للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَنْجِيزٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ هُوَ كَافِرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ اعْتِبَارًا لِلْمَاضِي بِالْمُسْتَقْبَلِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ يَمِينٌ لَا يُكَفِّرُ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ عِنْدَهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ بِالْحَلِفِ فِي الْغَمُوسِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يُكَفِّرُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ فَقَدْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْمَعْصِيَةِ بِالشَّرْطِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ زَانٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ وَنَحْوُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ حَلَفَ بِالتَّهَوُّدِ فَهُوَ يَمِينٌ وَلِأَنَّ حُرْمَتَهُ كَحُرْمَةِ هَتْكِ الِاسْمِ إذْ لَا يَحْتَمِلُ التَّبْدِيلَ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّبْدِيلَ عَقْلًا فَلَا يَكُونُ كَالْكُفْرِ فِي الْحُرْمَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِعِلْمِهِ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ وَرَحْمَتِهِ وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ وَحَقِّ اللَّهِ وَإِنْ فَعَلْته فَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَسَخَطُهُ أَوْ أَنَا زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا) أَيْ الْحَلِفُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا قَوْلَهُ وَسَخَطِهِ وَغَضَبِهِ وَرَحْمَتِهِ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ وَالنَّبِيِّ وَحَقِّ اللَّهِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا أَنَّ الْيَمِينَ لَا يَكُونُ بِغَيْرِ اللَّهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ وَالْغَضَبُ وَالسَّخَطُ يُرَادُ بِهِ أَثَرُهُ وَهُوَ النَّارُ وَكَذَا الرَّحْمَةُ يُرَاد بِهَا أَثَرُهَا وَهِيَ الْجَنَّةُ وَالْقُرْآنُ يُرَادُ بِهِ الْحُرُوفُ الَّتِي فِي اللَّهَوَاتِ وَالنُّقُوشُ الَّتِي فِي الْمَصَاحِفِ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَنَحْوَهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ

وَكَذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالتَّحَالُفِ بِهِ وَكَذَا إذَا قَالَ وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَأَمَّا إذَا قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُ كُفْرٌ وَالْحَقُّ الْمُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى طَاعَتُهُ فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ فَقَالَ أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَعْبُدُوهُ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ» وَالْحَلِفُ بِالطَّاعَةِ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَالْحَقُّ لِأَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ قَالَ حَقًّا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْمُنَكَّرَ مِنْهُ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَفْعَلُ كَذَا حَقِيقَةً لَا مَحَالَةَ وَلَوْ قَالَ وَوَجْهِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْوَجْهَ يُذْكَرُ بِمَعْنَى الذَّاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: ٢٧] وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الذَّاتُ وَيُرَادُ بِهِ الثَّوَابُ يُقَالُ افْعَلْ هَذَا لِابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ ثَوَابِهِ

وَلَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَلَمَّا سُئِلَ عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ لَا أَدْرِي كَأَنَّهُ وَجَدَ النَّاسَ يَحْلِفُونَ بِهِ فَجَعَلَهُ يَمِينًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْفَرَائِضَ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ فَعَلْته فَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَسَخَطُهُ أَوْ أَنَا زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا فَلِعَدَمِ التَّعَارُفِ بِالْحَلِفِ بِهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِالْحَلِفِ وَبِهِ قَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُرُوفُهُ الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ) أَيْ حُرُوفُ الْقَسَمِ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَوَاللَّهِ وَتَاللَّهِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ فِي الْكَلَامِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْبَاءُ هِيَ الْأَصْلُ وَهِيَ أُمُّ الْبَابِ تَدْخُلُ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْمُضْمَرِ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَبِهِ وَيَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا تَقُولُ حَلَفْت بِاَللَّهِ وَالْوَاوُ بَدَلٌ عَنْ الْبَاءِ تَدْخُلُ عَلَى الْمُظَهَّرِ كَقَوْلِك وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَلَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُضْمَرِ لَا يُقَالُ وَكَ وَلَا وَهْ مِثْلُ مَا يُقَالُ بِك وَبِهِ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا لَا تَقُولُ أَحْلِفُ وَاَللَّهِ كَمَا تَقُولُ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ وَهِيَ تَدْخُلُ عَلَى لَفْظَةِ اللَّهِ خَاصَّةً تَقُولُ تَاللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: ٨٥] وَلَا تَقُولُ تَالرَّحْمَنِ وَلَا تَالرَّحِيمِ وَأَلْحَقَ الْأَخْفَشُ بِتَاللَّهِ تَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَهُوَ شَاذٌّ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا لَا تَقُولُ أَحْلِفُ تَاللَّهِ وَلَا أُقْسِمُ تَاللَّهِ وَلَهُ حُرُوفٌ أُخَرُ وَهِيَ لَامُ الْقَسَمِ وَحُرُوفُ التَّنْبِيهِ وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَقَطْعُ أَلْفِ الْوَصْلِ وَالْمِيمُ الْمَكْسُورَةُ وَالْمَضْمُومَةُ فِي الْقِسْمِ وَمَنْ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ وَهَا اللَّهِ وَآللَّهِ وَمُ اللَّهِ وَمُنُ اللَّهِ، وَاللَّامُ بِمَعْنَى التَّاءِ وَيَدْخُلُهُمَا مَعْنَى التَّعَجُّبِ وَرُبَّمَا جَاءَتْ التَّاءُ لِغَيْرِ التَّعَجُّبِ دُونَ اللَّامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَدْ تُضْمَرُ) أَيْ وَقَدْ تُضْمَرُ حُرُوفُ الْقَسَمِ فَيَكُونُ حَالِفًا كَقَوْلِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ) اعْتِبَارًا لِلْمَاضِي بِالْمُسْتَقْبِلِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ إنْ فَعَلَ كَذَا عِنْدَنَا يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ هَلْ يَصِيرُ كَافِرًا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ حَلَفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَعَلَّقَ الْكُفْرَ بِأَمْرٍ مَاضٍ وَقَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ لَوْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَقَدْ كَانَ فَعَلَ وَهُوَ عَالِمٌ وَقْتَ الْيَمِينِ أَنَّهُ كَاذِبٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَصِيرُ كَافِرًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَاضِي يُتَنَجَّزُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكَفِّرُ وَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا غَمُوسٌ وَإِنْ حَلَفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكَفِّرُ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ إنْ كَانَ فِي اعْتِقَادِ الْحَالِفِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمَاضِي يَصِيرُ كَافِرًا فِي الْحَالِ فَيَصِيرُ كَافِرًا وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَفِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ يَصِيرُ كَافِرًا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ يَصِيرُ كَافِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِقَادِهِ ذَلِكَ لَا يَكْفُرُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ فِي الْمَاضِي. اهـ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُ كُفْرٌ) وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ. اهـ. كَافِي وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمُصْحَفِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ مَا فِي الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ أَيْ ثَوَابُهُ) أَيْ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا بِالشَّكِّ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا) فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ وَاَللَّهِ الْأَمِينِ. اهـ. كَافِي وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الطَّاعَاتِ اِ هـ كَافِي (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى) أَيْ قَبْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ اِ هـ

(قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ) قَالَ فِي الْكَافِي فَالْبَاءُ تَدْخُلُ عَلَى الْمَظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ وَالْوَاوُ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى الْمَظْهَرِ وَالتَّاءُ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى مَظْهَرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ اسْمُ اللَّهِ لِأَنَّ الْبَاءَ أَصْلٌ وَالْوَاوُ مُلْحَقٌ بِهِ لِأَنَّ فِي الْإِلْصَاقِ مَعْنَى الْجَمْعِ وَلِهَذَا لَا يُسْتَعْمَلُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَ الْوَاوِ وَالتَّاءُ مُلْحَقٌ بِالْوَاوِ

<<  <  ج: ص:  >  >>