«الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا»، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ، وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ عِنْدَهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ قَطْعُ النَّسَبِ، وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ، وَوُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهَا، وَثُبُوتُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَهُ فِي الْفُرْقَةِ أَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا شَهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِاللِّعَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَا يَأْتَلِفَانِ فَلَمْ يَكُنْ فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ فَائِدَةٌ فَيَنْفَسِخُ كَمَا يَنْفَسِخُ بِالِارْتِدَادِ، وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَاعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ، وَامْرَأَتِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
وَحَدِيثُ «عُوَيْمِرِ بْنِ الْحَارِثِ الْعَجْلَانِيُّ أَنَّهُ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ لِعَانِهِمَا قَالَ كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ تَقَعُ بِلِعَانِهِمَا أَوْ بِلِعَانِهِ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صِحَاحٌ كُلُّهَا تُثْبِتُ التَّفْرِيقَ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ بَيْنَهُمَا لِمَا رَوَاهُ زُفَرُ فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ، وَبِمِثْلِهِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَرِّحَ فَإِنْ فَعَلَ، وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَمَا فِي الْإِبَاءِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُتَلَاعِنَانِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ خَارِجٌ لَيْسَ لَهُ فِيهِ سَلَفٌ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِهِ أَنْ لَا تُلَاعِنَ الْمَرْأَةُ أَصْلًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ عِنْدَ لِعَانَهَا، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ تَحَالُفٌ عِنْدَهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْفَسِخَ النِّكَاحُ إلَّا بِالْقَضَاءِ كَمَا فِي التَّحَالُفِ فِي الْبَيْعِ، وَزَعَمَتْ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ التَّفْرِيقَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ إعْلَامُهُمَا بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ غَلَطٌ، وَتَحْرِيفٌ مَحْضٌ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ إيقَاعُ الْفُرْقَةِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَقَالَ أَعْلِمْهُمَا بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ، وَيَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِحَدِيثِ الْعَجْلَانِيُّ الْمُتَقَدِّمِ لِإِبَاحَةِ إرْسَالِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُنْكِرُونَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا هُنَا، وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا وَلَوْلَا أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ اذْهَبْ فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى طَلَبِ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ حِينَ طَلَبَ رَدَّ الْمَهْرِ إنْ كُنْت صَادِقًا فَهُوَ لَهَا بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْت كَاذِبًا فَأَبْعِدْ اذْهَبْ فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ لَا سَبِيلَ لَك عَلَى إمْسَاكِهَا ثُمَّ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يَقُولُ الثَّابِتُ بِاللِّعَانِ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ كَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ
وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِاللِّعَانِ عِنْدَهُمَا تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّهَا لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهَا فَانْتَسَبَ فِعْلُ الْقَاضِي إلَيْهِ فَكَانَ طَلَاقًا كَالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْجَبِّ أَوْ الْعُنَّةِ، وَنَحْوِهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَرْتَفِعُ بِحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ بَلْ يَفْسُدُ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَوْ لَمْ يَشْتَبِهْ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي نِكَاحِ الْأَصْلِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَذَفَ بِوَلَدٍ نَفَى نَسَبَهُ، وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ) وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي حَالٍ يَجْرِي بَيْنَهُمَا اللِّعَانُ حَتَّى لَوْ عَلِقَتْ وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ ثُمَّ أَعْتَقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ لَا يَنْفِي، وَلَا يُلَاعِنُ لِأَنَّ نَسَبَهُ كَانَ ثَابِتًا عَلَى وَجْهٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ) أَيْ قَبْلَ لِعَانِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِيَدِ الزَّوْجِ فَيَكُونُ لِعَانُهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْفُرْقَةِ، وَإِنَّمَا لِعَانُ الْمَرْأَةِ لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الثَّابِتُ بِاللِّعَانِ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ)، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْحَسَنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ قَذَفَ بِوَلَدٍ نَفَى نَسَبَهُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ بَعْدَمَا قُطِعَ نَسَبُهُ فَجَمِيعُ أَحْكَامِ نَسَبِهِ بَاقٍ مِنْ الْأَبِ سِوَى الْمِيرَاثِ حَتَّى أَنَّ شَهَادَةَ الْأَبِ لَهُ لَا تُقْبَلُ، وَشَهَادَتَهُ لِأَبِيهِ لَا تُقْبَلُ، وَدَفْعَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى فَتَزَوَّجَهُ أَبُوهُ أَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَه مِنْهُ إنْ كَانَ ابْنًا لَا يَجُوزُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَقَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ إذَا قُطِعَ نَسَبُهُ مِنْ الْأَبِ وَأُلْحِقَ بِالْأُمِّ لَا يَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بَلْ فِي بَعْضِهَا فَيَبْقَى النَّسَبُ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْقِصَاصِ وَالنِّكَاحِ وَعَدَمِ اللُّحُوقِ بِالْغَيْرِ حَتَّى لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَلَا صَرْفُ زَكَاةِ مَالِهِ إلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْأَبِ بِقَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ الْمُلَاعَنَةِ ابْنٌ، وَلِلزَّوْجِ بِنْتٌ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِتِلْكَ الْبِنْتِ، وَلَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ هَذَا الْوَلَدَ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَبْقَى فِي حَقِّ النَّفَقَةِ وَالْإِرْثِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي مِمَّنْ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ، وَادَّعَاهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُلَاعِنِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ، وَهُوَ مَقْطُوعُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ
وَوَقَعَ الْإِيَاسُ مِنْ ثُبُوتِهِ مِنْ الْمُلَاعِنِ، وَثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ أُمِّهِ لَا يُنَافِيهِ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يُشْرَعُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ، وَلِمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَجْبُوبَ يَنْزِلُ بِالسُّحْقِ، وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَلَا لِعَانَ فِي الْقَذْفِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَجِبُ اللِّعَانُ بِهِ، وَكَذَا فِي نَفِيه مَنْ وَطْءَ بِشُبْهَةٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِمَا الْحَدُّ وَاللِّعَانُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمَا بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ قَذَفَهَا بِنَفْيِ وَلَدِهَا فَلَمْ يَلْتَعِنَا حَتَّى قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ بِهِ فَحَدّ الْأَجْنَبِيّ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الزَّوْجِ، وَلَا يَنْتَفِي بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا حُدَّ قَاذِفُهَا حُكِمَ بِكَذِبِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ أُعْتِقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ) أَيْ فَنَفَى وَلَدَهَا اهـ
(قَوْلُهُ لَا يَنْفِي، وَلَا يُلَاعِنُ) لِأَنَّ انْتِفَاءَهُ إنَّمَا يَثْبُتُ شَرْعًا حُكْمًا لِلِّعَانِ، وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا. اهـ. فَتْحٌ