لَهَا فِي الِابْتِدَاءِ فَكَيْفَ يُمْكِنُهَا أَنْ تُؤَخِّرَ إحْدَى الْعِدَّتَيْنِ، وَتَشْتَغِلَ بِالْأُخْرَى وَلَوْ كَانَ هَذَا مَشْرُوعًا لَأَمْكَنَهَا فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ تُؤَخِّرَهَا إلَى وَقْتِ وَاحِدٍ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأَمْرِ بِالتَّرَبُّصِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الِانْتِظَارُ، وَانْتِظَارَ أَشْيَاءَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مُمْكِنٌ، وَكَذَا الِامْتِنَاعُ عَنْ أَشْيَاءَ مُمْكِنٌ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ أَثَرُ النِّكَاحِ، وَحَقِيقَةَ النِّكَاحِ لَا تُنَافِي الْعِدَّةَ فَأَثَرُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يُنَافِيَهَا، وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ إذَا وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ، وَتَحْتَسِبُ بِمَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فِي خِلَالِهَا مِنْ الْعِدَّةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَبْدَأُ الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَهَا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهُمَا يَتَّصِفَانِ بِهِمَا عَقِيبَهُمَا فَيَكُونُ وَقْتَ ابْتِدَائِهَا ضَرُورَةً، وَلِأَنَّ السَّبَبَ نِكَاحٌ مُتَأَكِّدٌ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَالْفُرْقَةَ شَرْطٌ لِوُجُوبِهَا، وَقَدْ تَحَقَّقَ فَتَجِبُ حِينَئِذٍ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الطَّلَاقُ أَوْ الْمَوْتُ، وَهُوَ تَجَوُّزٌ لِكَوْنِهِ مُعْمِلًا لِلْعِلَّةِ وَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ فَقَدْ انْقَضَتْ لِأَنَّهَا أَجَلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ لِانْقِضَائِهِ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مُنْذُ زَمَانٍ قَالُوا فَإِنْ كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا، وَلَا أَرْبَعٍ سِوَاهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَاخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ أَنْ تَجِبَ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ عُقُوبَةً عَلَيْهِ زَجْرًا عَلَى كِتْمَانِهِ الطَّلَاقَ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى لِاعْتِرَافِهَا بِسُقُوطِهِ، وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَقَالَ السُّغْدِيُّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ فَلَا يُصَدَّقَانِ لِأَنَّ الْكَذِبَ فِي كَلَامِهِمَا ظَاهِرٌ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا) أَيْ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَقِيبَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ عَقِيبَ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ تَرَكْتُك أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَا مُجَرَّدَ الْعَزْمِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ لِأَنَّهُ الْمُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِهَا، وَلَنَا أَنَّ التَّمَكُّنَ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ أُقِيمَ مَقَامَ الْوَطْءِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ الدَّاعِي إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَةٌ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا كَنِكَاحِ أُخْتِهَا، وَلَا يُمْكِنُ بِنَاءُ الْأَحْكَامِ إلَّا عَلَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ) فَلَوْ لَمْ تَرَ فِيهَا دَمًا يَجِبُ أَنْ تَعْتَدَّ بَعْدَ الْأَشْهُرِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ اهـ فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ) قَالَ الْوَلْوَالِجَيُّ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَالْمُخْتَارُ لِلْمَشَايِخِ أَنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ، وَكَتَمَ الطَّلَاقَ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ زَجْرًا لَهُ، وَلَا تَجِبُ لَهَا نَفَقَةٌ الْعِدَّةِ وَمُؤْنَةُ السُّكْنَى لِأَنَّ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ وَمُؤْنَةَ السُّكْنَى حَقُّهَا، وَهِيَ أَقَرَّتْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا، وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ مَهْرًا ثَانِيًا بِالدُّخُولِ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ لَهَا بِذَلِكَ، وَهِيَ صَدَّقَتْهُ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ إنْ كَذَّبَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي كَانَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَفِي الْفَتْوَى عَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ تَصْدِيقِهَا إلَّا فِي إبْطَالِ النَّفَقَةِ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَشَايِخُنَا أَيْ مَشَايِخُ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ، وَاقْتِصَارُ النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ غَيْرُ جَيِّدٍ ثُمَّ فِيهِ تَرْكٌ لِشَرْحِ الْكِتَابِ. اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مُنْذُ كَذَا صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي الْإِسْنَادِ أَوْ كَذَّبَتْهُ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي فَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْإِسْنَادِ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَجَوَابُ مُحَمَّدٍ فِي الْكِتَابِ أَنَّ فِي التَّصْدِيقِ الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الْمُخْتَارَيْنِ اخْتَارُوا وُجُوبَ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا زَجْرًا لَهُ حَيْثُ كَتَمَ طَلَاقَهَا، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَعَلَى الزَّوْجِ الْمَهْرُ ثَانِيًا بِالدُّخُولِ لِإِقْرَارِهِ، وَتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ بِذَلِكَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ أَنَّ الزَّوْجَ يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ مِنْ زَمَانٍ مَاضٍ، وَتُصَدِّقَهُ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَجُوزَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا، وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا أَوْ يَجُوزَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُطَلَّقَةً الثَّلَاثَ فَيُصَدَّقُ زَوْجُهَا فِي إسْنَادِ الطَّلَاقِ إلَى زَمَانٍ مَاضٍ كَيْ يَجُوزَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا زَوْجُهَا فِي الْحَالِ فَلِنَفْيِ الْمُوَاضَعَةِ اعْتَبَرُوا وُقُوعَ طَلَاقِهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَا مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي أَسْنَدَ إلَيْهِ الطَّلَاقَ اهـ قَالَ الْكَمَالُ يُفِيدُ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُتَقَدِّمَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتٍ قَامَتْ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ فِي بَابِ الْمَهْرِ وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنَّمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ فَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ هُنَا مَعَ زُفَرَ مَذْكُورٌ هُنَاكَ أَيْضًا فَرَاجِعْ كَلَامَ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عَقِيبَ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ) وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالنِّصَابُ الْمُتَارَكَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ تَرَكْتُك أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَتَرَكْتُهَا، وَخَلَّيْت سَبِيلَهَا أَمَّا عَدَمُ الْمَجِيءِ فَلَا إذَا لِغَيْبَةٍ لَا تَكُونُ مُتَارَكَةً لِأَنَّهُ عَادَ بِعَوْدٍ، وَلَوْ أَنْكَرَ نِكَاحَهَا لَا تَكُونُ مُتَارَكَةً اهـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إلَخْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْوَطْءِ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَطَأْهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ التَّمَكُّنَ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ هُوَ شُبْهَةُ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الزِّنَا وَرَفْعُ تِلْكَ الشُّبْهَةِ بِالْفُرْقَةِ إمَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا أَوْ بِالْمُتَارَكَةِ، وَتُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ أَنَّ الْوَطْءَ، وَإِنْ وُجِدَ مِرَارًا لَا يَجِبُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ لِاسْتِنَادِ الْكُلِّ إلَى شُبْهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِالْفُرْقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ مِرَارًا لَا يَلْزَمُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute