بِهِ الِانْقِضَاءُ كَاَلَّذِي يُنْسَبُ إلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وُجُودُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا حَقِيقَةً، وَلَا حُكْمًا فَتَعَيَّنَتْ الْأَشْهُرُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِحُدُوثِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ امْرَأَةِ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ بِهَا الْحَبَلُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ إلَى حَوْلَيْنِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَادِثٍ حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَ بِحُدُوثِهِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الْكَبِيرُ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتِ النَّسَبِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ زَوَالِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنَّسَبُ مُنْتَفٍ فِيهِمَا) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ لَا يَثْبُتُ مِنْ الصَّغِيرِ فِي الْحَمْلِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَفِي غَيْرِ الْحَادِثِ لِاسْتِحَالَتِهِ مِنْهُ لِأَنَّ النَّسَبَ يَعْتَمِدُ الْمَاءَ، وَلَا مَاءَ لَهُ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ حُكْمًا مَعَ تَعَذُّرِهِ حَقِيقَةً، وَإِقَامَةُ النِّكَاحِ مَقَامَ الْمَاءِ عِنْدَ التَّصَوُّرِ فَإِذَا تَعَذَّرَ فَاتَ الشَّرْطُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُعْتَدَّ بِحَيْضٍ طَلُقَتْ فِيهِ) أَيْ لَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ لَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ أَوْ اثْنَتَانِ بِالنَّصِّ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَلِأَنَّ الْحَيْضَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَمَا وُجِدَ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَا يُحْتَسَبُ بِهِ مِنْ الْعِدَّةِ لِعَدَمِ السَّبَبِ فَكَذَا مَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ التَّجَزِّي وَلَوْ احْتَسَبَ بِهِ لَوَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الرَّابِعَةِ فَإِذَا وَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الرَّابِعَةِ لَوَجَبَ كُلُّهَا ضَرُورَةَ أَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَجِبُ عِدَّةٌ أُخْرَى بِوَطْءِ الْمُعْتَدَّةِ بِشُبْهَةٍ، وَتَدَاخَلَتَا، وَالْمَرْئِيُّ مِنْهُمَا، وَتَتِمُّ الثَّانِيَةُ إنْ تَمَّتْ الْأُولَى) أَيْ إذَا وَطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى، وَتَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ، وَالدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ مُحْتَسَبٌ بِهِ مِنْ الْعِدَّتَيْنِ، وَتَتِمُّ الْعِدَّةُ الثَّانِيَةُ إنْ تَمَّتْ الْأُولَى، وَلَمْ تَكْمُلْ الثَّانِيَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَتَدَاخَلَانِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ لِشَخْصَيْنِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَالْمَهْرَيْنِ، وَلِأَنَّهُمَا عِبَادَتَا كَفٍّ فِي مُدَّةٍ فَلَا يَجْتَمِعُ الْكَفَّانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالصَّوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالتَّرَبُّصِ، وَهُوَ فِعْلٌ مِنْهَا، وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يُعَدُّ بِفِعْلَيْنِ، وَلَنَا أَنَّ الْعِدَّةَ مُجَرَّدٌ أَجَلٍ، وَالْآجَالُ إذَا اجْتَمَعَتْ تَنْقَضِي بِمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ كَرَجُلٍ عَلَيْهِ دُيُونٌ إلَى أَجَلٍ فَبِمُضِيِّ الْأَجَلِ حَلَّتْ كُلُّهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَجَلٌ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق: ٢] {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: ٢٣٥]، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَهِيَ تَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّتَانِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ أَشْخَاصَ وَهِيَ حَامِلٌ حَيْثُ يَنْقَضِي الْكُلُّ بِالْوَضْعِ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ رُكْنَ الْعِدَّةِ حُرْمَةُ الْأَفْعَالِ مِنْ الْخُرُوجِ، وَالتَّزَوُّجُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ بِالنَّهْيِ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ فِيهِ حَتَّى يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَتَجِبُ عَلَى الْكَافِرَةِ وَعَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، وَيَصِحُّ مِنْهُمْ، وَالْحُرُمَاتُ تَجْتَمِعُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِجِهَتَيْنِ، وَكَذَا الْخَمْرُ عَلَى الصَّائِمِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الْفِعْلُ فَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ فِعْلَيْنِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي مِنْ غَيْرِ عَمَلِهَا بِلَا كَفٍّ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُؤَخِّرَهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَلَا اخْتِيَارَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ) شَرَعَ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ بَيْنَ مَحَلِّ الْخِلَافِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا شَرَّعَ الْعِدَّةَ بِوَضْعٍ إذَا كَانَ الْحَمْلُ ثَابِتًا حَالَ الْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْآيَةِ مُطْلَقًا يُخَصُّ بِالْعَقْلِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ حَالَ الْمَوْتِ حَالُ زَوَالِ النِّكَاحِ، وَعِنْدَهُ يَتِمُّ السَّبَبُ الْمَوْجُودُ لِلْعِدَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَثْبُتَ الْعِدَّةُ إذْ ذَاكَ، وَالْفَرْضُ أَنْ لَا حَمْلَ حِينَئِذٍ لِيَثْبُتَ بِالْوَضْعِ فَكَانَ اعْتِبَارُ قِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْوَضْعِ أَوْ الْأَشْهُرِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْعَقْلِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَعِنْدَ عَدَمِهِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَثْبُتُ لَا تَتَوَقَّفُ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِالْأَشْهُرِ، وَبِهَذَا لَزِمَ أَنْ يُرَادَ مِنْ الْآيَةِ بِأُولَاتِ الْأَحْمَالِ أُولَاتُ الْأَحْمَالِ حَالَ الْفُرْقَةِ اهـ فَتْحٌ
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ امْرَأَةِ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ بِهَا الْحَبَلُ بَعْدَ الْمَوْتِ) بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مَعَ حُدُوثِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَيْثُ تَعْتَدُّ لَا بِالْأَشْهُرِ مَعَ فَرْضِ حُدُوثِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَأَجَابَ بِمَنْعِ الْحُكْمِ بِحُدُوثِهِ فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ شَرْعًا، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِقِيَامِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَالْأَصْلُ التَّوَافُقُ بَيْنَ الْحُكْمِيِّ، وَالْوَاقِعُ الْآنَ يَتَحَقَّقُ خِلَافُهُ فَوَجَبَ كَوْنُهُ قَائِمًا عِنْدَ الْمَوْتِ حَقِيقَةً، وَحُكْمًا. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يُعْتَدَّ) أَيْ لَمْ يُحْتَسَبْ، وَهُوَ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ مُسْنَدٌ إلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مَنْقُوطٌ بِنُقْطَتَيْنِ تَحْتَانِيَّتَيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ بِنُقْطَتَيْنِ فوقا نِيَّتَيْنِ عَلَى إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى الْمَرْأَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَجَبَ) الَّذِي مَوْجُودٌ بِخَطِّ الشَّارِحِ فَإِذَا وَجَبَ. اهـ.
(قَوْلُهُ إذَا وَطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ) بِأَنْ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ أَوْ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ، وَقَالَ النِّسَاءُ إنَّهَا زَوْجَتُك. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ) مَعْنَى التَّدَاخُلِ جَعَلَ الْمَرْئِيَّ عَنْهُمَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ وَطِئَتْ بَعْدَ حَيْضَةٍ مِنْ الْعِدَّةِ الْأُولَى فَعَلَيْهَا حَيْضَتَانِ تَمَامُهَا، وَيُحْتَسَبُ بِهِمَا عِدَّةُ الثَّانِي، وَلِلْآخَرِ أَنْ يَخْطُبَهَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا فِي عِدَّتِهِ، وَلَا يَخْطُبُهَا غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا إذَا شَاءَ ثُمَّ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ الْآخَرِ
وَإِنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا بَعْدَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْ الثَّانِي حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّتَانِ بِالشُّهُورِ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ الْعِدَّتَانِ تَنْقَضِيَانِ بِمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ صُورَةُ الْأُولَى الْمُطَلَّقَةُ إذَا حَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ، وَوَطِئَهَا الثَّانِي، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَحَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ كَانَ لِهَذَا الزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِانْقِضَاءِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لِقِيَامِ عِدَّةِ الثَّانِي فِي حَقِّ الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ طَلَاقُ الْأَوَّلِ رَجْعِيًّا كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ حَيْضَتَيْنِ بَعْدَ تَفْرِيقِ الثَّانِي لِأَنَّهَا فِي عِدَّةِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الثَّانِي، وَإِنْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ وَقْتِ تَفْرِيقِ الثَّانِي تَنْقَضِي الْعِدَّتَانِ جَمِيعًا، وَصُورَةُ الثَّانِيَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ الْأُولَى بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ الثَّانِيَةُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ تَرَاهَا فِي الْأَشْهُرِ اهـ