بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنَّمَا صَارَ مُحْتَمَلًا لَهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَايَةً بِمَعْنَى حَتَّى بَعْدَ مَا كَانَ اسْتِثْنَاءً وَبَيْنَ الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَا بَعْدَهُمَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُمَا فَصَحَّتْ الِاسْتِعَارَةُ وَقَالُوا إنَّ هَذَا الْإِذْنَ يَتَقَيَّدُ بِحَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ لَهُ الْمَنْعُ وَهُوَ الزَّوْجُ كَالْوَالِي إذَا اسْتَحْلَفَ رَجُلًا لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلَدَ يَتَقَيَّدُ بِحَالِ وِلَايَتِهِ وَهَذَا صَحِيحٌ إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ قَائِمَةً وَقْتَ الْيَمِينِ وَأَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِأَجْنَبِيَّةٍ بِأَنْ قَالَ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ امْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَيْءٍ
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك أَوْ حَتَّى آذَنَ لَك فَلِأَنَّ كَلِمَةَ حَتَّى لِلْغَايَةِ فَيَنْتَهِي الْيَمِينُ بِهَا وَكَلِمَةُ أَنْ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهَا لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْخُرُوجِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَخْرُجُ هِيَ إلَّا بِإِذْنِي أَوْ خُرُوجًا أَنْ آذَنَ لَك وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى كَلِمَةِ حَتَّى فَتَكُونُ لِلْغَايَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي حَيْثُ لَا يُحْمَلُ عَلَى كَلِمَةِ حَتَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ غَيْرُ مُتَعَذِّرَةٍ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا تَخْرُجُ إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِإِذْنِي فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ فَإِنْ قِيلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: ٥٣] فَتَكْرَارُ الْإِذْنِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الدُّخُولِ فَبَطَلَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَنَّهَا لِلْغَايَةِ كَحَتَّى قُلْنَا تَكْرَارُ الْإِذْنِ فِيهِ عَرَفْنَاهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ أَنَّ دُخُولَ دَارِ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرَامٌ فَصَارَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: ٢٧] أَوْ عَرَفْنَاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: ٥٣] الْآيَةَ. فَصَارَتْ الْعِلَّةُ هِيَ الْإِيذَاءَ وَلَوْ نَوَى التَّعَدُّدَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك صُدِّقَ قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَنْ وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ فَتَكُونُ الْبَاءَ فِيهِ مُقَدَّرَةً فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا بِأَنْ آذَنَ لَك وَلِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيظًا عَلَى نَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً بِقَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْفِيفَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُصَدَّقُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ بَاعَ فُلَانٌ مَالِي إلَّا بِإِذْنِي وَإِلَّا أَنْ آذَنَ لَهُ لِمَا بَيَّنَّا وَالرِّضَا وَالْأَمْرُ كَالْإِذْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ فَقَالَ إنْ خَرَجْت أَوْ ضُرِبَ الْعَبْدُ فَقَالَ إنْ ضُرِبْت تَقَيَّدَ بِهِ كَاجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَقَالَ إنِّي تَغَدَّيْت) يَعْنِي لَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَخْرُجَ فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ إنْ خَرَجْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَرَادَ رَجُلٌ ضَرْبَ عَبْدِهِ فَقَالَ لَهُ أَخِّرْ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ تَقَيَّدَتْ يَمِينُهُ بِتِلْكَ الْخَرْجَةِ وَالضَّرْبَةِ حَتَّى لَوْ قَعَدَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ خَرَجَتْ أَوْ تَرَكَ ضَرْبَ عَبْدِهِ ثُمَّ ضَرَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا يَتَقَيَّدُ فِي قَوْلِهِ اجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَقَالَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ وَفِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ أَنْ مَعَ الْفِعْلِ مَصْدَرٌ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْإِذْنَ مِنْ الْخُرُوجِ وَهَذَا بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْخُرُوجِ إذْ لَوْ قُلْت إلَّا خُرُوجًا أَنْ آذَنَ لَك لَاخْتَلَّتْ فَتَعَيَّنَ مَجَازُهُ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ غَايَةَ الِاتِّصَالِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ حُكْمَ الْمَصْدَرِ وَالْمُغَيَّا يَنْتَهِي بِالْمُسْتَثْنَى وَالْغَايَةِ وَمَا بَعْدَهُمَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهُمَا. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَرْأَةِ تَذْهَبُ لِتَخْرُجَ فَيَقُولُ لَهَا زَوْجُهَا إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَعُودُ فَتَجْلِسُ ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ سَاعَةٍ قَالَ لَا تَطْلُقُ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَيَذْهَبُ لِيَضْرِبهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَرَكَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ لَمْ يَعْتِقْ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِآخَرَ اجْلِسْ فَتَغَدَّ فَيَقُولُ إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ يَأْتِي أَهْلَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَتَغَدَّى عِنْدَهُمْ لَمْ يَحْنَثْ إنَّمَا الْيَمِينُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَخْرُجَ فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقُ فَجَلَسَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذِهِ خَمْسُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَفَّ عَنْ ضَرْبِهِ ثُمَّ ضَرَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَمِنْهَا إذَا قَالَ لَهُ رَجُلٌ اجْلِسْ فَتَغَدَّ مَعِي فَقَالَ إنْ تَغَدَّيْت مَعَك فَعَبْدِي حُرٌّ وَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ ثُمَّ عَادَ وَتَغَدَّى عِنْدَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُسَمَّى يَمِينَ الْفَوْرِ وَجْهُ الْقِيَاسِ إطْلَاقُ الْكَلَامِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْغَدَاءِ إخْرَاجُ الْكَلَامِ مُخْرَجَ الْجَوَابِ وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ وَفِي الْفَصْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ مَقْصُودُ الْحَالِفِ مُنِعَ عَمَّا قُصِدَ مِنْ الْخُرُوجِ وَالضَّرْبِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ دَلَالَةً اهـ
وَقَالَ الْكَمَالُ وَهَذِهِ تُسَمَّى يَمِينَ الْفَوْرِ انْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإِظْهَارِهِ وَكَانَتْ الْيَمِينُ فِي عُرْفِهِمْ قِسْمَيْنِ مُؤَبَّدَةً وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ مُطْلَقًا وَمُؤَقَّتَةً وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ فَأَخْرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَمِينَ الْفَوْرِ وَهِيَ مُؤَبَّدَةٌ لَفْظًا مُؤَقَّتَةٌ مَعْنَى تَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ وَهِيَ مَا يَكُونُ جَوَابًا بِالْكَلَامِ يَتَعَلَّقُ بِالْحَالِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ تَعَالَ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَيَقُولُ إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَيَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ فَإِذَا تَغَدَّى فِي يَوْمِهِ فِي مَنْزِلِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حِينَ وَقَعَ جَوَابًا تَضَمَّنَ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ وَالْمَسْئُولُ الْغَدَاءُ فِي الْحَالِ فَيَنْصَرِفُ الْغَدَاءُ إلَى الْغَدَاءِ الْحَالِيِّ لِتَقَعَ الْمُطَابَقَةُ فَلَزِمَ الْحَالِيُّ بِدَلَالَةِ الْحَالِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا تَغَدَّى فِي مَنْزِلِهِ مِنْ يَوْمِهِ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى الْجَوَابِ فَيُعْتَبَرُ مُبْتَدِئًا لَا مُجِيبًا فَيُعْمَلُ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ وَيُلْغَى ظَاهِرُ الْحَالِ وَإِلْغَاؤُهُ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ لَفْظٍ صَرِيحٍ فِي مَعْنَاهُ أَوْ مَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ حَالِيٍّ كَامْرَأَةٍ تَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ فَحَلَفَ لَا تَخْرُجُ فَإِذَا جَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْت السَّاعَةَ اهـ
(قَوْلُهُ أَوْ تَرَكَ ضَرْبَ عَبْدِهِ) أَيْ سَاعَةً بِحَيْثُ يَذْهَبُ فَوْرُ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ) وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى كُلِّ غَدَاءٍ وَخُرُوجٍ وَضَرَبَ فَاعْتُبِرَ الْإِطْلَاقُ اللَّفْظِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute