للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهَادَةُ الرَّجُلَيْنِ، وَلَا يَفْسُقَانِ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ إمَّا لِكَوْنِهِ قَدْ يَتَّفِقُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ نَظَرٍ، وَلَا تَعَمُّدٍ أَوْ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي شُهُودِ الزِّنَا

وَقَوْلُهُ أَوْ تَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ بِتَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يُصَدِّقُوهَا فِيمَا قَالَتْ، وَلَمْ يَشْهَدُوا بِهِ، وَهَذَا الثُّبُوتُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ، وَيَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ أَيْضًا اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَهُوَ الْمَيِّتُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ، وَهَذَا لِأَنَّ ثُبُوتَ نَسَبِهِ بِاعْتِبَارِ فِرَاشِهِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ، وَيَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ أَيْضًا إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ كَانَ فِيهِمْ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ، وَامْرَأَتَانِ عُدُولٌ فَيُشَارِكُ الْمُصَدِّقِينَ وَالْمُكَذِّبِينَ جَمِيعًا، وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْكُلِّ إلَّا بِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَلِهَذَا شُرِطَ التَّصْدِيقُ فِي الْمُخْتَصَرِ دُونَ لَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الثُّبُوتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ تَبَعٌ لِلثُّبُوتِ فِي حَقِّهِمْ، وَالتَّبَعُ يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْمَتْبُوعُ لَا شَرَائِطُ نَفْسِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَنْكُوحَةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا، وَإِنْ سَكَتَ وَإِنْ جَحَدَ فَبِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ، وَإِنْ جَحَدَ الْوِلَادَةَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ، وَالْمُدَّةَ تَامَّةٌ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِهِ اعْتَرَفَ بِهِ أَوْ سَكَتَ أَوْ أَنْكَرَ حَتَّى لَوْ نَفَاهُ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَنْكُوحَةِ، وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَجِبُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ نَسَبٍ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ حَدٌّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّا نَقُولُ النَّسَبُ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِهَا تَعْيِينُ الْوَلَدِ ثُمَّ يَثْبُتُ النَّسَبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْفِرَاشِ ضَرُورَةً كَوْنُهُ مَوْلُودًا فِي فِرَاشِهِ ثُمَّ نَفْيُهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْوَاحِدِ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا كَالْحُدُودِ تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ، وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ، وَكَذَا لَوْ أُسْقِطَتْ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِينُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وَلَدَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَتْ نَكَحْتنِي مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَادَّعَى الْأَقَلَّ فَالْقَوْلُ لَهَا وَهُوَ ابْنُهُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهَا فَإِنَّهَا تَلِدُ ظَاهِرًا مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ. فَإِنْ قِيلَ الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَوَادِثَ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَالنِّكَاحُ حَادِثٌ قُلْنَا النَّسَبُ مِمَّا يُحْتَالُ لِإِثْبَاتِهِ احْتِيَاطًا إحْيَاءً لِلْوَلَدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْإِيمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ، وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَثْبُتُ بِهِ، وَيَجِبُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هُنَا فِي النَّسَبِ وَالنِّكَاحِ، وَهُوَ مِنْ السِّتَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَمَوْضِعُهَا الدَّعَاوَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا، وَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَمْ تَطْلُقْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا تَطْلُقُ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ حُجَّةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ» أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقْبَلُ عَلَى الْوِلَادَةِ فَكَذَا مَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا، وَهُوَ الطَّلَاقُ، وَلَهُ أَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ لِأَنَّ قَبُولَ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَةِ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ أَوْ لِلضَّرُورَةِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ شَهِدَ عَلَى الْوِلَادَةِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِأَنْ دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ بَيْتًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا، وَلَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ، وَالرَّجُلَانِ عَلَى الْبَابِ حَتَّى وَلَدَتْ، وَعَلِمَا الْوِلَادَةَ بِرُؤْيَةِ الْوَلَدِ أَوْ سَمَاعِ صَوْتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ وَيَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ) يَعْنِي الْمُنْكَرِينَ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَغَرِيمَ الْمَيِّتِ فَإِذَا كَانَ الْمُصَدِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ حَتَّى يُشَارِكَ الْوَلَدُ الْمُنْكَرِينَ أَيْضًا فِي الْإِرْثِ، وَيُطَالِبَ غَرِيمُ الْمَيِّتِ بِدَيْنِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ فِيهِمْ) أَيْ فِي الْوَرَثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ) أَيْ مِنْ الْوَرَثَةِ اهـ

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ النَّسَبَ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا شَرَائِطُ نَفْسِهِ) كَثُبُوتِ الْإِقَامَةِ مِنْ الْجُنْدِ إذَا كَانُوا فِي الْمَفَازَةِ أَوْ الْبَحْرِ مُقِيمِينَ تَبَعًا لِسُلْطَانِهِمْ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي الْمِصْرِ، وَلَمْ يُرَاعِ الْإِقَامَةَ فِي حَقِّهِمْ، وَهُوَ بُيُوتُ الْمَدَرِ تَبَعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَنْكُوحَةِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ جَحَدَ فَبِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ فِي الْوِلَادَةِ، وَتَعْيِينِ الْوَلَدِ صَحِيحَةٌ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِدَعْوَةِ الرَّجُلِ بِقَوْلِهِ فَهُوَ مِنِّي ثُمَّ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَابِعَةٌ لِثَبَاتِ النَّسَبِ فَتَثْبُتُ الْأُمُومِيَّةُ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ فَقَالَ الزَّوْجُ لَمْ تَلِدِيهِ فَشَهِدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ فَنَفَاهُ الزَّوْجُ لَاعَنَ، وَأَرَادَ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

أَمَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْهُ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ عَلَيْهَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ فَيَثْبُتُ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَهُوَ ابْنُهُ) وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِهَذَا الْكَلَامِ، وَإِنْ دَامَ الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَلْزَمَهُ النَّسَبَ صَارَ مُكَذَّبًا، وَصَارَ كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ هَذِهِ بِنْتِي، وَدَامَ عَلَيْهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ فَكَذَلِكَ هُنَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ وَلَدْت، وَشَهِدَتْ الْقَابِلَةُ بِالْوِلَادَةِ، وَلَمْ يُقِرَّ الزَّوْجُ بِالْحَبَلِ وَلَمْ يَكُنْ الْحَبَلُ ظَاهِرًا لَمْ تُقْبَلْ لِلطَّلَاقِ لِأَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَيَحْتَاجُ إلَى حُجَّةٍ تَامَّةٍ، وَلَمْ تُوجَدْ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ لِلطَّلَاقِ. اهـ. رَازِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>