وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْآيَةُ بِإِطْلَاقِهَا حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي الْكِتَابِيَّةِ حَيْثُ أَوْجَبَ الِاسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا فَقَطْ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] وَمِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» لِأَنَّ الْعَشْرَ مُؤَنَّثٌ بِحَذْفِ التَّاءِ مِنْهُ فَيَتَنَاوَلُ اللَّيَالِيَ، وَيَدْخُلُ مَا فِي خِلَالِهَا مِنْ الْأَيَّامِ ضَرُورَةً قُلْنَا إذَا تَنَاوَلَ اللَّيَالِيَ يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ كَذَا اللُّغَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ، وَالتَّارِيخُ بِاللَّيَالِيِ فَلِهَذَا حُذِفَتْ التَّاءُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْأَمَةِ قُرْءَانِ وَنِصْفُ الْمِقْدَارِ) أَيْ عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ كَانَتْ مُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَنِصْفُ مَا قَدَرَ قُدِّرَ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ، وَهُوَ شَهْرٌ، وَنِصْفٌ فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَشَهْرَانِ، وَخُمُسٌ فِي الْوَفَاةِ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ»، وَقَدْ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَجَازَ تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ بِهِ، وَلِأَنَّ لِلرِّقِّ أَثَرًا فِي تَنْصِيفِ النِّعْمَةِ، وَالْعِدَّةَ نِعْمَةٌ لِاسْتِحْقَاقِهَا بِوَصْفِ الْآدَمِيَّةِ، وَلِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِ أَمْرِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِتَنْصِيفِهَا إلَّا أَنَّ الْحَيْضَةَ لَا تَتَنَصَّفُ لِاخْتِلَافِهَا مِنْ حَيْثُ الْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ، وَالْوَقْتُ فَلَا يَدْرِي نِصْفَهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ لَوْ اسْتَطَعْت لَجَعَلْتهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقِنَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَمُعْتَقَةِ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِوُجُودِ الرِّقِّ فِي الْكُلِّ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْحَامِلِ وَضْعُهُ) أَيْ عِدَّةُ الْحَامِلِ وَضْعُ الْحَمْلِ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ أَوْ غَيْرِهِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَالَ عَلِيٌّ عِدَّتُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ لِأَنَّ النُّصُوصَ مُتَعَارِضَةٌ فَبَعْضُهَا يُوجِبُ تَرَبُّصَ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَبَعْضُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَبَعْضُهَا وَضْعَ الْحَمْلِ فَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْأَبْعَدِ احْتِيَاطًا قُلْنَا آيَةُ الْحَمْلِ مُتَأَخِّرَةٌ فَيَكُونُ غَيْرُهَا مَنْسُوخًا بِهَا أَوْ مَخْصُوصًا، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَنْ شَاءَ بَاهَلْته أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَعَشْرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى، وَعَنْ «أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَقَالَ هِيَ لِلْمُطَلَّقَةِ، وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ «أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ فَقَالَتْ لَهُ وَهِيَ حَامِلٌ طَيِّبْ نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ فَرَجَعَ، وَقَدْ وَضَعَتْ فَقَالَ مَا لَهَا خَدَعَتْنِي خَدَعَهَا اللَّهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ سَبَقَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ اُخْطُبْهَا إلَى نَفْسِهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ عَنْ «سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْتَاهَا بِأَنْ قَدْ حَلَّتْ حِينَ وَضَعَتْ وَأَمَرَهَا بِالتَّزَوُّجِ إنْ بَدَا لَهَا، وَكَانَ قَدْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا»، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ نِفَاسِهَا لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَ زَوْجٍ، وَلَا مُعْتَدَّةً، وَلَا حُبْلَى بِثَابِتِ النَّسَبِ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ خَلَتْ عَنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ فَتَحِلُّ ضَرُورَةً، وَلَكِنْ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَطْهُرَ، وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَالْحَائِضِ وَالصَّائِمَةِ، وَاَلَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزَوْجَةُ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) أَيْ عِدَّةُ زَوْجَةِ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَمِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَهِيَ الَّتِي أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَقَالَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ إلَخْ) فَلَوْ تَزَوَّجَتْ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ جَازَ. اهـ. كَمَالٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَامِلُ إلَخْ) وَأَطْلَقَ فَيَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ الثَّابِتَ النَّسَبِ وَغَيْرَهُ فَلَوْ طَلَّقَ كَبِيرٌ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعِدَّةِ فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالْحَيْضِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَسَيُبَيَّنُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِيرِ، وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا خَرَجَ مِنْ الْوَلَدِ نِصْفُ الْبَدَنِ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ سِوَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ سِوَى الرَّأْسِ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَالْبَدَنُ مِنْ الْمَنْكِبَيْنِ إلَى الْأَلْيَتَيْنِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ كُلُّ مَنْ حَبِلَتْ فِي عِدَّتِهَا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا إذَا حَبِلَتْ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَعِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً) وَالْمُتَارَكَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ إذَا كَانَتْ حَامِلًا كَذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَنْسُوخًا بِهَا أَوْ مَخْصُوصًا) إنَّمَا تَرَدَّدَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْفَصِلًا يَكُونُ نَسْخًا وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا يَكُونُ تَخْصِيصًا اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ بَاهَلَتْهُ) الْمُبَاهَلَةُ الْمُلَاعَنَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ الْقُصْرَى) أَيْ سُورَةُ الطَّلَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ) أَيْ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَا «هَاجَرَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَجَاءَ أَخَوَاهَا عُمَارَةُ، وَفُلَانٌ ابْنَا عُقْبَةَ يَطْلُبَانِهَا فَأَبَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِمَا، وَكَانَتْ قَبْلَ أَنْ تُهَاجِرَ بِلَا زَوْجٍ فَلَمَّا قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بَعْدَ قَتْلِ زَيْدٍ فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْنَبَ ثُمَّ فَارَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَوَلَدَتْ لَهُ إبْرَاهِيمَ وَحُمَيْدًا ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا فَتَزَوَّجَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ شَهْرًا، وَمَاتَتْ» رَوَى عَنْهَا وَلَدَاهَا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِبْرَاهِيمُ، وَحَدِيثُهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالسُّنَنِ الثَّلَاثَةِ اهـ الْإِصَابَةُ لِابْنِ حَجَرٍ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَزَوْجَةُ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) أَيْ الْأَبْعَدُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَثَلَاثِ حِيَضٍ فَلَوْ تَرَبَّصَتْ حَتَّى مَضَتْ ثَلَاثُ حِيَضٍ بِأَنْ امْتَدَّ طُهْرُهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute