للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ النِّصْفَ وَقَعَ بَعْدَ الْمَسِيسِ، وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا لَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً أُخْرَى بَعْدَهُ لِأَنَّا نَقُولُ النَّصُّ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْعِتْقِ عَلَى الْمَسِيسِ، وَمَنْعَ التَّفْرِقَةِ بِالْجِمَاعِ بَيْنَ النِّصْفَيْنِ فَمَا تَعَذَّرَ مِنْهُمَا سَقَطَ، وَهُوَ التَّقْدِيمُ، وَمَا أَمْكَنَ تَدَارُكُهُ وَجَبَ عَمَلًا بِالنَّصِّ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَإِعْتَاقُ النِّصْفِ إعْتَاقٌ لِلْكُلِّ فَكَانَ إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَعْتِقُ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ، وَأَيَّامٌ مَنْهِيَّةٌ) وَهِيَ يَوْمُ الْفِطْرِ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ التَّتَابُعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَشَهْرَ رَمَضَانَ لَمْ يُشَرَّعْ فِيهِ صَوْمٌ آخَرُ غَيْرُهُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ، وَالصَّوْمُ فِي الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ، وَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِدُخُولِ هَذِهِ الْأَيَّامِ لِأَنَّهُ يَجِدُ شَهْرَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ أَوْ الْقَتْلِ حَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ التَّرْتِيبُ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ بُدًّا مِنْهُ فِي شَهْرَيْنِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالنِّفَاسِ وَالْمَرَضِ حَيْثُ يُسْتَقْبَلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ وُجُودُ شَهْرَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ النِّفَاسِ وَالْمَرَضِ، وَمُدَّةُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَلِيلَةٌ فَيُمْكِنُهَا أَنْ تَصُومَ مُرَتَّبًا مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ الصَّوْمُ الْمَنْذُورُ بِشَرْطِ التَّتَابُعِ ثُمَّ إنْ صَامَ شَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا يُجْزِيهِ إلَّا الْكَامِلُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَطِئَ فِيهِمَا لَيْلًا أَوْ يَوْمًا نَاسِيًا أَوْ أَفْطَرَ اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ) لِأَنَّهُ بِالْإِفْطَارِ فَاتَ التَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ، وَبِالْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ يَفُوتُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَسْتَأْنِفُ إلَّا بِالْإِفْطَارِ لِأَنَّ الْوَطْءَ الْمَذْكُورَ لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ كَمَا لَوْ جَامَعَ غَيْرَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَكَانَ التَّرْتِيبُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ، وَلِأَنَّ فِي الِاسْتِئْنَافِ تَأْخِيرَ الْكُلِّ عَنْ الْمَسِيسِ، وَفِي الْمُضِيِّ تَأْخِيرَ الْبَعْضِ فَكَانَ أَوْلَى، وَلِهَذَا لَوْ جَامَعَهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَا يَسْتَأْنِفُ، وَلَهُمَا أَنَّ النَّصَّ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الصَّوْمِ عَلَى الْوَطْءِ، وَأَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ خَالِيًا عَنْ الْوَطْءِ فَإِذَا فَاتَ التَّقْدِيمُ، وَسَقَطَ لِتَعَذُّرِهِ وَجَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْآخَرِ، وَهُوَ الْإِخْلَاءُ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُمَا بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالتَّقْدِيمِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، وَقَوْلُهُ يَوْمًا، وَلَمْ يَقُلْ نَهَارًا لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُجْزِ لِلْعَبْدِ إلَّا الصَّوْمُ، وَإِنْ أَطْعَمَ أَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ سَيِّدُهُ) لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، وَالتَّكْفِيرَ بِالْمَالِ لَا يَكُونُ بِدُونِهِ، وَلَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَصِيرُ مَالِكًا بِتَمْلِيكِهِ، وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْعِتْقُ لَهُ فِي ضِمْنِ تَمْلِيكِهِ اقْتِضَاءً لِأَنَّا نَقُولُ الْحُرِّيَّةُ أَصْلُ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يَثْبُتُ اقْتِضَاءً لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ يَكُونُ تَبَعًا، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ، وَصَوْمُهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ كَالْحُرِّ، وَعَنْ النَّخَعِيّ شَهْرٌ وَاحِدٌ اعْتِبَارًا بِالْعُقُوبَةِ لِأَنَّهُ شُرِّعَ زَاجِرًا كَالْحُدُودِ، وَنَحْنُ نَقُولُ جَانِبُ الْعَادَةِ أَرْجَحُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَمْ تُشَرَّعْ فِي حَقِّ الْكَافِرِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ، وَتَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَلَا تَنْصِيفَ فِي الْعِبَادَةِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ بِخِلَافِ النَّذْرِ، وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ النَّذْرَ بِالْتِزَامِهِ فَكَانَ نَفْلًا فِي حَقِّهِ، وَكَفَّارَةَ الْيَمِينِ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَيْهَا فَلَا يَضُرُّهُ التَّأْخِيرُ.

وَلَوْ صَامَ الْحُرُّ شَهْرَيْنِ فَقَدَرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ، وَكَانَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ، وَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِزُفَرَ.

وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِمَنْ لَهُ خَادِمٌ وَاحِدٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمَاءِ الْمُعَدِّ لِعَطَشِهِ حَيْثُ يَجُوزُ التَّمِيمُ، وَلَنَا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَاءَ مَأْمُورٌ بِإِمْسَاكِهِ، وَاسْتِعْمَالَهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِخِلَافِ الْخَادِمِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ (لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّوْمَ أَطْعَمَ سِتِّينَ فَقِيرًا كَالْفِطْرَةِ أَوْ قِيمَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤] وَقَوْلُهُ كَالْفِطْرَةِ يَعْنِي فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ لِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِسَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وُسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ «، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَوْسٍ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وُسْقًا مِنْ تَمْرٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ وُسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا عَدَمُ إجْزَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّ الصَّوْمَ الْوَاقِعَ فِيهِ وَقَعَ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ فَلَا يَقَعُ عَنْ فَرْضٍ آخَرَ إلَّا إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَصَامَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِمَا عُرِفَ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ جَازَ صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْهُ وَعَنْ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ إذَا أَنْذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ فَصَامَهُ مُعْتَكِفًا قُلْتُ الصَّوْمُ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ شَرْطُ الِاعْتِكَافِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الشَّرْطِ كَيْفَ كَانَ لَا قَصْدًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ مَقْصُودٌ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ قَصْدًا وَأَمَّا الْأَيَّامُ الْمَذْكُورَةُ فَصَوْمُهَا نَاقِصٌ بِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِهَا وَالْوَاجِبُ بِالْكَفَّارَةِ صَوْمٌ كَامِلٌ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِالنَّاقِصِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الصِّيَامَ وَكَذَا لَوْ جَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمُ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الصَّوْمَ وَلَوْ صَامَ هَذِهِ الْأَيَّامَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَكَذَلِكَ أَيْضًا يَسْتَقْبِلُ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَجُزْ لِلْعَبْدِ إلَّا الصَّوْمُ إلَخْ) وَكَذَا السَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالصَّوْمِ ذَكَرَهُ ابْنُ فِرِشْتَا فِي كِتَابِ الْحِجْرِ مِنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ) أَيْ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى مَنْعَهُ عَنْهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِمَنْ لَهُ خَادِمٌ وَاحِدٌ) بِخِلَافِ الْمِسْكِينِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْخَادِمِ) كَذَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْمَسْكَنَ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ لِبَاسِ أَهْلِهِ بِخِلَافِ الْخَادِمِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَوْسٍ) وَأَوْسٌ هَذَا هُوَ ابْنُ الصَّامِتِ أَخُو عُبَادَةَ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>