حَزَّ رَقَبَتَهُ بِالسَّيْفِ لِأَنَّ فِعْلَهُ، وَهُوَ الرَّمْيُ أَدَّى إلَى النُّفُوذِ وَالْمُضِيِّ فِي الْهَوَاءِ، وَأَوْجَبَ الْمُضِيُّ الْوُقُوعَ عَلَيْهِ، وَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى الْحَرَجِ، وَهُوَ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيُضَافُ الْكُلُّ إلَيْهِ بِالتَّسَيُّبِ فَيَكُونُ الرَّامِي قَاتِلًا لَهُ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ فَكَذَا الشِّرَاءُ أَوْجَبَ الْمِلْكَ، وَالْمِلْكُ أَوْجَبَ الْعِتْقَ فَكَانَ الْمُشْتَرِي مُعْتِقًا بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ
وَالْمِلْكُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْعِتْقِ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْإِيجَابِ، وَالْعِتْقَ فِيهِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْمِلْكِ وَالْقَرَابَةِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثَرٌ فِيهِ فَجُعِلَا عِلَّةً ذَاتَ وَجْهَيْنِ ثُمَّ إنْ وُجِدَا مَعًا أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَيْهِمَا، وَإِنْ تَعَاقَبَا كَانَ الْأَخِيرُ هُوَ الْعِلَّةُ أَيُّهُمَا كَانَ، وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ ضَمِنَ لِلْآخَرِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَالضَّمَانُ الَّذِي يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ، وَالْإِعْسَارِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِعْتَاقِ وَلَوْ تَأَخَّرَ السَّبَبُ بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَسَبَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا يَضْمَنُ الْمُدَّعِي نَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَهَذَا آيَةُ الْعِلِّيَّةِ بِخِلَافِ آخِرِ الشَّاهِدَيْنِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ الْقَضَاءِ، وَالْقَضَاءَ بِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يُحَالُ التَّلَفُ إلَى الثَّانِي مِنْهُمَا يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعِتْقَ صِلَةٌ، وَلِلْمِلْكِ تَأْثِيرٌ فِي إيجَابِ الصِّلَاتِ كَإِيجَابِ الزَّكَاةِ، وَلِلْقَرَابَةِ أَيْضًا تَأْثِيرٌ فِي إيجَابِ الصِّلَاتِ فَصَارَا عِلَّةً وَاحِدَةً فَيُضَافُ إلَيْهِمَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا وُجُودًا، وَلَا يُضَافُ إلَى الْأَخِيرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ هُنَا شَرْطٌ مَحْضٌ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إيجَابِ الْحُرِّيَّةِ فَقِرَانُ النِّيَّةِ بِهِ لَا يُفِيدُ حَتَّى لَوْ اقْتَرَنَتْ بِالْيَمِينِ بِأَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارِي أَجْزَأَهُ لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِأَمَةٍ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا حَيْثُ لَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ
وَإِنْ اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهُ بِالْعِلَّةِ لِأَنَّ عِتْقَهَا مُسْتَحَقٌّ بِالِاسْتِيلَادِ السَّابِقِ فَأُضِيفَ الْعِتْقُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ أُمَّ الْوَلَدِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَرَابَةِ فَاسِدٌ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ تَمَامِ الْعِلَّةِ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ فِيهِ صَرَفَ مَنْفَعَةَ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ صَرْفُهَا إلَى عَبْدِهِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ إلَى قَرِيبِهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ، وَهُوَ يَنْوِي عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَحْصُلُ بِصُنْعِهِ، وَهُوَ الْقَبُولُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَرِثَهُ، وَهُوَ يَنْوِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ صُنْعِهِ فِي الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ التَّحْرِيرُ، وَهُوَ جَعْلُ الرَّقَبَةِ حُرًّا، وَأَمَّا إذَا حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيهِ عَنْهَا فَلِأَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً كَامِلَةً بِكَلَامَيْنِ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِهِ
وَهَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَفِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ بِعِتْقِ النِّصْفِ تَمَكَّنَ النُّقْصَانُ فِي الْبَاقِي فَصَارَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ ثُمَّ ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا النُّقْصَانَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ بِسَبَبِ الْكَفَّارَةِ فِي مِلْكِهِ، وَمِثْلُهُ غَيْرُ مَانِعٍ كَمَنْ أَضْجَعَ شَاةً لِلتَّضْحِيَةِ فَأَصَابَ السِّكِّينُ عَيْنَهَا فَذَهَبَتْ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْقِيَاسُ، وَالِاسْتِحْسَانُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ، وَلَمْ يَعْتِقْ الْبَاقِي جَازَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يُعْتَقُ كُلَّهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ، وَضَمِنَ بَاقِيهِ أَوْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ وَطِئَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيهِ لَا) أَيْ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَأَمَّا فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَبِعِتْقِ جُزْءٍ مِنْهُ عَتَقَ كُلُّهُ فَصَارَ مُعْتَقًا لِكُلِّ الْعَبْدِ، وَهُوَ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّ الْمُعْتَقَ إذَا كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ فَيَكُونُ عِتْقًا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيُجْزِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فَيَكُونُ عِتْقًا بِعِوَضٍ فَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَلَهُ أَنَّ النُّقْصَانَ تَمَكَّنَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لِتَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الرِّقِّ فِيهِ، وَهَذَا النُّقْصَانُ حَصَلَ فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالضَّمَانِ نَاقِصًا فَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاقِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ ذَلِكَ النُّقْصَانَ كَذَهَابِ الْبَعْضِ بِسَبَبِ الْعِتْقِ فَجُعِلَ مِنْ الْأَدَاءِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّهُ لَا أَدَاءَ قَبْلَ الْمِلْكِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فَحَصَلَ النُّقْصَانُ فِي مِلْكِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِنَادُ فِي الْمَضْمُونَاتِ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْإِجْزَاءِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ النِّصْفَ ثُمَّ جَامَعَهَا ثُمَّ أَعْتَقَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فَلِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْعِتْقُ قَبْلَ الْمَسِيسِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute