للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأُمَّ الْوَلَدِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الْعِتْقَ بِالْكِتَابَةِ فَوْقَ اسْتِحْقَاقِهِ بِالتَّدْبِيرِ، وَالِاسْتِيلَادِ، وَلِهَذَا صَارَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ، وَيَمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَفِيمَا فِي يَدِهِ، وَيَضْمَنُ لَهُ الْأَرْشَ وَالْعُقْرَ بِالْجِنَايَةِ وَالْوَطْءِ

وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ، وَهُوَ تَصْيِيرُ شَخْصٍ مَرْقُوقٍ حُرًّا، وَقَدْ وُجِدَ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ نُقْصَانٌ فِي رِقِّهِ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ، وَالْمُعَلَّقُ بِهِ عُدِمَ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَلَا يَثْبُتُ بِهَذَا التَّعْلِيقِ اسْتِحْقَاقُ الْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي سَائِرِ الشُّرُوطِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ يَمْنَعُ الْفَسْخَ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ، وَهَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الرِّقِّ، وَلَا يُوجِبُ لَهُ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ كَحَقِيقَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّدْبِيرَ، وَالِاسْتِيلَادَ لَا يَقْبَلُهُ فَيَثْبُتُ بِهَذَا أَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ فِي الْمُكَاتَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْكِتَابَةَ لَا تُنَافِي الرِّقَّ لِأَنَّهَا فَكُّ الْحَجْرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ إلَّا أَنَّهَا بِعِوَضٍ فَتَلْزَمُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى، وَلَئِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ مَانِعَةً مِنْ الْعِتْقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ تَنْفَسِخُ بِمُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ إذْ هِيَ تَقْبَلُهُ بِرِضَا الْمُكَاتَبِ، وَقَدْ وُجِدَ رِضَاهُ دَلَالَةً لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِالْعِتْقِ بِعِوَضٍ كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْلَى

وَلَا يُقَالُ لَوْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ لَمَا سُلِّمَتْ لَهَا الْأَوْلَادُ، وَالْأَكْسَابُ، وَسَلَامَتُهُمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّا نَقُولُ الْفَسْخُ ضَرُورِيٌّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ جَوَازِ التَّكْفِيرِ، وَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ اسْتِرْدَادِ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ وَلَوْلَا أَنَّهُ فَسْخٌ لَمَا سَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ أَوْ نَقُولُ سَلَامَةُ الْأَكْسَابِ وَالْأَوْلَادِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عِتْقٌ، وَهُوَ مُكَاتَبٌ لَا لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَتْ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَادِ، وَسَلَّمَ لَهَا الْأَكْسَابَ، وَالْأَوْلَادَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ ثُمَّ اشْتَرَتْهُمْ بَعْدَ الْكِتَابَةِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ عِتْقٌ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ كُلًّامِنَّا فِي الْإِعْتَاقِ الصَّادِرِ مِنْ الْمَوْلَى لَا فِي الْعِتْقِ الْحَاصِلِ فِي الْمَحَلِّ وَالْكَفَّارَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِعْتَاقِ دُونَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَاحِدٌ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ فَلَا يَتَنَوَّعُ

وَالْإِعْتَاقُ تَخْتَلِفُ جِهَاتُهُ فَجُعِلَ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْكِتَابَةِ، وَفِي حَقِّ الْمَوْلَى إعْتَاقًا بِجِهَةِ الْكَفَّارَةِ لِقَصْدِ ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ إذَا وَهَبَتْ صَدَاقَهَا مِنْ زَوْجِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، وَيَجْعَلُ هِبَتَهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ عِنْدَ الطَّلَاقِ، وَفِي حَقِّهَا تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً، وَلَا يُقَالُ الْمِلْكُ فِيهِ قَدْ انْتَقَضَ بِالْكِتَابَةِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ الْمُطَلِّقُ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا ذَكَرَ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا شَرَطَ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْفُذُ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمِلْكِ، وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ كَافٍ لِنُفُوذِ الْعِتْقِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مِلْكِ الْيَدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لِإِزَالَةِ الرِّقِّ، وَكَمَالَهُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ دُونَ الْيَدِ فَخُرُوجُهُ عَنْ يَدِهِ لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِي الرِّقِّ عَلَى مَا مَرَّ، وَكَذَا وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْمَوْلَى بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِتَحَقُّقِ مَقْصُودِهِ لَا لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَرِيبُهُ يَنْوِي بِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَلِأَنَّ الشِّرَاءَ عِلَّةُ الْعِتْقِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَهُوَ بِصُنْعِهِ فَيَكُونُ عَمَّا نَوَى

وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُجْزِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَوَّلُ لِأَنَّ عِلَّةَ الْعِتْقِ الْقَرَابَةُ لِأَنَّهَا عِلَّةُ وُجُوبِ الصِّلَاتِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ، وَالشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَالْإِعْتَاقَ سَبَبٌ لِزَوَالِهِ، وَبَيْنَهَا تَنَافٍ فَاسْتَحَالَ إضَافَةُ الْعِتْقِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَلِاسْتِحْقَاقِهِ الْحُرِّيَّةَ بِالْقَرَابَةِ فَصَارَ كَمَا قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ، وَإِنَّمَا اقْتَرَنَتْ بِالشَّرْطِ، وَهُوَ الشِّرَاءُ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَ الْيَمِينِ دُونَ الشَّرْطِ، وَكَذَا الضَّمَانُ يَجِبُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ عِلَّةٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَى شُهُودِ الشَّرْطِ، وَلِأَنَّ فِيهِ صَرْفَ مَنْفَعَةِ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ فَلَا يَجُوزُ كَالزَّكَاةِ، وَلِمَا أَنَّ النِّيَّةَ قَارَنَتْ عِلَّةَ الْعِتْقِ فَيَصِحُّ، وَهَذَا لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ عِلَّةٌ لِلْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ تَصْيِيرُ الرَّقَبَةِ حُرًّا، وَفِي الشِّرَاءِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَنْ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» أَيْ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ إعْتَاقًا

وَهَذَا كَمَا يُقَالُ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ، وَضَرَبَهُ فَأَوْجَعَهُ أَيْ بِالسَّقْيِ وَالضَّرْبِ، وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يُوجِبُ الْمِلْكَ، وَمِلْكَ الْقَرِيبِ يُوجِبُ الْعِتْقَ فَيُضَافُ الْمِلْكُ مَعَ حُكْمِهِ إلَى الشِّرَاءِ لِأَنَّهُمَا حَدَّثَا بِهِ، وَهَذَا كَمَنْ رَمَى إنْسَانًا عَمْدًا فَأَصَابَهُ فَمَاتَ قُتِلَ بِهِ كَأَنَّهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ الْفَسْخُ ضَرُورِيٌّ) أَيْ فَسْخُ الْكِتَابَةِ ثَبَتَ ضَرُورَةٌ تَقْتَضِي صِحَّةَ التَّكْفِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَادُ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ قَبْلَ إلَخْ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْوِلَادَةَ بِمَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ لِأَنَّ مَا وَلَدَتْهُ بَعْدَهُ يَعْتِقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى كَهِيَ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُ) لَيْسَتْ الْفَاءُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَكَمَالِهِ) أَيْ كَمَالِ الرِّقِّ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَرِيبَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَة وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ وَابْنَهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ لِلْكَفَّارَةِ جَازَ عَنْهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْقُدُورِيِّ

قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَرْحِ الْكَافِي أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُجْزِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَكَذَا إنْ وَهَبَ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ لَوْ رَحِمَ مَحْرَمٍ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ مَا إذَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِصُنْعِهِ إنْ نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ وُجُودِ الصُّنْعِ يُجْزِيهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُجْزِيهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ يَعْتِقُ وَلَا يَجُوزُ إذَا نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ دُخُولِ الدَّارِ إلَّا إذَا نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبٍ سَابِقٍ وَهُوَ الْقَرَابَةُ فَلَا يُجْزِي عَنْ الْكَفَّارَةِ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْمَحْلُوفُ بِعِتْقِهِ نَاوِيًا عَنْ الْكَفَّارَةِ

وَلَنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْآيَةِ هُوَ التَّحْرِيرُ وَقَدْ حَصَلَ فَيُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» أَيْ بِالشِّرَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ أَطْعِمْهُ فَأَشْبِعْهُ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>