للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ اللِّعَانَ تَعَذَّرَ بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَيُصَارُ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] الْآيَةَ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كَافِرًا وَهِيَ مُسْلِمَةً إلَّا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ صَلُحَ وَهِيَ بِمَنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا فَلَا حَدَّ، وَلَا لِعَانَ) يَعْنِي إذَا كَانَ الزَّوْجُ صَالِحًا لِلشَّهَادَةِ وَهِيَ زَانِيَةٌ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي الْقَذْفِ فَلَا يُوجِبُ قَذْفُهَا الْحَدَّ كَمَا إذَا قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ، وَلَا يُوجِبُ اللِّعَانَ أَيْضًا لِأَنَّهُ خُلْفٌ عَنْهُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً لِأَنَّ قَذْفَهَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مَحْدُودَةً فِي قَذْفٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَكَانَ الِامْتِنَاعُ لِمَعْنًى فِيهَا فَلَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَوْ كَانَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ حُدَّ لِأَنَّ امْتِنَاعَ اللِّعَانِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ إذْ هُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ هُوَ عَبْدًا وَهِيَ مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ يُحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّ قَذْفَ الْأَمَةِ أَوْ الْكَافِرَةِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَقَذْفَ الْمَحْدُودَةِ يُوجِبُ الْحَدَّ إذَا كَانَتْ عَفِيفَةً عَنْ فِعْلِ الزِّنَا حَتَّى لَوْ قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ يُحَدُّ فَكَذَا الزَّوْجُ وَلَوْ قَذَفَ الْأَمَةَ أَوْ الْكَافِرَةَ لَا يُحَدُّ فَكَذَا الزَّوْجُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ أَوْ مَجْنُونَيْنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُلَاعِنُ فِي الْكُلِّ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ كِلَاهُمَا لِأَنَّ اللِّعَانَ أَيْمَانٌ عِنْدَهُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْيَمِينِ يَكُونُ أَهْلًا لَهُ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا، وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَرْبَعٌ مِنْ النِّسَاءِ لَيْسَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ لِعَانٌ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ، وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ، وَالْمَمْلُوكَةُ تَحْتَ الْحُرِّ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَفِيهِ «لَيْسَ بَيْنَ الْمَمْلُوكَيْنِ وَالْكَافِرَيْنِ لِعَانٌ» ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَضَعَّفَهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طُرُقٍ ثَلَاثٍ، وَضَعَّفَهُ، وَالضَّعِيفُ إذَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ يُحْتَجُّ بِهِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ الْإِحْصَانُ يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْقَذْفِ حَتَّى لَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ عَتَقَتْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَلَا اللِّعَانُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصِفَتُهُ مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ) أَيْ صِفَةُ اللِّعَانِ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْقَاضِي بِالزَّوْجِ فَيَشْهَدَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ يَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا يُشِيرُ إلَيْهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثُمَّ تَشْهَدُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ تَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ غَضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا لِمَا تَلَوْنَا، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَأْتِي بِلَفْظِ الْمُوَاجَهَةِ فَيَقُولُ فِيمَا رَمَيْتُك بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَتَقُولُ هِيَ إنَّك لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتنِي بِهِ مِنْ الزِّنَا لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ لَفْظَ الْمُغَايَبَةِ إذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ انْقَطَعَ الِاحْتِمَالُ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْمَرْأَةُ بِالْغَضَبِ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَسْتَعْمِلْنَ اللَّعْنَ كَثِيرًا فَلَا تَقَعُ الْمُبَالَاةُ بِهِ، وَتَخَافُ مِنْ الْغَضَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(فَإِنْ الْتَعَنَا بَانَتْ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ) وَلَا تَبِينُ قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَرِثَهُ الْآخَرُ وَلَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّةُ اللِّعَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِأَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ أَوْ قَذَفَ أَحَدُهُمَا إنْسَانًا فَحُدَّ لِلْقَذْفِ أَوْ وَطِئَتْ هِيَ وَطْئًا حَرَامًا أَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا جُنَّ قَبْلَ التَّفْرِيقِ حَيْثُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ زَالَ الْإِحْصَانُ لِأَنَّهُ يُرْجَى عَوْدُهُ فَيَعُودُ الْإِحْصَانُ وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ طَلَّقَهَا أَوْ آلَى مِنْهَا صَحَّ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ، وَقَالَ زُفَرُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِهِمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ صِفَةُ اللِّعَانِ إلَخْ) ظَاهِرٌ فِي تَعَيُّنِهِ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ أَخْطَأَ الْقَاضِي فَبَدَأَ بِهَا قَبْلَهُ لَا يُفِيدُ لِعَانَهَا فَيُعِيدُهُ بَعْدَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَشْهَبُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يُعِيدُ اللِّعَانَ عَلَيْهَا لِأَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ وَالْمَرْأَةَ بِشَهَادَتِهَا تَقْدَحُ فِي شَهَادَةِ الزَّوْجِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ شَهَادَتِهِ، وَلِهَذَا يَبْدَأُ بِشَهَادَةِ الْمُدَّعِي فِي بَابِ الدَّعْوَى ثُمَّ بِشَهَادَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الدَّفْعِ لَهُ كَذَا هُنَا فَإِنْ لَمْ تُعِدْهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا نَفَذَتْ الْفُرْقَةُ لِأَنَّ تَفْرِيقَهُ صَادَفَ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ لَا شَهَادَةٌ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ إحْدَى الْيَمِينَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى كَتَحَالُفِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ، وَمُقْتَضَاهُ لُزُومُ الْإِعَادَةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ فِي الْغَايَةِ لَوْ بَدَأَ بِلِعَانِهَا فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، وَلَا تَجِبُ إعَادَتُهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ النَّصَّ أَعْقَبَ الرَّمْيَ بِشَهَادَةِ أَحَدِهِمْ، وَشَهَادَتَهَا الدَّارِئَةُ لِلْحَدِّ عَنْهَا بِقَوْلِهِ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ، وَلِأَنَّ الْفَاءَ دَخَلَتْ عَلَى شَهَادَتِهِ عَلَى وِزَانِ مَا قُلْنَا فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ أَنَّهُ أَعْقَبَ جُمْلَةَ الْأَفْعَالِ لِلْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ دُخُولُ الْفَاءِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ فَانْظُرْهُ ثَمَّةَ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ يُشِيرُ إلَيْهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ) أَيْ يُشِيرُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي قَوْلِهِ رَمَيْتهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ) أَيْ احْتِمَالَ أَنْ يُضْمِرَ مَرْجِعًا لِلضَّمِيرِ الْغَائِبِ هُوَ غَيْرُهَا بِخِلَافِ الْخِطَابِ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ انْقَطَعَ الِاحْتِمَالُ) يَعْنِي انْقَطَعَ احْتِمَالُ ضَمِيرِ الْغَائِبِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ انْقِطَاعَ الِاحْتِمَالِ مَشْرُوطٌ بِاجْتِمَاعِهِمَا لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِانْفِرَادِهَا لَا احْتِمَالَ مَعَهَا. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ الْتَعَنَا بَانَتْ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا افْتَرَقَ الْمُتَلَاعِنَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا فَيَثْبُتُ بَيْنَهُمَا حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ كَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَإِذَا كَانَتْ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً لَا تَكُونُ طَلَاقًا بَلْ فَسْخًا، وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ عَلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ قَبْلَهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الزَّوْجِيَّةِ قَائِمَةً مَعَهَا كَمَا تَكُونُ بِالظِّهَارِ أَوْ زَالَتْ فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ مِنْ حِينِ ثَبَتَتْ ثَبَتَتْ مُؤَبَّدَةً لَمْ يُتَصَوَّرْ تَوَقُّفُهَا عَلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّةُ اللِّعَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) أَيْ بِمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ طَلَّقَهَا إلَخْ) غَيْرَ أَنَّ وَطْأَهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ لِمَا سَيُعْلَمُ، وَلَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْتِعَانِهِمَا ثَلَاثًا خَطَأً نَفَذَ تَفْرِيقُهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ، وَبَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ لَا يَنْفُذُ اهـ فَتْحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>