بِالطَّهَارَةِ ثُمَّ إذَا رَجَعَ، وَتَرَكَ التَّنَفُّلَ لَا يُؤْمَرُ بِهَا ثُمَّ سَبَبُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ هُوَ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ فَيَكُونُ سَبَبُهَا دَائِرًا أَيْضًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ حَتَّى تَتَعَلَّقَ الْعُقُوبَةُ بِالْمَحْظُورِ، وَالْعِبَادَةُ بِالْمُبَاحِ، وَإِنَّمَا جَازَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْعَوْدِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ فِي الذَّاتِ فَيَجُوزُ بَعْدَ ثُبُوتِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ لِتَرْفَعَ بِهَا كَمَا قُلْنَا فِي الطَّهَارَةِ إنَّهَا تَجُوزُ قَبْلَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا سَبَبُهَا لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِرَفْعِ الْحَدَثِ فَتَجُوزُ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَلِهَذَا جَازَتْ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ مَا أَبَانَهَا أَوْ بَعْدَ مَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِالِارْتِدَادِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لَا تَزُولُ بِغَيْرِ التَّكْفِيرِ مِنْ أَسْبَابِ الْحِلِّ كَمِلْكِ الْيَمِينِ، وَإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْوَطْءِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى التَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطْنُهَا وَفَخِذُهَا وَفَرْجُهَا كَظَهْرِهَا) أَيْ بَطْنُ أُمِّهِ وَفَرْجُهَا وَفَخِذُهَا كَظَهْرِهَا حَتَّى لَوْ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِعُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ يَكُونُ مُظَاهِرًا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَيْهَا، وَلَمْسُهَا، وَالظِّهَارُ لَيْسَ إلَّا تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِخِلَافِ الْيَدِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَلَمْسُهُ بِلَا شَهْوَةٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُخْتُهُ وَعَمَّتُهُ وَأُمُّهُ رَضَاعًا كَأُمِّهِ) أَيْ كَأُمِّهِ نَسَبًا حَتَّى يَصِيرَ مُظَاهِرًا بِتَشْبِيهِهِ مَنْكُوحَتَهُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِيهِنَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَبَّهَهَا بِأُخْتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ لَيْسَتْ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَإِنَّمَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا دَامَتْ هِيَ فِي عِصْمَتِهِ لِأَجْلِ الْجَمْعِ فَإِذَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ حَلَّتْ لَهُ لِعَدَمِ الْجَمْعِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَأْسُك وَفَرْجُك وَظَهْرُك وَوَجْهُكِ وَرَقَبَتُكِ وَنِصْفُكِ وَثُلُثُكِ كَأَنْتِ) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ رَأْسُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ فَرْجُكِ أَوْ وَجْهُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إلَخْ كَانَ مُظَاهِرًا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْجَمِيعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ، وَهُوَ الشَّرْطُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَمِنْ جَانِبِ الْمُحَرَّمِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عُضْوًا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَقَدْ وُجِدَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَوَى بِأَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي بِرًّا أَوْ ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَكَمَا نَوَى، وَإِلَّا لَغَا) أَيْ وَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَهُوَ كَمَا نَوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا ذَلِكَ يَسْتَفْسِر لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا مِنْ التَّشْبِيهِ فَإِنْ قَالَ نَوَيْت الْبِرَّ أَيْ الْكَرَامَةَ فَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ التَّكْرِيمَ بِالتَّشْبِيهِ فَاشٍ فِي الْكَلَامِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عِنْدِي فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ وَالْبِرِّ مِثْلُ أُمِّي، وَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِجَمِيعِهَا، وَفِيهِ تَشْبِيهٌ بِالْعُضْوِ لَكِنَّهُ غَيْرُ صَرِيحٍ فِيهِ فَيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ، وَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْأُمِّ فِي الْحُرْمَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَنَوَى الطَّلَاقَ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِهِ شَيْئًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ عَلَى الْكَرَامَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ لَا عُمُومَ لَهَا فَتَعَيَّنَ الْأَدْنَى، وَلِأَنَّ كَلَامَ الْمُسْلِمِ يُحْمَلُ عَلَى الصَّحِيحِ مَا أَمْكَنَ، وَفِي جَعْلِهِ ظِهَارًا حَمْلٌ لَهُ عَلَى الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِجَمِيعِهَا فَيَدْخُلُ الْعُضْوُ فِي الْجُمْلَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَكُونُ إيلَاءً لِأَنَّ أُمَّهُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْأَمِيرِ وَنَسْجِ الْيَمَنِ تَسْمِيَةً لِلْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: ٣١] وَحَاصِلُ الْمَعْنَى ثُمَّ يَعْزِمُونَ إلَى نِسَائِهِمْ أَيْ إلَى مُبَاشَرَتِهِنَّ لَكِنْ إذَا بَدَا لَهُ فِي الْوَطْءِ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا تَجِبُ عِنْدَنَا غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهَا أَوْ مَوْتِهِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعَوْدَ بِالْعَزْمِ وَلَا اسْتِقْرَارَ فِي الْعَزْمِ فَكَذَا الْكَفَّارَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَبَّهَهَا بِأُخْتِهَا) أَيْ أُخْتِ امْرَأَتِهِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَأْسُك وَفَرْجُك وَوَجْهُك إلَخْ) وَلَوْ قَالَ يَدُك أَوْ رِجْلُك أَوْ ظُفْرُك أَوْ شَعْرُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ بَاطِلًا وَبِهِ صَرَّحَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَوْ قَالَ جَنْبُك أَوْ ظَهْرُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَدُك أَوْ رِجْلُك لِأَنَّ هَذَا الْعُضْوَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ عَادَةً وَأَمَّا الْجُزْءُ الشَّائِعُ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَغَيْرِهِمَا إذَا شَبَّهَهُ بِظَهْرِ الْأُمِّ يَكُونُ مُظَاهِرًا لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْرِي إلَى سَائِرِ الْبَدَنِ يُشَاعُ الْجُزْءُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي الْيَوْمَ فَهُوَ مُظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِذَا مَضَى بَطَلَ الظِّهَارُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ مُظَاهِرٌ أَبَدًا وَكَذَلِكَ شَهْرًا أَوْ قَالَ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَيَسْقُطُ إذَا مَضَى شَهْرٌ أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّ حُرْمَةَ الظِّهَارِ شَهْرٌ فَيَتَأَقَّتُ الظِّهَارُ بِتَأْقِيتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ) لِأَنَّهُ إذَا شَبَّهَهَا بِظَهْرِهَا وَهُوَ عُضْوٌ مِنْهَا كَانَ ظِهَارًا فَلَأَنْ يَكُونَ ظِهَارًا وَقَدْ شَبَّهَهَا بِجَمِيعِهَا وَجَمِيعُهَا مُشْتَمِلٌ عَلَى الظَّهْرِ أَوْلَى وَأَحْرَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ظِهَارٌ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَقَالَ مَشَايِخُنَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثَةُ رِوَايَاتٍ فِي رِوَايَةٍ لَا يَقَعُ شَيْءٌ كَقَوْلِهِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةٍ يَكُونُ ظِهَارًا وَفِي رِوَايَةٍ يَكُونُ إيلَاءً وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْبِرَّ وَالْكَرَامَةَ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَشْكُوكٌ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ

(قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ لَا عُمُومَ إلَخْ) فَاقْتَضَى مُشَابَهَتَهُ فِي وَصْفٍ خَاصٍّ وَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>