للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَقَطَ عَنْهُ بَعْضُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِلْعُذْرِ، وَبَقِيَ الْبَعْضُ عَلَى حَالِهِ، وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ خُلْفًا عَنْ الْبَاقِي لِوُجُودِهِ مَعَهُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْخُلْفِيَّةُ بِشَيْءٍ آخَرَ غَيْرَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا، وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ، وَأُمُّ الْوَلَدِ الْحَيْضُ لِلْمَوْتِ وَغَيْرِهِ) أَيْ عِدَّةُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ الْحَيْضُ إذَا فَارَقَتْهُ بِالْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ عَزَمَ الْوَاطِئُ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا أَوْ عِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، وَلَا آيِسَةً لِأَنَّ عِدَّتَهُنَّ لِلتَّعَرُّفِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ، وَالْحَيْضُ هُوَ الْمُعَرِّفُ فِي غَيْرِ الْحَامِلِ وَالْآيِسَةِ، وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِحَيْضَةٍ كَالِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا التَّعَرُّفُ قُلْنَا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَيْعِ حَتَّى يُفِيدَ الْمِلْكَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ فَيُؤْخَذُ لَهُ الْحُكْمُ مِنْ الصَّحِيحِ، وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ هُوَ كَالْفَاسِدِ حَتَّى يَجِبَ بِهِ الْمَهْرُ، وَغَيْرُهُ، وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ وَجَبَتْ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ فَأَشْبَهَتْ عِدَّةَ النِّكَاحِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ يَجِبُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عِدَّتُهَا فِي مَوْتِ مَوْلَاهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَضَعَّفَهُ، وَإِمَامُنَا فِيهِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً، وَلِأَنَّ هَذِهِ عِدَّةٌ وَجَبَتْ عَلَى حُرَّةٍ فَلَا يَكْتَفِي فِيهَا بِحَيْضَةٍ كَعِدَّةِ النِّكَاحِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ تِلْكَ تَجِبُ عَلَى الْأَمَةِ

وَهَذِهِ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْحُرَّةِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالتَّكْمِيلِ بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى، هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، وَلَا بِالْعِتْقِ لِعَدَمِ ظُهُورِ فِرَاشِ الْمَوْلَى مَعَهُ، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ، وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا أَوَّلُ وَبَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَوْلَى مَاتَ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ حُرَّةٌ، وَلَا يَجِبُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ عَلَى مَوْتِ الزَّوْجِ فَهِيَ مَنْكُوحَةٌ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَهِيَ مُعْتَدَّةٌ فَتَيَقَّنَّا بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِ الزَّوْجِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ هُوَ الْمَوْلَى، وَأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ كَمْ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِاحْتِمَالِ مَا ذَكَرْنَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَيْضُ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِلْمَوْلَى، وَهُوَ ظُهُورُ فِرَاشِهِ لَمْ يُوجَدْ، وَالِاحْتِيَاطُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ظُهُورِ سَبَبِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزَوْجَةُ الصَّغِيرِ الْحَامِلُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَضْعُهُ، وَالْحَامِلُ بَعْدَهُ الشُّهُورُ) أَيْ عِدَّةُ زَوْجَةِ الصَّغِيرِ وَهِيَ حَامِلٌ عِنْدَ مَوْتِهِ وَضْعُ الْحَمْلِ، وَإِنْ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعِدَّتُهَا الشُّهُورُ، وَتَفْسِيرُ قِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ، وَقِيلَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَلِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ حَادِثٌ إجْمَاعًا، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عِدَّتُهَا الشُّهُورُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لِأَنَّهُ مُنْتَفٍ عَنْهُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ كَالْحَمْلِ الْحَادِثِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ شُرِعَتْ لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ لَا لِلتَّعَرُّفِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِشَرْعِهَا بِالْأَشْهُرِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَاءِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، وَلَئِنْ كَانَ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَوَضْعُهُ يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى بَرَاءَتِهِ فَيَتَعَلَّقُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا) أَرَادَ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ النِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَنِكَاحَ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَنِكَاحَ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ، وَأَرَادَ بِالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ مَا إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ) لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ أَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ) أَيْ فِي الْأَصَحِّ فَإِذَا وَضَعَتْهُ كَذَلِكَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ وَضَعَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ مَوْتِهِ فَأَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ مَحْكُومًا بِقِيَامِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ بَلْ بِحُدُوثِهِ بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ تَقْدِيرُ الْعِدَّةِ بِالْوَضْعِ عِنْدَهُمَا بَلْ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ اتِّفَاقًا، وَقِيلَ الْمَحْكُومُ بِحُدُوثِهِ أَنْ تَلِدَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ مَوْتِهِ، وَفِيمَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ الِانْقِضَاءُ بِالْوَضْعِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لِلْحُدُوثِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ بِسَنَتَيْنِ كَوَامِلَ لَيْسَ إلَّا لِلِاحْتِيَاطِ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَلَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ فِي الصَّبِيِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَأْخِيرِ الْحُكْمِ بِالْحُدُوثِ إلَى السَّنَتَيْنِ. اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ) وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذْ لَمْ يُحْكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ، وَلَا جَامَعَ كَلَامَهُ الْحَاكِمُ، وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا يَعْنِي الِاعْتِدَادَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ اسْتِحْسَانٌ مِنْ عُلَمَائِنَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا هِيَ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عِدَّتَهَا بِالشُّهُورِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرُ اهـ وَإِذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُطَلَّقَةِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ مَعَ أَنَّهُ مَنْفِيُّ النَّسَبِ، وَمَحْكُومٌ بِحُدُوثِهِ فَكَيْفَ يَقُولُ فِي الْمَحْكُومِ بِقِيَامِهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ لَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ فَإِنَّمَا هِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ يَجِبُ كَوْنُ الصَّغِيرِ غَيْرَ مُرَاهِقٍ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا طَلَّقَ الْكَبِيرُ امْرَأَتَهُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ غَيْرَ سَقْطٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا حَامِلًا مِنْ الزِّنَا، وَلَا يَعْلَمُ الْحَالَ ثُمَّ وَضَعَتْ كَذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ تَعْتَدُّ بِالْوَضْعِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُمْ لَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا وَلَا يُعْلَمُ لِيَصِحَّ كَوْنُهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِأَنَّ كَوْنَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ الْعَقْدُ عَلَى الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمَا فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُصَحِّحْهُ لَكِنْ يَجِبُ مِنْ الْوَطْءِ فِيهِ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُ بِشُبْهَةٍ فَيَقَعُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهَا بِالْوَضْعِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ هَذِهِ إلَخْ) أَيْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>