تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ، وَهُوَ الْقِيَاس لِأَنَّ النِّكَاحَ زَالَ بِهِ، وَبَقَاءَ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْإِرْثِ حُكْمًا احْتِيَاطًا لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَلَا يَلْزَمُ بَقَاؤُهُ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا لِأَنَّ النِّكَاحَ فِيهِ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ إذْ هُوَ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ، وَلِهَذَا بَقِيَتْ أَحْكَامُ الزَّوْجَاتِ كُلُّهَا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا لَمَّا وَرِثَتْ جُعِلَ النِّكَاحُ قَائِمًا حُكْمًا إلَى الْوَفَاةِ إذْ لَا إرْثَ لَهَا إلَّا بِهِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ الشَّكِّ دُونَ الْإِرْثِ فَصَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا وَلَوْ ارْتَدَّ الرَّجُلُ، وَقُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ حَتَّى وَرِثَتْهُ امْرَأَتُهُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُعْتَبَرْ بَاقِيًا إلَى الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ لَمَّا وَرِثَتْ إذْ الْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ بَلْ الْإِرْثُ يَسْتَنِدُ إلَى مَا قَبْلَ الرِّدَّةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَا الْبَائِنِ وَالْمَوْتِ كَالْحُرَّةِ) أَيْ الْأَمَةُ إذَا عَتَقَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَعِدَّتُهَا كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ إلَّا إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ مَوْتِ زَوْجٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الرَّجْعِيِّ فَوَجَبَ انْتِقَالُ عِدَّتِهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ لِكَمَالِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ يُوجِبُ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ، وَفِي الْبَائِنِ وَالْمَوْتِ، وَزَالَ النِّكَاحُ، وَلَمْ يَتَكَامَلْ الْمِلْكُ بَعْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ النَّاقِصِ لَا يُوجِبُ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ فَلَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا حَيْثُ تَصِيرُ مُدَّةُ إيلَائِهَا مُدَّةَ إيلَاءِ الْحَرَائِرِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ فَالْبَائِنُ وَالرَّجْعِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ سَبَبَهَا الطَّلَاقُ وَهِيَ تَعْقُبُهُ فَتُعْتَبَرُ فِيهَا صِفَتُهُ، وَلِأَنَّ فِي زِيَادَةِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ إضْرَارًا بِهَا، وَلَيْسَ فِي زِيَادَةِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ ذَلِكَ فَافْتَرَقَا كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ عَادَ دَمُهَا بَعْدَ الْأَشْهُرِ الْحَيْضُ) أَيْ وَعِدَّةُ مَنْ عَادَ دَمُهَا بَعْدَمَا اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ الْحَيْضُ، وَمُرَادُهُ أَنَّ الْآيِسَةَ إذَا اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا، وَوَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ مَعْنَاهُ إذَا رَأَتْهُ عَلَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ عَوْدَهُ يُبْطِلُ الْإِيَاسَ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلِيفَةِ تَحَقُّقُ الْإِيَاسِ عَنْ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ بِالْعَجْزِ الدَّائِمِ إلَى الْمَوْتِ كَالْفِدْيَةِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي، وَكَذَا إذَا حَبِلَتْ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَفَسَدَ نِكَاحُهَا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ إذْ الْآيِسَةُ لَا تَحِيضُ، وَالصَّغِيرَةُ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ لَا تَسْتَأْنِفُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ حَيْثُ تَسْتَأْنِفُ تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ ثُمَّ ذَكَرَ الِاسْتِئْنَافَ هُنَا مُطْلَقًا، وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ هَذَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي لَمْ تُقَدِّرْ لِلْإِيَاسِ مِقْدَارًا أَمَّا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قُدِّرَ لِلْإِيَاسِ قَدْرٌ إذَا بَلَغَتْهُ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِسْبِيجَابِيِّ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّقْدِيرِ لَوْ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ لَا تَبْطُلُ الْأَشْهُرُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا، وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى رِوَايَةِ التَّقْدِيرِ لِلْإِيَاسِ إنْ رَأَتْ دَمًا بَعْدَ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ أَيْضًا فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ مَا تَرَاهُ مِنْ الدَّمِ بَعْدَ سِنِّ الْإِيَاسِ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ قِيلَ يَكُونُ حَيْضًا، وَتَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ، وَيَبْطُلُ النِّكَاحُ إنْ تَزَوَّجَتْ
وَقِيلَ لَا يَكُونُ حَيْضًا، وَلَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ، وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ اخْتَارَ الْبُطْلَانَ والإسبيجابي عَدَمَهُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ كَانَ أَخْضَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ ثُمَّ تَفْسِيرُ قَوْلِ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْ الْإِيَاسَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنْ تَبْلُغَ حَدًّا لَا يَحِيضُ فِيهِ مِثْلُهَا، وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَدَّرَهُ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ سِتُّونَ سَنَةً، وَقَالَ الصَّفَّارُ سَبْعُونَ سَنَةً، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْمُخْتَارُ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَفِي الْمَنَافِعِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ فِي الرُّومِيَّاتِ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَفِي غَيْرِهِنَّ بِسِتِّينَ سَنَةً وَلَوْ أَيِسَتْ الْمُعْتَدَّةُ بَعْدَمَا حَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ بِالشُّهُورِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا مَضَى مِنْ الْحَيْضِ تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ جَوَّزْتُمْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ قُلْتُمْ الْمُتَوَضِّئُ إذَا أَحْدَثَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَتَيَمَّمُ وَيَبْنِي، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاتِهِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ثُمَّ عَجَزَ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ بِالْإِيمَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا قُلْنَا الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ لَيْسَتْ بِخُلْفٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا الْخَلْفِيَّةُ بَيْنَ التُّرَابِ وَالْمَاءِ أَوْ بَيْنَ الطَّهَارَتَيْنِ بِهِمَا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْجَمْعُ، وَكَذَا الْإِيمَاءُ لَيْسَ بِخُلْفٍ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا وَزِيَادَةً، وَلَكِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ زَالَ بِهِ) أَيْ وَلَزِمَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ إذَا زَالَ النِّكَاحُ بِالْوَفَاةِ. اهـ. هِدَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَحْدُثْ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ بَلْ طَرَأَ كَمَالُ الْمِلْكِ بَعْدَهُ بِالْعِتْقِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي وَالْعِدَّةُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثِ حِيَضٍ هُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ النَّاقِصِ إلَخْ) وَقَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ صَوَّرَ الِانْتِقَالَ إلَى جَمِيعِ كَمِّيَّاتِ الْعِدَّةِ الْبَسِيطَةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ صُورَتُهَا أَمَةٌ صَغِيرَةٌ مَنْكُوحَةٌ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ فَلَوْ حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى حَيْضَتَيْنِ فَلَوْ أَعْتَقَتْ قَبْلَ مُضِيِّهَا صَارَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا) أَيْ وَظَهَرَ فَسَادُ نِكَاحِهَا الْكَائِنِ بَعْدَ تِلْكَ الْعِدَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الِاسْتِئْنَافَ هُنَا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْإِيَاسُ مُقَدَّرًا لِوَقْتٍ أَمْ لَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ تَبْلُغَ حَدًّا لَا يَحِيضُ فِيهِ مِثْلُهَا) وَيُمْكِنُ كَوْنُ الْمُرَادِ بِمِثْلِهَا فِيمَا ذَكَرَ فِي تَرْكِيبِ الْبَدَنِ وَالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ. اهـ. فَتْحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute