وَقَدْ تَحَقَّقَتْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَهَذَا لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا إذْ نَفْسُ الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ لِأَنَّهُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْمَقْبُوضُ عَيْنٌ فَكَانَ غَيْرُهُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ بِقَبْضِهِمَا فَكَانَ آخِرُهُمَا قَضَاءً لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَحْنَثُ الْآخَرُ فِي يَمِينِهِ لَا يَقْضِي دَيْنَهُ دُونَ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَحَقَّقَ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ هُنَا فَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِهِ فَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ وَاشْتِرَاطُ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْبِرِّ وَلَا يُقَالُ شَرْطُ الْقَبْضِ لِيَتَقَرَّرَ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ بِعَرْضِيَّةِ السُّقُوطِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّا نَقُولُ الْبِرُّ الْمُتَحَقِّقُ لَا يَرْتَفِعُ بِبُطْلَانِ الثَّمَنِ وَانْتِقَاضِ الْمُقَاصَّةِ وَعَوْدِ الدَّيْنِ عَلَى مَا كَانَ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْمَبِيعِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَإِذَا قَبَضَهُ وَكَانَ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الطَّالِبُ أَمَةَ الْمَطْلُوبِ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِلْمَطْلُوبِ دَيْنٌ بِالْجِنَايَةِ أَوْ بِالِاسْتِهْلَاكِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الطَّالِبُ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْهِبَةُ) أَيْ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا تَكُونُ قَضَاءً لِلدَّيْنِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِعْلُ الْمَطْلُوبِ وَالْهِبَةَ إسْقَاطُ الدَّيْنِ مِنْ الطَّالِبِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُقَاصَّةُ فَنُبْطِلُ الْيَمِينَ إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَأَبْرَأَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَفِيهِ مَاءٌ فَأُرِيقَ قَبْلَ اللَّيْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ بِشُعَبِهَا وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَصَوُّرَ الْبِرِّ وَقْتَ وُجُوبِهِ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ مِنْهَا مَا إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ أَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا غَدًا فَمَاتَ الْيَوْمَ أَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا فَأَكَلَهُ الْيَوْمَ وَمِنْهَا مَا إذَا قَالَ إنْ رَأَيْت فُلَانًا وَلَمْ أُعْلِمْك بِهِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَرَآهُ مَعَهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَحْنَثْ فِي الْكُلِّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ وَيَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ وَمِنْ جُمْلَةِ فُرُوعِهَا مَا إذَا قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَهَبِينِي الْيَوْمَ صَدَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَبُوهَا إنْ وَهَبْت لَهُ صَدَاقَك فَأُمُّك طَالِقٌ فَالْحِيلَةُ فِي هَذَا حَتَّى لَا يَحْنَثَا أَنْ تُصَالِحَ أَبَاهَا بِثَوْبٍ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ لَمْ يَحْنَثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَمَّا الْأَبُ فَلِأَنَّهَا مَا وَهَبَتْ الصَّدَاقَ لِلزَّوْجِ
وَأَمَّا الزَّوْجُ فَلِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ الْهِبَةِ فِي آخِرِ النَّهَارِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ بِالصُّلْحِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْبِضَ كُلَّهُ مُتَفَرِّقًا) لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ قَبْضُ الْكُلِّ بِوَصْفِ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مُعَرَّفٍ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّهُ فَمَا دَامَ عِنْدَ الْمَدِينِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ بَاقِيًا لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ قَبْضِ الْكُلِّ وَهُوَ الشَّرْطُ وَلَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْيَوْمِ بِأَنْ قَالَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ الْيَوْمَ فَقَبَضَ الْبَعْضَ فِي الْيَوْمِ مُتَفَرِّقًا أَوْ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَخْذُ الْكُلِّ فِي الْيَوْمِ مُتَفَرِّقًا وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ قَالَ إنْ قَبَضْت مِنْ دَيْنِي دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ حَنِثَ وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ أَخَذْت مِنْهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ هُنَا قَبْضُ الْبَعْضِ مِنْ الدَّيْنِ مُتَفَرِّقًا وَفِي الْأَوَّلِ قَبْضُ الْكُلِّ بِصِفَةِ التَّفَرُّقِ وَلَوْ قَبَضَ الْكُلَّ جُمْلَةً ثُمَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فِي الرَّجُلِ يَقُولُ إنْ لَمْ أَقْضِ دَرَاهِمَك الَّتِي لَك عَلَيَّ فَعَبْدِي حُرٌّ فَيَبِيعُهُ بِهَا عَبْدًا ثُمَّ يَقْضِيهِ قَالَ قَدْ قَضَاهُ وَقَدْ بَرَّ وَإِنْ وَهَبَهَا لَهُ لَمْ يَبَرَّ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ بِالْمُقَاصَّةِ وَقَدْ حَصَلَتْ الْمُقَاصَّةُ فَيَحْصُلُ الْقَضَاءُ فَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ بَيَانُهُ أَنَّ حَقَّ رَبِّ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ وَالْقَضَاءُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي نَفْسِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ وَلَكِنْ مَا يَقْبِضُهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْعَيْنِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ لِنَفْسِهِ فَكَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِلْمَدْيُونِ وَلِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدْيُونِ مِثْلُهُ فَالْتَقَى الدَّيْنَانِ قِصَاصًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فَكَانَ آخِرُهُمَا قَضَاءً لِلْأَوَّلِ) وَكَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ شَيْئًا وَانْظُرْ مَا سَيَأْتِي آخِرَ هَذَا الْبَابِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْحُدُودِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَحَقَّقَ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ) أَيْ قَبَضَ الدَّائِنُ الْعَبْدَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَاشْتِرَاطُ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) أَيْ لِيَتَأَكَّدَ الْبَيْعُ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لَكِنْ لَا يَرْتَفِعُ الْبِرُّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ) أَيْ وَإِلَّا حَنِثَ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ أَنْ تُصَالِحَ) بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ تُصَالِحَ زَوْجَهَا فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِي تُصَالِحَ عَائِدٌ لِلزَّوْجَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَبَاهَا) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهَكَذَا هُوَ فِي النِّهَايَةِ وَقَدْ عَزَا الْمَسْأَلَةَ فِيهَا لِلْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ وَفِي مَوْضِعٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَهَبِي لِي صَدَاقَك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَبُوهَا إنْ وَهَبْت لَهُ فَأُمُّك طَالِقٌ الْحِيلَةُ فِي أَنْ لَا يَحْنَثَا تُصَالِحُ أَبَاهَا عَنْ مَهْرِهَا بِثَوْبٍ مَلْفُوفٍ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ لَا يَحْنَثُ الْأَبُ لِأَنَّهَا لَمْ تَهَبْ وَلَمْ يَحْنَثْ الزَّوْجُ لِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ الْهِبَةِ عِنْدَ الْغُرُوبِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ بِالصُّلْحِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ اهـ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مُعَرَّفٍ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْبِضُ دَيْنِي دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ وَالدَّيْنُ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْبِضُ كُلَّ دَيْنِي بِصِفَةِ التَّفَرُّقِ فَلَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ قَبْضِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بَلْ يَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ عَلَى قَبْضِ الْبَعْضِ الْآخَرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِتَمَامِ الْقَبْضِ مُتَفَرِّقًا غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّفَرُّقُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِتَعَذُّرِ الْوَزْنِ لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ لَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَ الْوَزْنَتَيْنِ إلَّا بِعَمَلِ الْوَزْنِ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعُ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَكَانَ الْوَزَنَاتُ كَوَزْنَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَشَاغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ مَجْلِسُ الْقَبْضِ عَلَى مَا عُرِفَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَقَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ أَخَذْتهَا مِنْك الْيَوْمَ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ مِنْهَا خَمْسَةً وَلَمْ يَأْخُذْ مَا بَقِيَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَخْذُ كُلِّ الْمِائَةِ عَلَى التَّفْرِيقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ أَخَذْت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute