التَّيَمُّمِ دُونَ الصَّلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ نُقْطَةً مِنْ الدَّمِ لَوْ وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ مَنَعَتْ مِنْ التَّطَهُّرِ بِهِ وَفِي الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَفْتَقِرُ إلَى طَهَارَةِ الصَّعِيدِ وَطَهُورِيَّتُهُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالصَّلَاةُ تَفْتَقِرُ إلَى طَهَارَةِ الْمَكَانِ لَا غَيْرُ وَبِالْخَبَرِ تَثْبُتُ الطَّهَارَةُ دُونَ الطَّهُورِيَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَفَا قَدْرَ الدِّرْهَمِ كَعَرْضِ الْكَفِّ مِنْ نَجَسٍ مُغَلَّظٍ كَالدَّمِ وَالْخَمْرِ وَخَرْءِ الدَّجَاجِ وَبَوْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ وَالرَّوْثِ وَالْخِثْيِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ كَكَثِيرِهَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ بِتَطْهِيرِهَا لَمْ تَفْصِلْ إلَّا أَنَّ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ خَارِجٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ كَالذُّبَابِ يَقَعُ عَلَى النَّجَسِ، ثُمَّ عَلَى الثِّيَابِ، وَكَذَا مَوْضِعُ الِاسْتِنْجَاءِ وَهُوَ الْمَخْرَجُ خَارِجٌ عَنْهَا لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ مَعْفُوٌّ إجْمَاعًا فَقَدَّرْنَاهُ بِالدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ مُقَدَّرٌ بِهِ قَالَ النَّخَعِيّ اسْتَقْبَحُوا ذِكْرَ الْمَقْعَدَةِ فِي مَحَافِلِهِمْ فَكَنَّوْهَا بِالدِّرْهَمِ؛ وَلِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَشْمَلُ الْمُقْعَدَةَ وَغَيْرَهَا فَيُعْفَى لِلْحَرَجِ، ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الدِّرْهَمِ فَقِيلَ: يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ الْمِثْقَالِ وَقِيلَ بِالْمِسَاحَةِ وَهُوَ قَدْرُ عَرْضِ الْكَفِّ وَوَفَّقَ أَبُو جَعْفَرٍ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ أَرَادَ مُحَمَّدٌ بِذِكْرِ الْعَرْضِ تَقْدِيرَ النَّجَاسَةِ الْمَائِعَةِ وَبِذِكْرِ الْوَزْنِ تَقْدِيرَ النَّجَاسَةِ الْمُسْتَجْسَدَةِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ يُعْتَبَرُ بِدِرْهَمٍ زَمَانُهُ وَقَدْ قَالُوا إذَا أَصَابَ ثَوْبَهُ دُهْنٌ نَجِسٌ فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ ازْدَادَ حَتَّى صَارَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَصَلَّى فِيهِ فَالْأُولَى جَائِزَةٌ وَالثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَرْغِينَانِيِّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا دُونَ رُبْعِ الثَّوْبِ مِنْ مُخَفَّفٍ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ وَالْفَرَسِ وَخَرْءِ طَيْرٍ لَا يُؤْكَلُ) أَيْ عُفِيَ مَا دُونَ رُبُعِ الثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ وَلِلرُّبْعِ حُكْمُ الْكُلِّ فِي الْأَحْكَامِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ اعْتِبَارِهِ فَقِيلَ رُبُعُ جَمِيعِ ثَوْبٍ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رُبُعُ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَالْمِئْزَرِ وَقِيلَ رُبْعُ طَرَفٍ أَصَابَتْهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مِنْ نَجَسٍ مُغَلَّظٍ كَالدَّمِ) وَالْمُرَادُ بِالدَّمِ غَيْرُ الْبَاقِي فِي الْعُرُوقِ وَفِي حُكْمِهِ اللَّحْمُ الْمَهْزُولُ إذَا قُطِعَ فَالدَّمُ الَّذِي فِيهِ لَيْسَ نَجِسًا، وَكَذَا الدَّمُ الَّذِي فِي الْكَبِدِ لَا مِنْ غَيْرِهِ كَذَا قِيلَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَمًا فَقَدْ جَاوَرَ الدَّمَ وَالشَّيْءُ يَنْجُسُ بِمُجَاوَرَةِ النَّجَسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْبَاقِي أَنَّهُ مَعْفُوٌّ فِي الْأَكْلِ لَا الثَّوْبِ وَغَيْرُ دَمِ الشَّهِيدِ مَا دَامَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ مُلَطَّخًا بِهِ فِي الصَّلَاةِ صَحَّتْ بِخِلَافِ قَتِيلٍ غَيْرِ الشَّهِيدِ لَمْ يُغَسَّلْ أَوْ غُسِّلَ وَكَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَعَيْنُ الْمِسْكِ قَالُوا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ كَوْنِهِ دَمًا وَلَمْ أَرَ لَهُ تَعْلِيلًا وَذَاكَرْت بَعْضَ الْإِخْوَانِ مِنْ الْمَغَارِبَةِ فِي الزَّبَادِ فَقُلْت لَهُ يُقَالُ أَنَّهُ عَرَقُ حَيَوَانٍ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ فَقَالَ مَا يُحِيلُهُ الطَّبْعُ إلَى صَلَاحٍ كَالظَّبْيَةِ يَخْرُجُ عَنْ النَّجَاسَةِ كَالْمِسْكِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالرَّوْثُ وَالْخِثْيِ) وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا شَيْخُهُ السِّيرَامِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ مَا يَكُونُ لِذِي ظِلْفٍ وَيُجْمَعُ عَلَى أَخْثَاءَ وَخَثِيٍّ. اهـ. عَيْنِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ) وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: ٤].
(قَوْلُهُ: فَقَدَّرْنَاهُ بِالدِّرْهَمِ إلَى آخِرِهِ) وَلَا يُعْتَبَرُ نُفُوذُ الْمِقْدَارِ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ إذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ حِينَئِذٍ وَاحِدٌ فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَا طَاقَيْنِ لِتَعَدُّدِهَا فَيَمْنَعُ وَعَنْ هَذَا فُرِّعَ الْمَنْعُ لَوْ صَلَّى مَعَ دِرْهَمٍ مُتَنَجِّسِ الْوَجْهَيْنِ لِوُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَ وَجْهَيْهِ وَهُوَ جَوَاهِرُ سُمْكِهِ؛ وَلِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْفُذُ نَفْسُ مَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ فَلَمْ تَكُنْ النَّجَاسَةُ فِيهِمَا مُتَّحِدَةً ثَمَّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَانِعُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَوْ جَلَسَ الصَّبِيُّ الْمُتَنَجِّسُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي حِجْرِ الْمُصَلِّي وَهُوَ يَسْتَمْسِكُ أَوْ الْحَمَّامُ الْمُتَنَجِّسُ عَلَى رَأْسِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ فَلَمْ يَكُنْ حَامِلَ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَمَلَ مَنْ لَا يَسْتَمْسِكُ حَيْثُ يَصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ هَذَا وَالصَّلَاةُ مَكْرُوهَةٌ مَعَ مَا لَا يَمْنَعُ حَتَّى قِيلَ لَوْ عَلِمَ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ يَرْفُضُهَا مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْوَقْتِ أَوْ الْجَمَاعَةِ. اهـ. فَتْحٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي الدِّرْهَمِ الَّذِي تَنَجَّسَ جَانِبَاهُ مَشَى عَلَيْهِ الْوَلْوَالِجِيُّ فَقَالَ أَمَّا إذَا كَانَ الثَّوْبُ ذَا طَاقَيْنِ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَتَعَدَّدَتْ النَّجَاسَةُ وَكَذَلِكَ الدِّرْهَمُ فَإِنَّ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ فَاصِلًا فَاعْتُبِرَ كُلُّ جَانِبٍ فِي نَفْسِهِ اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَنَفَذَتْ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ حَيْثُ لَوْ ضُمَّ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ إلَى الْآخَرِ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ هَلْ يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الثَّوْبُ ذَا طَاقَيْنِ مَنَعَ أَوْ ذَا طَاقٍ وَاحِدٍ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ اهـ. قَوْلُهُ: وَعَنْ هَذَا فُرِّعَ الْمَنْعُ قَالَ قَاضِي خَانْ إذَا صَلَّى وَمَعَهُ دِرْهَمٌ تَنَجَّسَ جَانِبَاهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْكُلَّ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ. اهـ. .
(فَرْعٌ) يَحْفَظُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ مَنْ انْتَهَى إلَى الْقَوْمِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَهُوَ يَخْشَى أَنَّهُ إنْ غَسَلَهُ تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَغْسِلُهُ لِأَنَّ غَسْلَهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهِ وَمَتَى دَخَلَ الْجَمَاعَةَ صَارَ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ. اهـ. .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ قُبَيْلَ بَابِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مَا نَصُّهُ إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ إنْ كَانَ مُقْتَدِيًا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَغَسَلَ النَّجَاسَةَ يُدْرِكُ إمَامَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يُدْرِكُ جَمَاعَةً أُخْرَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَغْسِلُ الثَّوْبَ لِأَنَّ قَطْعَ الصَّلَاةِ لِلْإِكْمَالِ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ لَا يُدْرِكُ جَمَاعَةً أُخْرَى مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمَا دُونَ رُبْعِ الثَّوْبِ) أَيْ أَيُّ ثَوْبٍ كَانَ.
(قَوْلُهُ: وَالْفَرَسُ) أَيْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ طَاهِرٌ وَأَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ. اهـ. ع.
(قَوْلُهُ: فَقِيلَ رُبُعُ جَمِيعِ ثَوْبٍ عَلَيْهِ) فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ الثَّوْبُ الَّذِي عَلَيْهِ إنْ كَانَ شَامِلًا اُعْتُبِرَ رُبُعُهُ وَإِنْ كَانَ أَدْنَى مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ اُعْتُبِرَ رُبُعُهُ؛ لِأَنَّهُ الْكَثِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَابِ. اهـ. فَتْحٌ