أَيْ إنْ لَمْ تَجِئْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ بَلْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَثْبُتُ لِأَنَّ حَمْلَ أَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ مُمْكِنٌ فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَفِي ضِدِّهِ حَمْلُهُ عَلَى الزِّنَا، وَهُوَ مُنْتَفٍ عَنْ الْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْوَلَدِ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ فِي النَّسَبِ فَيُرَدُّ إقْرَارُهَا، وَلَنَا أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي رَحِمِهَا، وَقَدْ أَخْبَرَتْ بِمُضِيِّ عِدَّتِهَا، وَهُوَ مُمْكِنٌ فَوَجَبَ قَبُولُ خَبَرِهَا حَمْلًا لِكَلَامِهَا عَلَى الصِّحَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَطْعِهِ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزِّنَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَحَبِلَتْ مِنْهُ فَحُمِلَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ مَعَ أَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ بِقَوْلِ الْأَمِينِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُكَذَّبًا شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُصَدَّقُ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَقْرَاءِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ إبْطَالَ حَقِّ الزَّوْجِ فِي الرَّجْعَةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُعْتَدَّةُ إنْ جُحِدَتْ وِلَادَتُهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ، وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ حَبَلٍ ظَاهِرٍ أَوْ إقْرَارٍ بِهِ أَوْ تَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُعْتَدَّةِ إنْ جَحَدَتْ وِلَادَتُهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ إلَى آخِرِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ أَوْ وَفَاةٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ قَابِلَةٍ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ إذْ مَعْنَى الْفِرَاشِ أَنْ تَتَعَيَّنَ الْمَرْأَةُ لِلْوِلَادَةِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَالْمُعْتَدَّةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَالْفِرَاشُ يُلْزِمُ النَّسَبَ، وَالْحَاجَةُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى إثْبَاتِ الْوِلَادَةِ وَتَعْيِينِ الْوَلَدِ، وَذَلِكَ يَثْبُتُ بِالْقَابِلَةِ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ الْحَبَلِ الظَّاهِرِ أَوْ إقْرَارِ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِإِقْرَارِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَزَالَ الْفِرَاشُ، وَالْمُنْقَضِي لَا يَكُونُ حُجَّةً فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ ابْتِدَاءً فَيُشْتَرَطُ فِيهِ كَمَالُ الْحُجَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِالْفِرَاشِ، وَالْحَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ
وَقَوْلُهُ وَالْمُعْتَدَّةُ إنْ جَحَدَتْ وِلَادَتُهَا يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْمُعْتَدَّاتِ، وَفِي الرَّجْعِيِّ إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَيْسَ بِمُنْقَضٍ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهَا تَكُونُ مُرَاجَعَةً لِكَوْنِ الْعُلُوقِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِهَا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ آخَرَ كَمَا فِي الْمَنْكُوحَةِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ قَيَّدَهُ بِقَيْدَيْنِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ بِدُونِ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُنْكِرًا لِلْوِلَادَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ لِأَنَّ ظُهُورَ الْحَبَلِ كَإِقْرَارِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَائِنِ، وَالرَّجْعِيِّ أَيْضًا عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِوَضْعِهِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ إلَى شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عِنْدَ اعْتِرَافِهِ بِالْحَبَلِ، وَعِنْدَ ظُهُورِ الْحَبَلِ، وَعِنْدَ قِيَامِ الْفِرَاشِ، وَأَنْكَرَ عَلَى صَاحِبِ مُلْتَقَى الْبِحَارِ فِي اشْتِرَاطِهِ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ لِتَعْيِينِ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ سَهْوٌ فَإِنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ لَا بُدَّ مِنْهَا لِتَعْيِينِ الْوَلَدِ إجْمَاعًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كُلِّهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ثُبُوتِ نَفْسِ الْوِلَادَةِ بِقَوْلِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ بِهِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ
وَأَمَّا نَسَبُ الْوَلَدِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُوَ غَيْرُ هَذَا الْمُعَيَّنِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ حُكْمٍ آخَرَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِأَنْ عَلَّقَهُمَا بِوِلَادَتِهَا حَتَّى يَقَعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهَا وَلَدَتْ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ لِاعْتِرَافِهِ بِالْحَبَلِ أَوْ لِظُهُورِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى تَشْهَدَ قَابِلَةٌ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِيضَاحِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الْغَايَةِ أَخَذَهُ مِنْ الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَمَا ذَكَرَهُ هُوَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ يَثْبُتُ بِغَيْرِ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعِيدُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْوِلَادَةِ، وَالتَّعْيِينُ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا أَيْ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَلَوْلَا هَذَا التَّأْوِيلُ لَكَانَ مُتَنَاقِضًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تَكُونُ حُجَّةً فِي تَعْيِينِ الْوَلَدِ إلَّا إذَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ مِنْ ظُهُورِ حَبَلٍ أَوْ اعْتِرَافٍ مِنْهُ أَوْ فِرَاشٍ قَائِمٍ نُصَّ عَلَيْهِ فِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ، وَغَيْرِهِ ثُمَّ قِيلَ تُقْبَلُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْهِدَايَةِ وَإِنْ اعْتَرَفَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ فَيَبْطُلُ الْإِقْرَارُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ بِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ لِاحْتِمَالِ الْحُدُوثِ بَعْدَهُ اهـ (قَوْلُهُ أَيْ إنْ لَمْ تَجِئْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَخْ) كَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ أَيْ إنْ لَمْ تَجِئْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَلْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ يَظْهَرْ لَك صِحَّةُ مَا قَرَّرَنَا. اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ) أَيْ، وَهُوَ الْوَلَدُ هـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُعْتَدَّةِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَالْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ حَبَلٍ ظَاهِرٍ) قَالَ فِي الْمُخْتَلِفِ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِمُؤَيِّدٍ، وَهُوَ ظُهُورُ الْحَبَلِ أَوْ إقْرَارُ الزَّوْجِ أَوْ قِيَامُ الْفِرَاشِ حَتَّى إنَّ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ وَفَاةٍ إذَا كَذَّبَهَا الْوَرَثَةُ فِي الْوِلَادَةِ، وَفِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ، وَفِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْوِلَادَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ إلَّا عِنْدَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَرَائِنِ، وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُخْتَلِفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَثْبُتُ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ إنْ جَحَدَتْ وِلَادَتَهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) يَعْنِي إذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَدًا، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الْوِلَادَةَ لَمْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ، وَامْرَأَتَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ فِي الْجَمِيعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مُسْلِمَةٍ عَدْلَةٌ حُرَّةٍ. اهـ. رَازِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ أَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا، وَالِاعْتِرَافُ ثَابِتًا أَوْ لَمْ يَكُنْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفَسَّرَ فِي شَرْحِ الْكَافِي الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ بِالْقَابِلَةِ اهـ
(قَوْلُهُ إذْ مَعْنَى الْفِرَاشِ أَنْ تَتَعَيَّنَ الْمَرْأَةُ لِلْوِلَادَةِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ) حَتَّى إنَّ كُلَّ وَلَدٍ يَحْدُثُ مِنْهَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنَّمَا إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ بِهِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ) أَيْ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute