للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّجَاسَةُ كَالذَّيْلِ وَالْكُمِّ وَالدِّخْرِيصِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ وَعَنْهُ ذِرَاعٌ فِي ذِرَاعٍ وَمِثْلُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْكَثِيرَ الْفَاحِشَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْقَدَمَيْنِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَحُدَّ لِذَلِكَ حَدًّا، وَقَالَ: إنَّ الْفَاحِشَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ طِبَاعِ النَّاسِ فَوَقَفَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْغَلِيظَةُ وَالْخَفِيفَةُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْغَلِيظَةُ مَا ثَبَتَتْ نَجَاسَتُهُ بِنَصٍّ لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرُ يُخَالِفُهُ كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ تَعَارُضُ نَصَّيْنِ.

وَالْخَفِيفَةُ مَا تَعَارَضَ النَّصَّانِ فِي نَجَاسَتِهِ وَطَهَارَتِهِ وَكَانَ الْأَخْذُ بِالنَّجَاسَةِ أَوْلَى لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ مِثْلَ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ» يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَخَبَرِ الْعُرَنِيِّينَ يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ فَخَفَّ حُكْمُهُ لِلتَّعَارُضِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَا سَاغَ الِاجْتِهَادُ فِي طَهَارَتِهِ فَهُوَ مُخَفَّفٌ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ حُجَّةٌ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الرَّوْثِ وَالْخِثْي وَالْبَعْرِ وَنَحْوِهَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُغَلَّظَةٌ؛ لِأَنَّ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ «أَنَّهُ أَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: إنَّهَا رِكْسٌ» لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرُ وَلَا اعْتِبَارَ عِنْدَهُ بِالْبَلْوَى فِي مَوْضِعِ النَّصِّ كَمَا فِي بَوْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْبَلْوَى فِيهِ أَعَمُّ وَعِنْدَهُمَا مُخَفَّفَةٌ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ فَإِنَّ مَالِكًا يَرَى طَهَارَتَهَا وَلِعُمُومِ الْبَلْوَى لِامْتِلَاءِ الطُّرُقِ بِهَا بِخِلَافِ بَوْلِ الْحِمَارِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُنَشِّفُهُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الرَّوْثَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَاحِشًا وَهُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ حِينَ كَانَ بِالرَّيِّ مَعَ الْخَلِيفَةِ فَرَأَى الطُّرُقَ وَالْخَانَاتِ مَمْلُوءَةً بِهَا وَلِلنَّاسِ فِيهَا بَلْوَى عَظِيمَةٌ فَرَجَعَ إلَيْهِ وَقَاسُوا عَلَيْهِ طِينَ بُخَارَى؛ لِأَنَّ مَمْشَى النَّاسِ وَالدَّوَابِّ فِيهَا وَاحِدٌ وَعِنْدَ ذَلِكَ يُرْوَى رُجُوعُهُ فِي الْخُفِّ إلَى قَوْلِهِمَا إذَا أَصَابَهُ عَذِرَةٌ حَتَّى قَالَ: يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ وَفِي الرَّوْثِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّلْكِ عِنْدَهُ لِمَا قُلْنَا.

وَأَمَّا بَوْلُ الْفَرَسِ فَقَدْ تَعَارَضَ فِيهِ نَصَّانِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ كَرَاهَةَ أَكْلِهِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ لِكَرَامَتِهِ كَلَحْمِ الْآدَمِيِّ فَصَارَ مُخَفَّفًا؛ لِأَنَّهُ بَوْلُ بَهَائِمَ طَاهِرَةِ اللَّحْمِ فَيَكُونُ التَّعَارُضُ فِيهِ مَوْجُودًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَأْكُولٌ فَيَكُونُ بَوْلُهُ مُخَفَّفًا عِنْدَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ وَقَوْلُهُ وَخَرْءِ طَيْرٍ لَا يُؤْكَلُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مُغَلَّظَةٌ فِي رِوَايَةِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَفِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجِسٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً، وَقِيلَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّخْفِيفِ أَيْضًا فَحَصَلَ لِأَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ وَلِمُحَمَّدٍ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ وَهُوَ أَنَّ نَجَاسَتَهُ مُخَفَّفَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مُغَلَّظَةٌ وَجْهُ طَهَارَتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ نَتِنٌ وَخَبَثٌ رَائِحَةً وَلَا يُنَحَّى شَيْءٌ مِنْ الطُّيُورِ عَنْ الْمَسَاجِدِ فَعِلْمنَا أَنَّ خَرْءَ جَمِيعِ الطُّيُورِ طَاهِرٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: فَوَقَفَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ) وَالْأَوْجَهُ إنْكَالُهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى إنْ اسْتَفْحَشَهُ مَنَعَ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. زَادُ الْفَقِيرِ.

(قَوْلُهُ: اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً وَهُوَ عَامٌّ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّعْدِيَةِ لَا لِلتَّبْعِيضِ وَالْبَوْلُ مُحَلَّى بِاللَّامِ لِلْجِنْسِ فَيَعُمُّ كُلَّ بَوْلٍ وَقَدْ أَمَرَ بِطَلَبِ النَّزَاهَةِ مِنْهُ وَالطَّاهِرُ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِنْزَاهِ مِنْهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَا اعْتِبَارَ عِنْدَهُ بِالْبَلْوَى) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا قِيلَ أَنَّ الْبَلْوَى لَا تُعْتَبَرُ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ عِنْدَهُ كَبَوْلِ الْإِنْسَانِ مَمْنُوعٌ بَلْ تُعْتَبَرُ إذَا تَحَقَّقَتْ لِلنَّصِّ النَّافِي لِلْحَرَجِ وَهُوَ لَيْسَ مُعَارَضَةً لِلنَّصِّ بِالرَّأْيِ وَالْبَلْوَى فِي بَوْلِ الْإِنْسَانِ فِي الِانْتِضَاحِ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ لَا فِيمَا سِوَاهُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِأَغْلَبِيَّةِ عُسْرِ الِانْفِكَاكِ وَذَلِكَ إنْ تَحَقَّقَ فِي بَوْلِ الْإِنْسَانِ فَكَمَا قُلْنَا وَقَدْ رَتَّبْنَا مُقْتَضَاهُ إذْ قَدْ أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ اهـ.

{فَرْعٌ} قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةُ وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الشَّاةِ وَبَوْلُ الْآدَمِيِّ تُجْعَلُ الْخَفِيفَةُ تَبَعًا لِلْغَلِيظَةِ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ رَأَى عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ نَجَاسَةً أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ اشْتَغَلَ بِغَسْلٍ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ مُفِيدٌ وَإِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى كَلَامِهِ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَار لَا يُفِيدُ قَالُوا وَمَشَايِخُنَا قَاسُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى هَذَا إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَسْتَمِعُونَ قَوْلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ مَاءُ فَمِ النَّائِمِ طَاهِرٌ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْفَمِ أَوْ مُنْبَعِثًا مِنْ الْجَوْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ فِيهِ لَوْنُ الدَّمِ فَهُوَ نَجِسٌ وَعِنْدَهُمَا طَاهِرٌ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَاءُ فَمِ الْمَيِّتِ قِيلَ: إنَّهُ نَجِسٌ. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةُ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ الْمَاءُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ فَمِ النَّائِمِ طَاهِرٌ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْبَلْغَمِ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ مَاءُ فَمِ النَّائِمِ إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ فَهُوَ طَاهِرٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْبَلْغَمِ أَوْ مُنْبَعِثًا مِنْ الْجَوْفِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمَاءِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْفَمِ حَالَةَ النَّوْمِ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْبَلْغَمِ فَيَكُونُ طَاهِرًا كَيْفَمَا كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.

(قَوْلُهُ: فَقَدْ تَعَارَضَ فِيهِ نَصَّانِ) نَصُّ جَوَازِ أَكْلِهِ وَنَصُّ النَّهْيِ عَنْهُ. اهـ. يَحْيَى.

(قَوْلُهُ: لِأَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ) الْوَاقِعُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ وَمَعَ مُحَمَّدٍ عَلَى رِوَايَةِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَحَصَّلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ خَفِيفٌ وَرِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ طَاهِرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ غَلِيظٌ وَرِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ طَاهِرٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ غَلِيظٌ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. اهـ. فَتْحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>