شَيْءٍ ظَاهِرٍ، وَهُوَ الْمُتَارَكَةُ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ شُبْهَةُ النِّكَاحِ، وَرَفْعَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِالتَّفْرِيقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ الْمُتَارَكَةِ لَا يُحَدُّ، وَبَعْدَهُ يُحَدُّ، وَكَذَا الْوَطَآتُ فِيهِ لَا تُوجِبُ إلَّا مَهْرًا وَاحِدًا فَلَا تَكُونُ شَارِعَةً فِي الْعِدَّةِ حَتَّى تَرْتَفِعَ هَذِهِ الشُّبْهَةُ بِالتَّفْرِيقِ كَمَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَلِهَذَا لَا تَعْتَدُّ عَقِيبَ كُلِّ وَطْأَةٍ بَعْدَهَا وَطْءٌ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَاعْتَدَّتْ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَخَلَا الْوَطَآتُ بَعْدَهَا عَنْ شُبْهَةٍ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَتْ مَضَتْ عِدَّتِي، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْحَلِفِ) لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِيمَا تُخْبِرُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ أَوْ هَلَاكَهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَدْنَى الْمُدَّةِ الَّتِي تَصْدُقُ فِيهَا بِيَمِينِهَا، وَالِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِيهَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي آخِرِ بَابِ الرَّجْعَةِ فَلَا نُعِيدُهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ، وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ وَجَبَ مَهْرٌ تَامٌّ وَعِدَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ) أَيْ لَوْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ، وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةِ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةِ، وَعَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى بَطَلَتْ بِالتَّزَوُّجِ، وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّانِي، وَلَا كَمَالُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ إكْمَالَ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَجَبَ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُهُ حَالَ التَّزَوُّجِ الثَّانِي فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي ظَهَرَ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْأَمَةَ، وَلَيْسَ لَهَا وَلَدٌ مِنْهُ طَلْقَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ يَبْطُلُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ بِالشِّرَاءِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ وَطْؤُهَا ثُمَّ يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا بِالطَّلَاقِ السَّابِقِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا
وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ، وَلَمْ تَظْهَرْ الْعِدَّةُ ثُمَّ بِالْعِتْقِ تَظْهَرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ أُعْتِقَتْ، وَتَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ إلَى أَنْ تَمْضِيَ عِدَّةُ النِّكَاحِ وَهِيَ حَيْضَتَانِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ أَوْ الشِّرَاءِ لِأَنَّهَا عِدَّةُ النِّكَاحِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِيمَا بَقِيَ لِأَنَّهَا عِدَّةُ أُمِّ وَلَدٍ، وَلَهُمَا أَنَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ
وَإِذَا وَطِئَهَا مَرَّةً بَعْدَ الْفُرْقَةِ يَجِبُ الْحَدُّ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ، وَالْوَطْءُ الْأَخِيرُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ فَلَا يَكُونُ الَّذِي قَبْلَهُ أَخِيرًا، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا عَلَى وُقُوفِ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَعْتَدُّ فَنَقُولُ قَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى وُقُوفِ غَيْرِهَا نَحْوَ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا، وَلَا وُقُوفَ لِلْغَيْرِ فَلَمَّا كَانَ الْوَطْءُ الْأَخِيرُ خَفِيًّا أُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ حَقِيقَةً بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ ثُمَّ لَمَّا ارْتَفَعَ ذَلِكَ التَّمَكُّنُ بِالْفُرْقَةِ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَخَلَتْ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ، وَخَلَا. اهـ.
(قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْحَلِفِ إلَخْ) فَإِنْ حَلَفَتْ صُدِّقَتْ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُرِيدُ بِهِ فِي حَقِّ الْمُرَاجَعَةِ يَعْنِي إنْ حَلَفَتْ بَطَلَتْ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ نَكَلَتْ لَمْ تَبْطُلْ بَلْ بَقِيَتْ كَمَا كَانَتْ. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ، وَهَذَا لَيْسَ بِاسْتِحْلَافٍ عَلَى الرَّجْعَةِ بَلْ عَلَى بَقَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا يَرِدُ نَقْضًا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ هَذَا مَا إذَا كَذَّبَهَا مَعَ كَوْنِ الْمُدَّةِ تَحْتَمِلُ انْقِضَاءَهَا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ شَهْرَانِ عِنْدَهُ، وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَحْتَمِلْهُ الْمُدَّةُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَصْلًا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ إلَى آخِرِ الْمَقَالَةِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ طَلَّقَ الْمَدْخُولَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ زُفَرَ كَمَا فِي الْبَائِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ وَأَشْعَثَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ سَرُوجِيٍّ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةِ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ زُفَرَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ إسْقَاطَهَا بِالْكُلِّيَّةِ يُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا فَيَتَزَوَّجُهَا ثَانٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فَلَا يُعْلَمُ فَرَاغُ الرَّحِمِ. اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمَا قَالَهُ زُفَرُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إبْطَالَ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِهَا، وَهُوَ عَدَمُ اشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا مِنْ يَوْمِهِ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ مِنْ غَيْرِ عِدَّةٍ عَنْ الطَّلَاقِ، وَفِي ذَلِكَ اشْتِبَاهُ النَّسَبِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ الْمُتْعَةِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ سُمِّيَ فِيهِ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ) وَكَذَا الشَّافِعِيُّ وَرِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ) أَيْ وَالْخَلْوَةُ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَذَلِكَ) أَيْ أَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى بَطَلَتْ بِالتَّزْوِيجِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ مِنْهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَجُلٌ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ، وَهِيَ أَمَةٌ، وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَسَدَ النِّكَاحُ، وَكَانَتْ حَلَالًا لَهُ بِالْمِلْكِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَتَزَيَّنَ، وَلَا تَتَّقِيَ الطِّيبَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَدَّةٍ فِي حَقِّهِ فَإِنَّ الْعِدَّةَ أَثَرُ النِّكَاحِ فَكَمَا أَنَّ الْمِلْكَ يُنَافِي النِّكَاحَ يُنَافِي أَثَرَهُ لَكِنَّهَا مُعْتَدَّةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَتَيْنِ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَكَانَتْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ ثُمَّ إذَا أَعْتَقَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ حِينَ اشْتَرَاهَا بَعْدَمَا وَلَدَتْ بِالنِّكَاحِ، وَعَلَى أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ لَكِنَّهَا تَتَّقِيَ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ فِي الْحَيْضَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ عَلَيْهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَدَّ إذَا لَمْ يَلْزَمْهَا عِنْدَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ فَلَا يَلْزَمُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ عَلَيْهَا بِالْفُرْقَةِ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِكَوْنِهَا حَلَالًا لَهُ بِالْمِلْكِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَظَهَرَتْ تِلْكَ الْعِدَّةُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَالْعِدَّةُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ يَجِبُ فِيهَا الْحِدَادُ فَأَمَّا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَلَا حِدَادَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِسَبِيلِ النِّكَاحِ بَلْ بِالْعِتْقِ، وَلَا حِدَادَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا اهـ