للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ وَوَجْهُ التَّغْلِيظِ أَنَّهُ لَا تَكْثُرُ إصَابَتُهُ وَقَدْ غَيَّرَهُ طَبْعُ الْحَيَوَانِ إلَى خَبَثٍ وَنَتِنٍ فَصَارَ كَخَرْءِ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا مَرَّ فَكَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغٌ وَوَجْهُ التَّخْفِيفِ عُمُومُ الْبَلْوَى وَالضَّرُورَةِ وَهِيَ تُوجِبُ التَّخْفِيفَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَبَوْلٌ انْتَضَحَ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ) وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ قَدْرَ الدِّرْهَمِ أَيْ عُفِيَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ وَدَمُ السَّمَكِ إلَى آخِرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ دَمَ السَّمَكِ وَلُعَابَ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَعْفُوًّا وَالْعَفْوُ يَقْتَضِي النَّجَاسَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ السَّمَكَ الْكَبِيرَ إذَا سَالَ مِنْهُ شَيْءٌ فَاحِشٌ يَكُونُ نَجِسًا مُغَلَّظًا وَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالتَّغْلِيظِ مَعَ وُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ عَلَى التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ الدَّمَوِيَّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ وَلِهَذَا اكْتَفَى مُحَمَّدٌ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ أَنَّهُ يَبْيَضُّ بِالشَّمْسِ وَالدَّمُ يَسْوَدُّ بِهَا فَلَا يَكُونُ دَمًا، وَأَمَّا لُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فَقَدْ مَرَّ فِي الْأَسْآرِ، وَأَمَّا الْبَوْلُ الْمُنْتَضِحُ قَدْرَ رُءُوسِ الْإِبَرِ فَمَعْفُوٌّ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ امْتَلَأَ الثَّوْبُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وُجُوبُ غَسْلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ حَقِيقَةً قُلْنَا: لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَسَقَطَ حُكْمُهُ وَقَوْلُهُ قَدْرَ رُءُوسِ الْإِبَرِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ قَدْرَ جَانِبِهَا الْآخَرِ يُعْتَبَرُ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلضَّرُورَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنَّجَسُ الْمَرْئِيُّ يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ)؛ لِأَنَّ تَنَجُّسَ الْمَحِلِّ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا وَلَوْ بِمَرَّةٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِمَرَّةٍ إذَا عَصَرَهُ وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يَغْسِلْهُ ثَلَاثًا بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ الْتَحَقَ بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ لَمْ تُغْسَلْ قَطُّ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يُغْسَلُ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ الْتَحَقَ بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ غُسِلَتْ مَرَّةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا مَا يَشُقُّ) أَيْ إلَّا مَا يَشُقُّ إزَالَةُ أَثَرِهِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِخَوْلَةِ بِنْتِ يَسَارٍ حِينَ قَالَتْ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَكْفِيك الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّك أَثَرُهُ»؛ وَلِأَنَّ فِيهِ حَرَجًا بَيِّنًا فَإِنَّ مَنْ خَضَّبَ يَدَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ بِحِنَّاءَ نَجِسٍ لَا يَزُولُ لَوْنُهُ بِالْغَسْلِ وَفِي قَطْعِهِمَا حَرَجٌ ظَاهِرٌ لَا يَلِيقُ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَتَفْسِيرُ الْمَشَقَّةِ أَنْ يَحْتَاجَ لِإِزَالَتِهِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ سِوَى الْمَاءِ كَالصَّابُونِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ الْمُعَدَّةَ لِقَطْعِ النَّجَاسَةِ الْمَاءُ فَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ فَلَا يُكَلَّفُ بِالْمُعَالَجَةِ بِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَيْرُهُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا وَالْعَصْرِ كُلَّ مَرَّةٍ) أَيْ غَيْرُ الْمَرْئِيِّ مِنْ النَّجَاسَةِ يَطْهُرُ بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ وَبِالْعَصْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَحْصُلُ عِنْدَهُ غَالِبًا وَلِهَذَا قَالَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا تَكْثُرُ) أَيْ فَلَا يَكُونُ فِيهِ بَلْوَى اهـ.

(قَوْلُهُ: فَكَانَ لِلِاجْتِهَادِ) أَيْ الْمُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ غَيْرِهِمَا اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئٍ الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَدَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ وَدَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَخَرْءُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ نَجَاسَةٌ مُخَفَّفَةٌ، قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَدَمُ السَّمَكِ لَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ يَبْيَضُّ بِالشَّمْسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ نَجِسٌ فَقُلْنَا بِخِفَّتِهِ لِذَلِكَ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَبَوْلٌ انْتَضَحَ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ) أَمَّا لَوْ انْتَضَحَ مِثْلُ رُءُوسٍ الْمِسَلَّةِ يَمْنَعُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلَ الْجَانِبِ الْآخَرِ يُعْتَبَرُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يَعْتَبِرُ الْجَانِبَيْنِ وَإِذَا أَصَابَهُ مَا يَكْثُرُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْحِمَارُ طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُحَرَّرْ إذْ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمَا تَصَوَّرَ لَنَا سُؤْرٌ مَشْكُوكٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ خَالَطَهُ شَيْءٌ قَلِيلٌ طَاهِرٌ لَمْ يُغَيِّرْ لَهُ وَصْفًا فَمِنْ أَيْنَ يَجِيءُ الشَّكُّ.

(قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) يَعْنِي أَنَّهُ طَاهِرٌ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ) أَيْ وَأَثَرِهِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا وَلَوْ بِمَرَّةٍ إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْمَحِلِّ بِمُجَاوَرَةِ الْعَيْنِ وَقَدْ زَالَتْ وَحَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ ضَرُورَةٌ أَنَّهُ مَأْمُورٌ لِتَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ وَلِذَا كَانَ مَنْدُوبًا وَلَوْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً كَانَتْ مُحَقَّقَةً وَكَانَ حُكْمُهُ الْوُجُوبَ. اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إلَّا مَا يَشُقُّ إزَالَةُ أَثَرِهِ) أَيْ مِنْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ بِالنِّيلِ أَوْ الْعُصْفُرِ النَّجِسِ فَغَسَلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ طَهُرَ وَلَا تَطْهُرُ النَّجَاسَةُ إلَّا بِمَاءٍ مُتَقَاطِرٍ وَإِنْ لَحِسَهُ بِلِسَانِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَلْقَى بُزَاقَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ طَهُرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ الطِّفْلُ إذَا قَاءَ عَلَى ثَدْيِ أُمِّهِ، ثُمَّ امْتَصَّهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ طَهُرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: «فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَكْفِيك الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّك أَثَرُهُ») أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ يَسَارٍ أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَأَنَا أَحِيضُ فِيهِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ إذَا طَهُرْت فَاغْسِلِيهِ، ثُمَّ صَلِّي فِيهِ قَالَتْ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ قَالَ يَكْفِيك الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّك أَثَرُهُ» فِي إسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ.

(قَوْلُهُ: بِحِنَّاءَ نَجِسٍ) فَغُسِلَ إلَى أَنْ صَفَا الْمَاءُ يَطْهُرُ مَعَ قِيَامِ اللَّوْنِ وَقِيلَ يُغْسَلُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، وَأَمَّا الطَّهَارَةُ لَوْ غَسَلَ يَدَهُ مِنْ دُهْنٍ نَجِسٍ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِهِ فَإِنَّمَا عَلَّلَهُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الدُّهْنَ يَطْهُرُ قَالَ فَبَقِيَ عَلَى يَدِهِ طَاهِرًا كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الدُّهْنِ يَنْجُسُ يُجْعَلُ فِي إنَاءٍ، ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَيَعْلُوَا الدُّهْنُ فَيَرْفَعُهُ بِشَيْءٍ هَكَذَا يَفْعَلُ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ. اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ: بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَطْهُرُ بِمَرَّةٍ كَالْحُكْمِيِّ قُلْنَا: الْحُكْمِيُّ عُرِفَ ثُبُوتُهُ بِالشَّرْعِ وَهُوَ حُكْمُ الشَّرْعِ بِزَوَالِهِ مَرَّةً، وَأَمَّا الْحَقِيقِيُّ عُرِفَ ثُبُوتُهُ بِالْحَقِيقَةِ فَيُعْرَفُ زَوَالُهُ بِالْحَقِيقَةِ وَهَذَا بِتَكْرَارِ الْغُسْلِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبِالْعَصْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْعَصْرِ فِي الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ، قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ وَيَعْتَبِرُ قُوَّةَ كُلِّ عَاصِرٍ حَتَّى إذَا انْقَطَعَ تَقَاطُرُهُ بِعَصْرِهِ، ثُمَّ قَطَرَ بِعَصْرِ رَجُلٍ آخَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>