للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِهِ عَنْ أَبِيهِ الْمَعْرُوفِ يَكُونُ قَذْفًا لَهَا أَيْضًا كَمَا لَوْ نَفَاهُ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ فَيَكُونُ مُوجَبُهُ اللِّعَانَ لِمَا تَلَوْنَا، وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ شُبْهَةً كَمَا لَوْ نَفَاهُ أَجْنَبِيٌّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّسَبِ الصَّحِيحِ، وَالنِّكَاحَ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِهِ فَنَفْيُهُ عَنْ الْفِرَاشِ الصَّحِيحِ يَكُونُ قَذْفًا حَتَّى يَظْهَرَ الْمُلْحَقُ بِهِ، وَفِي الْمُحِيطِ إذَا نَفَى الْوَلَدَ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ بِابْنِي، وَلَمْ يَقْذِفْهَا بِالزِّنَا لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّفْيَ لَيْسَ بِقَذْفٍ لَهَا بِالزِّنَا يَقِينًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِ بِوَطْءٍ عَنْ شُبْهَةٍ لَا عَنْ زِنًا بِأَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِهِ

وَفِي النِّهَايَةِ جَعَلَ هَذَا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ لَيْسَ هَذَا الَّذِي وَلَدْتِيهِ مِنْ زَوْجِك لَا يَصِيرُ قَاذِفًا مَا لَمْ يَقُلْ إنَّهُ مِنْ الزِّنَا، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِضَرُورَةٍ فِي اللِّعَانِ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ يَعْلَمُ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرَبْهَا أَوْ عُزِلَ عَنْهَا عَزْلًا بَيِّنًا، وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ مُنْعَدِمَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَفِي كِتَابِ الْحُدُودِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يُصَرِّحَ بِالزِّنَا مَعَ نَفْيِ الْوَلَدِ حَتَّى يَكُونَ قَذْفًا فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا قَالَهُ، وَمِنْ أَيْنَ هَذَا الْإِجْمَاعُ، وَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ إنَّ اللِّعَانَ لَا يَجِبُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ، وَقَوْلُهُ، وَطَالَبَتْهُ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ يَعْنِي الْحَدَّ لِأَنَّهُ حَقُّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا كَسَائِرِ حُقُوقِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَفْيِ نَسَبِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَبِي حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيُحَدُّ) لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ إيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٦] أَيْ فَالْوَاجِبُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ، وَهُوَ أَقْوَى وُجُوهِ الْأَمْرِ أَوْ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمَقْرُونَ بِالْفَاءِ فِي مَوْضِعِ الْجَزَاءِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] أَوْ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْحَدِّ فَيَجِبُ كَوُجُوبِهِ فَإِذَا كَانَ وَاجِبًا يُحْبَسُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيَرْتَفِعَ سَبَبُ اللِّعَانِ، وَهُوَ التَّكَاذُبُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَاعَنَ وَجَبَ عَلَيْهَا اللِّعَانُ) لِمَا بَيَّنَّا فِي حَقِّ الزَّوْجِ إلَّا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالزَّوْجِ لِأَنَّهُ الْمُدَّعِي فَيَطْلُبُ مِنْهُ الْحُجَّةَ أَوَّلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَبَتْ حُبِسَتْ حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ فَتُحْبَسُ حَتَّى تُوُفِّيَ أَوْ تُصَدِّقَهُ فَيَرْتَفِعَ السَّبَبُ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ أَوْ تُصَدِّقَهُ فَتُحَدَّ، وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً فَكَيْفَ يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ مَرَّةً، وَهُوَ لَا يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ قَصْدًا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَيُعْتَبَرُ فِي دَرْئِهِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ اللِّعَانُ، وَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ وَلَوْ صَدَّقَتْهُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ فَلَا حَدَّ، وَلَا لِعَانَ، وَهُوَ وَلَدُهُمَا لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَنْقَطِعُ حُكْمًا لِلِّعَانِ فَلَمْ يُوجَدْ، وَهُوَ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ اللِّعَانِ يُحَدُّ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالْقَذْفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: ٤] إلَّا أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِاللِّعَانِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ يُحَدُّ

وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا أَبَتْ تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا لِأَنَّ الزَّوْجَ أَوْجَبَ عَلَيْهَا الْحَدَّ بِلِعَانِهِ، وَلَكِنْ تَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِاللِّعَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ} [النور: ٨] أَيْ يَدْفَعُ عَنْهَا الْحَدَّ شَهَادَتُهَا قُلْنَا قَذْفُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عِنْدَ اجْتِمَاعِ شَرَائِطِ اللِّعَانِ، وَمَا تَلَا مَنْسُوخٌ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ بِآيَةِ اللِّعَانِ وَلَوْ كَانَ مُوجِبًا لَمَا سَقَطَ بِشَهَادَتِهِ أَوْ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَسْقُطُ بِهِ، وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحَدُّ بِشَهَادَتِهِ أَوْ بِيَمِينِهِ فَكَيْفَ يَجِبُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ الْحَدُّ الَّذِي لَا يَجِبُ إلَّا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ عُدُولٍ يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ يَزْنِي بِهَا كَالْمَيْلِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَهَذَا يَنْفِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَذَابِ فِيمَا تَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْحَبْسُ أَوْ يَحْتَمِلُهُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ، وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ الزَّوْجِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا مَعَ ثَلَاثَةٍ عُدُولٍ ثُمَّ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ وَحَدُّهُ

وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ كَافِرًا، وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ يَمِينٌ عِنْدَهُ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِإِيجَابِ الْمَالِ، وَلَا لِإِسْقَاطِهِ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَأَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ بِهِ الْحَدَّ هُنَا عَنْ نَفْسِهَا، وَكَذَا الزَّوْجُ أَسْقَطَ بِهِ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَوْجَبَ الرَّجْمَ الَّذِي هُوَ أَغْلَظُ الْحُدُودِ بِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَجَعَلَهُ شَهَادَةً فِي حَقِّهِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ قَالَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدُّ بِامْتِنَاعِهَا عَنْ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ نُكُولٌ قُلْنَا النُّكُولُ عِنْدَهُ لَا يُوجِبُ الْمَالَ مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَكَيْفَ يُوجِبُ الرَّجْمَ الَّذِي هُوَ أَغْلَظُ الْحُدُودِ، وَأَصْعَبُهُ إثْبَاتًا، وَأَكْثَرُهُ شُرُوطًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ شَاهِدًا حُدَّ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ هِيَ مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ بِأَنْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ بِأَنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَطَالَبَتْهُ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّهُ أَيْ اللِّعَانَ حَقُّهَا لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهَا فَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ إذَا شَهِدَ الزَّوْجُ وَثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالزِّنَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ فَتُحَدُّ هِيَ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَذَفَ وَجَاءَ بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَشَهِدُوا حُدَّ الثَّلَاثَةُ وَلَاعَنَ الزَّوْجُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ شَهَادَةً فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهَا اهـ.

(فُرُوعٌ) قَذَفَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا سَقَطَ اللِّعَانُ وَيَجِبُ الْحَدُّ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا ثَانِيًا وَجَبَ الْحَدُّ بِالْأَوَّلِ وَاللِّعَانُ بِالثَّانِي وَيُحَدُّ لِلْأَوَّلِ لِيَسْقُطَ اللِّعَانُ وَلَوْ طَلَبَتْ اللَّعَّانَ أَوَّلًا يُلَاعَنُ ثُمَّ يُحَدُّ بِخِلَافِ حُدُودِ الْقَذْفِ إذَا اجْتَمَعَتْ فَإِنَّهُ يَكْفِي حَدٌّ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلَوْ قَالَ قَذَفْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَهُوَ قَذْفٌ فِي الْحَالِ فَيُلَاعَنُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُحَدُّ وَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مِنْ أَنَّهُ يُلَاعَنُ فِي قَوْلِهِ زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك وَيُحَدُّ فِي قَوْلِهِ قَذَفْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْجَهُ وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ زَنَتْ أَوْ وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَيَسْقُطُ اللِّعَانُ بِرِدَّتِهَا وَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ لَا يَعُودُ وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ أَبَانَهَا يَسْقُطُ اللِّعَانُ، وَلَوْ كَذَّبَ نَفْسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُحَدُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَذَّبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ. اهـ. فَتْحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>